بعد أن نشرت «الصباح» جزءا من مذكرات وزير الحربية الأسبق شمس بدران، التى أثارت جدلا واسعا بين أوساط الناصريين، و«الإخوان المسلمون»، حيث هاجم فيها عبدالناصر، وكذّب فيها قصص قيادات الإخوان عن تعذيبهم على يد بدران فى السجن الحربى.. واليوم يواصل الرجل المثير للجدل، المنفى فى لندن منذ 38 عاما رده على رد المؤرخ الناصرى والكاتب الصحفى الكبير أحمد الجمال.. فإلى التفاصيل..
شمس بدران ل«الصباح»: المشير عامر أقنع عبدالناصر بالتحول لنظام «الديمقراطية البرلمانية».. وتعيين السادات رئيسا للجمهورية.. وهيكل أعاده لفكرة «الأسطورة» كنت وزيرا للحربية بصلاحيات كاملة.. ورفضت القرار لأنه تخطى قيادات أفضل وأقدم منى لو ترشح أحد أبناء عبدالناصر الآن لانتخبته رئيسا حسنين هيكل ملياردير مصر الأكبر ويحقق مصالح أمريكا الاستراتيجية
منذ أعوام طويلة وبعد استقرارى فى إنجلترا، كنت أحاول تدوين مذكراتى، وكان الهدف من ذلك رواية الوقائع للأجيال الحالية والقادمة وفق الحقيقة، بعيدا عن الغرض، كانت محاولة التدوين الأولى التى تم نشرها فى عام1982 عندما اتصل بى إبراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام فى ذلك الوقت، وقام بإرسال عقد النشر موقعًا بإمضائه وليس كما يقول المؤرخ الناصرى الكبير السيد «أحمد الجمال» بأن «بدران» ظل صامتا، حتى انتقل كل من كانوا أحياء ومشاركين فى الأحداث إلى رحمة الله.
ويقول المؤرخ الكبير أحمد الجمال، إن شمس بدران استباح لنفسه أن يروج لمذكراته بأنها تتضمن حكايات عن الحياة الجنسية لجمال عبدالناصر، وأنا أقول للسيد أحمد الجمال إنه عندما سألنى الصحفى والناشر محمد الصباغ فى الحديث التليفزيونى عن محاكمة صلاح نصر بتهمة الفساد، أجبته بأن عبدالناصر الذى كان يطلب من صلاح نصر أفلاما جنسية أخذ يحاكمه بعد ذلك على الفساد، وعندما تذكرت أن ذلك سوف يكون واردا فى التسجيل طلبت حذفه.
ولنترك الآن هذه الخزعبلات ولننتقل إلى الحديث المفيد، لنقول للكاتب الناصرى الكبير إنه بعد الثورة فى تونس، ثم ثورة الربيع فى مصر، فإن عهد الديكتاتوريات قد انتهى وإلى الأبد منذ أصبح الشعب واعيًا الوعى الكامل، ولن يسمح بديكتاتوريات أخرى.
وفى هذا المجال، يتعين لى أن أقول إن عبدالحكيم عامر حاول إقناع عبدالناصر فى الستينيات بأن يتحول الحكم إلى ديمقراطية برلمانية، وأن يكون أنور السادات رئيسا للجمهورية، ويكون عبدالناصر رئيسا للوزراء، ثم يكون حزبا ناصريا تحت قيادته، ليدخل انتخابات حرة، تجعله رئيسا للوزراء بحكم الشعب، وقد اقتنع عبدالناصر بعض الوقت بهذه الفكرة، ولكن محمد حسنين هيكل أعاده مرة أخرى إلى فكرة الأسطورة.
وأحب أن أقول الآن للسيد أحمد الجمال، المؤرخ الناصرى الكبير، الذى كان فى سن المراهقة أيام حكم عبدالناصر، أقول له الآن إنه إذا أعيدت انتخابات رئاسة الجمهورية فسوف أعطى صوتى بلا منازع لأىّ من أولاد عبدالناصر، لأنهم وقد انتهت فكرة الأسطورة سوف يكونون على أمانة أبيهم وشجاعة أبيهم، الذى مات فقيرا.
