تؤدي الأحلام إلي سياسات خطيرة, خاصة اذا ما أصر أصحابها علي الإنكار ورفض الواقع! ففي مواجهة قناعة إخوانية بمشروعهم, فإن الكثيرين يدركون أن هناك مشكلة تتعلق بغياب فهم هذا المشروع, أو ذلك الحلم, فحتي بالنسبة لدائرة المستشارين حول الرئيس محمد مرسي والتي تساقطت واحدة وراء الأخري ثمة شكوي من عدم الوضوح بشأن: من يقوم بماذا, من يقرر ماذا, من يتحكم بمن.. وإلي أين نتجه, وهكذا عادت المزايدات السياسية الشعبوية, ومحاولات تسجيل المواقف لتتصدر المشهد السياسي, وسط حالة من التراشق الحاد ما بين الإخوان وخصومهم, بل وحتي من دائرة حلفاء الأمس كحزب النور أو المزايدات الصارخة من قبل حازم أبواسماعيل, وبالطبع تبادل الاتهامات لاتزال علي حالها ما بين الإخوان والحرية والعدالة, وجبهة الانقاذ الوطني. واذا ابتعدنا قليلا فإن الحكومة الحالية برئاسة د. هشام قنديل حالها ليس أفضل من سابقاتها, فالكل يهاجمها إلا الرئيس واذا ما تلفتت خلفها ستري موجات متنامية من الشك في قدرتها وكفاءتها بعضها صادق وبعضها الآخر مخيف!, فيكفي أن الغالبية لا تأخذها علي محمل الجد, كما أن هذه الموجة العارمة من الرفض واللامبالاة بها قد فرض ستارة عريضة علي أدائها بحيث لا يتم التعامل معها بالجدية والموضوعية اللازمين, وذلك حتي يتم رؤية أي إنجاز لها ولو كان صغيرا!, والي أن يستيقظ قادة الإخوان والرئيس مرسي من حلمهم, فإنه لن يري سوي الواقع!, والواقع يقول إن حلم طائر النهضة لم يحلق بجناحيه أبدا, ولم ير الناس أي أثر يدل عليه أو يبشر بقدومه, وانما أزمات وراء أزمات وسوء فهم, وربما سوء نية, وانشقاقات واحتقار سياسي, وأزمة سيا اقتصادية, وحتي رحلات الرئيس ونشاطه الخارجي لم يسلم من الغمز واللمز وجري تصويره بأنه محاولة للهروب من الواقع!, إذن نحن بحاجة للإقرار بوجود مشكلة؟!ويرصد الباحث الأمريكي في مركز كارينجي للشرق الأوسط بعض ملامح هذه المشكلة في بحث عميق بعنوان الإسلام والسياسة في مصر, فهو يري أن تغييرا جذريا يجري عقب الثورة المصرية, إذ يؤدي الإسلام دورا مختلفا وأكثر قوة في الحياة العامة المصرية, إلا أن التركيز علي تنامي نفوذ القوي الإسلامية يخفي تطورا لا يمكن التنبؤ به تحت السطح, ويقول ناثان إنه تجري حاليا عملية إعادة تشكيل جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين ومجموعة من مؤسسات الدولة ذات الصلة بالإسلام( أبرزها الأزهر) بوسائل عميقة ويصعب فهمها, ولايمكن التنبؤ بها, من خلال مشاركتها في الحياة السياسية, وخلاصة رؤية الرجل كالتالي: الحياة السياسية ستغيرهم من خلال وسائل غير قادرين علي السيطرة عليها, لا تتبع مصر مسار إيران نحو الحكومة الدينية إلا أنه عندما يدخل الدين عالم السياسة فهو لن يبقي علي حاله, ربما سوف تستنتج القوي الإسلامية التي ترغب في استغلال سلطة الدولة لبناء مجتمع أكثر تدينا يوما ما أنه كان عليها أن تعبر عن أمانيها بصورة أكثر حذرا, ولكن أخطر توصية للإخوان هي أظهرت جماعة الإخوان المهيمنة حاليا براعة تكتيكية في تحقيق انتصارات انتخابية, لكنها مازالت بحاجة إلي تكوين رؤية استراتيجية واضحة تمكنها من التحول من حركة اجتماعية معارضة مكرسة لإصلاح المجتمع كله الي حزب سياسي تنافسي. ويبقي أن الأزمة كلها علي أرض الواقع السياسي, الذي هو في نهاية المطاف بيئة مختلفة عن مجال الدعوة, كما أن الوقائع تظهر يوما بعد يوم ان الجماعة لم تؤسس لخوض غمار السياسة ولا لتولي الحكم, وها هي الجماعة تتعرض الي الضغوط القوية والاختبارات الصعبة بمجرد تولي مقعد قيادة الحكم, ويري البعض أن المشكلات المتراكمة والمشكلات المستجدة تختبر قدرة الإخوان علي الحكم, ومواجهة ضغوطه, والأهم النجاح فيه, إلا أن الإنصاف يقول إن الرؤية الإخوانية ليست مفهومة كما أن نتائجها علي الأرض لم تظهر, وبالتالي ربما يتعين الحذر لأن ذلك لن يشوه صورة الإخوان فحسب, بل ربما حسبما يقول ناثان ينفر الشعب أيضا من أي شكل من أشكال الرؤية الإسلامية للسياسة والمجتمع. آخر الكلام: الديمقراطية التي لا تحل مشكلات الناس لا تدوم! لمزيد من مقالات محمد صابرين