أمام فرشة يضع عليها صينية مملوءة بالترمس يجلس عم عطية موسى نصيب الشيخ السبعينى بجلبابه وشاله الأبيض، تحمل ملامحه وهيئته الكثير من التفاصيل والصفات دون أن يتكلم، فتبدو عليه حكمة الشيوخ وحكايات الزمن والسنين التى مرت عليه. عم نصيب هو وعدد من زملائه الباعة المنتشرين قالوا «نعم للدستور» دون أن يعرف تفاصيله أو أن يقرأه ولكنه قالها أملًا فى الاستقرار كما يقول «البلد حالها واقف والناس مش لاقية تاكل يمكن لما نقول نعم الدنيا تمشى والشباب يشتغلوا والحكومة تبص للشيوخ اللى زييى ويرجعوا لى الأرض اللى كنت بازرعها وآكل أنا وعيالى من خيرها أو يدونا بديل عنها». حكاية عم نصيب تجسد ما حدث فى مصر من تغيرات خلال الستين عاما الماضية، يحكى بصوته المميز كيف كان يعيش فى رغد هو وأسرته حيث حصل والده على عشرة فدادين بالإيجار فى ديرب نجم بالشرقية أيام الرئيس جمال عبدالناصر وبعد وفاة والده زرع عم نصيب هذه الأرض ليكمل مسيرة أبيه إلى أن تغير القانون سنة 1990 وقررت الحكومة نزع الأراضى من المستأجرين وتسليمها لمالكيها. «كنت بادفع500 جنيه إيجار للفدان وكنت بازرع قطن ورز وذرة وعيالى بيشتغلوا معايا وكنا مبسوطين، كان الفدان بيجيب 16 قنطار قطن و5 طن رز، وفى سنة 1990 قررت الحكومة تسليم الأرض للمالك حسب قانون الدولة، وقالوا إنهم هيوفروا بديل للمستأجرين لكن ده ماحصلش، رحت وزارة الزراعة ولفيت على أعضاء مجلس الشعب لكن قالوا مفيش غير أراضى لشباب الخريجين وحتى ولادى ماقدروش ياخدوها ونزلنا القاهرة، هما اشتغلوا فواعلية بيشيلوا طوب ورمل وأنا اشتغلت فى المعمار، رفضت أدفع رشوة ألف جنيه وأكسب قصادها 50 ألف علشان أسوى أمورى فى أكتوبر وآخد مقاولة لإحدى الشركات لأنى راجل اعرف ربنا وبصلى وعارف إن الراشى والمرتشى ملعونين وفى النار». وانتهى الحال بعم نصيب فى شقة إيجار جديد وفرشة يبيع عليها الذرة والترمس لكنه يحتفظ بقوة شخصيته وهيبته وعلمه الفطرى فيقول: «أنا مش متعلم بس شربان المر من الدنيا وعلمتنى كتير، مراتى اتوفت من 24 سنة وقعدت على عيالى، عندى بنتين و3 ولاد اتجوزوا ما عدا بنت واحدة، باشتغل واصرف عليها باللى يجود بيه ربنا لكن مش بادفع إتاوة لحد وماحدش يقدر ياخد منى حاجة بالعافية ولو طارت فيها رقبتى، ومش باستلف ولا أمد ايدى، ماليش معاش وجريت على أوراقه لكن لسه متعقد عند الموظفين». «من بعد عبدالناصر مفيش حد للغلابة، بيدوا الغريب 100 ألف فدان يستثمر فيهم والمصريين فيهم ناس بتاكل من الزبالة، وبياخدوا مصدر رزق واحد زييى ومايفكروش يعطوه بديل يعيش منه بالحلال، والبلد عمر حالها ما هينصلح إلا لما الحكومة والرئيس يحسوا بالغلابة ونارهم». يقول عم نصيب: «لو الرئيس مرسى لم يعطينى أرض أزرعها أنا وولادى وناكل من خيرها يبقى مصر ماحصلش فيها أى تغيير».