وأعود الآن إلى عقد نشر مذكراتى التى أرسلتها إلى إبراهيم نافع بأن قام صلاح منتصر المحرر فى جريدة الأهرام بنشر خبر على الصفحة الأولى لأحد المتهمين فى قضايا السرقة والتهرب من الجمارك، يقول فيه إن شمس بدران كان يمرر الموتوسيكلات على بطنه.. والحقيقة هنا أننى لم أر هذا المتهم فى حياتى، ولم تكن تلك القضايا تخصنى، بل كانت المباحث العسكرية تقوم بالتحقيقات فى هذا الموضوع بتكليف من عبدالحكيم عامر.. وبعد نشر تلك المقالة قمت بإرسال خطاب ب«التليكس» لإبراهيم نافع معتذرا عن تنفيذ العقد لنشر مذكراتى..
ويمكن للسيد المؤرخ الناصرى الكبير أن يطلع على ذلك العقد فى دار الأهرام للنشر، ثم يقول الكاتب الناصرى فى ملاحظته الثانية إن بدران لم يخجل من أن يذكر أنه كان وزيرا للحربية وصلاحياته مضحكة وشكلية.
وهنا أقول للمؤرخ الناصرى الكبير أن يقرأ قبل أن يفتح فمه لأن صلاحيات وزير الحربية كانت تقريبا هى كل صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة عدا الحرب والقتال، ويمكنه الرجوع إليها فى قرار نائب القائد الأعلى بتفويض من عبدالناصر عام 1966.
ثم يقول المؤرخ الناصرى الكبير فى ملاحظة أخرى بأن شمس بدران لم يخجل وهو يتكلم عن الفريق أول محمد فوزى وحمّله مسئولية عدم بناء دشم الطائرات، وأنا أعيد القول مرة أخرى للكاتب الذى لا يريد أن يفهم بأن محمد فوزى كان يشطب ميزانية الدشم عاما بعد عام، وأنا الذى خصصت مبلغا لبنائها، وهو ما تم فى نوفمبر عام 1972.
وكانت ميزانية القوات المسلحة فى أبريل عام 67 من اختصاصى منذ عام 66 عندما أصبحت وزيرا للحربية، ولذلك قامت إسرائيل بعد نحو شهر ونصف الشهر من تخصيص مبلغ لبناء الدشم بالهجوم على الطائرات المصرية الواقعة فى العراء، وذلك لأن إشارة الفريق عبدالمنعم رياض التى أرسلها من عجلون فى الأردن، والتى تفيد بتوجه الطائرات الإسرائيلية إلى مصر على ارتفاع منخفض لم يستقبلها الفريق أول محمد فوزى، لأنه لم يكن موجودا فى مقر القيادة العامة فى ذلك الوقت، ولو كان قد استقبلها، وهى مسئوليته، لأمكن للطيران المصرى الواقف فى العراء أن يصعد لمهاجمة المقاتلات الإسرائيلية وإسقاط عدد كبير منها، ولكن للأسف الشديد لم يتم ذلك، وأبيد أغلب الطيران المصرى فى الطلعة الأولى للمقاتلات الإسرائيلية.
وبعد استقالة عبدالحكيم عامر سأل «عبدالناصر» صلاح نصر عمن يكون أنسب شخص لقيادة القوات المسلحة، وكان رأى صلاح نصر أنه الفريق عبدالمحسن مرتجى، ولذلك عاد عبدالناصر وسألنى عمن الأصلح هل هو مرتجى أو فوزى، قلت له إذا كنت تريد الأصلح ولنعود الآن إلى تلك النصيحة الموجزة للمؤلف الناصرى الكبير التى يقول فيها بأن ينصرف العقيد المتقاعد شمس بدران إلى ما يفيد وأنا لم أكن عقيدا فى ذلك الوقت، بل كنت وزيرا للحربية، وقد عيننى عبدالناصر لذلك المنصب رغم عدم رضائى عن ذلك، لأنه كان متخطيا كل من كانوا أكبر منى سنا، وأكثر منى تأهيلا مثل السيد أمين هويدى، الذى أصبح وزيرا بلا وزارة.
وبعد ذلك يقول أحمد الجمال، المؤرخ الناصرى، إن شمس بدران إذا أراد أن يعود إلى الضوء فليست بهذه الطريقة التى أرادها سماسرة المذكرات والكتب الرخيصة، وهو يعنى هنا السيد محمد الصباغ رئيس تحرير دار الخيال للنشر، وهى مؤسسة محترمة لا تتقاضى عمولات من السيد محمد حسنين هيكل.
وفى الختام، أحب أن أسأل الكاتب الناصرى عمن يموله، فأولاد عبدالناصر ليست لهم القدرة على ذلك بعد أن مات أبوهم فقيرا، وإذن فلابد أن يكون ذلك التمويل نابعا من خالق الأسطورة الملياردير الأكبر السيد محمد حسنين هيكل، الذى أصبح الآن هو الحاكم الفعلى لمصر بتأييد مستتر من أمريكا، لتحقيق مصالحها الاستراتيجية فى الشرق الأوسط.
وفى الختام، أقول للسيد «هيكل» إذا كنت تريد كاتبا ناصريا، فعليك أن تستخدم شخصا أصلح، يكون مؤمنا إيمانا حقيقيا بأسطورة عبدالناصر.
أحمد الجمال يعقّب: يا سيد شمس.. فلتقل خيرًا أو لتصمت
لا أعرف شمس بدران الشخص، وما عرفته كان سماعيًا من أشخاص كانوا ومازالوا محل ثقتى، لكن معظمهم إن لم يكن كلهم أجمعوا على رأى سلبى فيه، لذا لن أتعرض لشخصه حتى لا يدخل كلامى نطاق الشهادة المجروحة، رغم الأهمية القصوى للعلاقة بين ذوات الأشخاص وبين أفكارهم وسلوكياتهم ومواقفهم، حيث تبقى الذات والموضوع وجهين لعملة واحدة هى الشخصية العامة.
وما كتبه بدران سواء فى المواضيع التى نشرتها «الصباح»، أو فى مذكراته التى يزعم أنه أنهاها، يدخل فى نطاق ما يسميه علماء التاريخ بالشهادات الشفهية من معاصرى الأحداث والمشاركين فيها. وهذه الشهادات لابد أن تخضع وفق علم مناهج البحث التاريخى لما يعرف بالنقد الداخلى للرواية أو الشهادة، والنقد الخارجى لها، وهذا النقد هو الأداة المعاصرة المماثلة لعلم الجرح والتعديل الذى اتصل بروايات الحديث النبوى الشريف، والذى كان من أهم قواعده أن يكون الراوى للحديث والناقل للرواية شخصاً سويًا، محلاً للثقة، ليس فى مسلكه ولا عقيدته مثلب من المثالب، وهو الأمر الذى لو طبقناه على البعض لما صلحوا أصلا للشهادة التاريخية.
ولقد عرفت قصة مذكرات بدران منذ عامين أو أكثر، وعرفت أنه ضمنها أو بالأحرى كتبها خصيصا ليغتال شخصية جمال عبدالناصر وفريق العمل الذى عمل معه، بعد أن اختفى بدران مع شلة عامر، وعرفت أن بدران ليس لديه أى كوابح ولا اعتبارات أخلاقية من التى يتسم بها رجال العسكرية عموما ومن الثوار خصيصا، لدرجة أنه كما عرفت استباح لنفسه أن يروّج لمذكراته بأنها تتضمن حكايات عن الحياة الجنسية لجمال عبدالناصر وكيف أنه كان يعانى من الضعف وأنهم كانوا يحضرون له أفلاما لفنانة بعينها!
وعندما علمت الأمر من زميل إعلامى انتدبوه ليحاور بدران كتبت وانتقدت الأمر بضراوة، وقطعت الطريق على إدارة تحرير «الأهرام» آنذاك، وكان على رأسها عبدالمنعم سعيد وأسامة سرايا المعروفان بعدائهما غير الموضوعى لعبدالناصر وثورة يوليو، خاصة أن الصفقة كانت برعاية جمال مبارك ولجنة سياساته بهدف محدد هو مزيد من اغتيال شخصية الزعيم عبدالناصر وثورة يوليو لأنهما كانا الغصة العالقة فى حلق آل مبارك وبخاصة الزوجة والابن. وبالفعل أوقف نشر المذكرات ولم أفاجأ بشماشرجية وسماسرة هذه النوع من أنواع العمل الإعلامى الإعلانى وقد أصابهم الجنون وفتحوا النار على شخصى الضعيف، وتجلت مواهب وقدرات أحدهم، وأظن أن اسمه الباز، فى التهجم على العبدلله، لأن الطريق تم قطعه على سبوبة يبدو أنها كانت دسمة.
ودارت الأيام واختفى آل مبارك وتغيرت مصر وصار لها جدول أعمال آخر غير التوريث الذى كان يجب أن يتم على أنقاض يوليو وعبدالناصر، لكن السماسرة والشماشرجية لم يختفوا، ربما لأنهم ليسوا فى العير ولا فى النفير، وأعادوا المحاولة، وها هو بدران ينز بقيحه وصديده على مساحات أظنها من حق مصر ثورة يناير وليس مصر التوريث والتبعية! ما علينا.. لقد تحدث بدران عن تبرئة نفسه من تهمة تعذيب الناس فى السجن الحربى، ورد الأمر إلى ما قبل يوليو وإلى أيام الاحتلال البريطانى!
وتحدث عن تبرئة ذاته ومنصبه كوزير حربية من النكسة ومعه صلاح نصر، وتحدث أيضا للرد على البرادعى وعلى الإخوان المسلمين.. وفى ثنايا رده تعجب ممن طلب إليه أن يسكت أو يبتعد!
وبداية فإننى أرى أن أقوال بدران ومذكراته وكل ما عنده لا يستحق الرد ولا يستحق التعليق، وإن لزمت قراءته فلكى يتأكد المرء خاصة من يقرأ بعين المؤرخ والسياسى أن الكارثة لم تكن فى النكسة والهزيمة لكنها كانت بشكل أكبر فى هؤلاء الذين كانوا على رأس الجيش العظيم نفسه الذى خاض حربى الاستنزاف وأكتوبر وانتصر!
يلفت نظرى أن بدران ظل صامتا حتى انتقل كل من كانوا أحياء ومشاركين فى الأحداث إلى رحمة الله، وكانت الفروسية والرجولة تقتضى أن يتكلم وهم أحياء، وقد ظلوا أحياء بعد أن دخلوا السجون وخرجوا منها، وقابلت معظمهم ومنهم السادة: أمين هويدى ومحمد فوزى وعلى صبرى وسعد زغلول عبد الكريم وعبدالمحسن أبوالنور وكثيرون غيرهم.. بل إن البعض ترك مذكرات منشورة مهمة ووافية، وهذه ملاحظة أولى.
الملاحظة الثانية أن بدران لم يخجل من أن يذكر أنه كان وزير حربية بصلاحيات شبه مضحكة لمحدوديتها وشكليتها، وأنه كان الأجدر به أن يترك ذلك الموقع، مادامت صلاحياته كانت على ذلك النحو!
ولم يخجل أيضا وهو يتكلم عن الفريق أول محمد فوزى، الذى لاقى ربه منذ سنين ويحمله مسؤولية عدم بناء دشم الطائرات، لأن فوزى فى ظل كابوس وجود عامر وشلته، ومنها بدران، كان هو الآخر محدود الصلاحيات، وبدرجة أفدح من بدران، أما مسألة التعذيب فقد حاول أن يراوغ فيها، وهى أمر لا يقره أحد، وهو من أخطر سلبيات تلك المرحلة من مراحل ثورة يوليو.
وامتلك عبدالناصر الشجاعة الكافية لممارسة النقد الذاتى، وأعلن تحمله المسؤولية الكاملة عن كل ما أدى للهزيمة، وأعلن فى خطاب عن سقوط دولة المخابرات ومراكز القوى.
وقد فعل بدران حسنا بحديثه عن مؤامرة الإخوان فى 1965 ورد عليهم وحبذا لو واتته القدرة والشجاعة على نشر وثائق تؤيد وتؤكد ما قاله، لو كانت لديه أو كان يعرف طريقها.
الملاحظة الثالثة والأخيرة هى نصيحة موجزة أرجو أن يقبلها العقيد المتقاعد شمس بدران، وهى أن ينصرف إلى ما يفيد، سواء فى تنمية تجارة الجبن الذى سمعت أنه يمارسها، أو الاهتمام بصحبته فيما تبقى له من عمر، ثم إذا أراد أن يعود للضوء فليس بهذه الطريقة التى ربما أرادها له سماسرة المذكرات والكتب الرخيصة لكى يضمنوا فرقعات ومعارك وهمية، ربما تساهم فى زيادة أرباحهم، وإنما الطريقة المثلى أن يركز على استخلاص دروس الأحداث التاريخية التى عايشها وشارك فيها، وأن يعالج الأمور بعين عالمة ناقدة، حتى إن مسه النقد هو شخصيا، لكى تستفيد الأجيال الطالعة من هذه الدروس.
ولا أريد أن أقول له تعلم من سلوك رجلين رغم الفارق الكبير بين موقعيهما فى مسيرة يوليو، هما السيد زكريا محيىالدين والسيد محمد أحمد، وكلاهما لم يثرثر ولم يتاجر، رغم أنك تعلم حجم ومقام زكريا محيىالدين ودوره الذى لا ينكر، وتعلم أيضا ما كان لدى محمد أحمد من معرفة بتفاصيل التفاصيل فى حياة عبدالناصر.