المصري الديمقراطي ينظم تدريبًا حول تحليل الموازنة العامة    انقطاع المياه بعدد من مناطق مركز الخانكة    ويتكوف: تخصيب إيران اليورانيوم خط أحمر بالنسبة للولايات المتحدة    خطف بطاقة التأهل.. الترتيب النهائي لمجموعة منتخب مصر للشباب في أمم أفريقيا    استنفار بالغربية والمحافظ يتابع من مركز السيطرة جهود التعامل مع حريق شونة كتان بزفتى.. صور    تكريم عمرو يوسف ودينا فؤاد بختام مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما.. صور    إنقاذ حالة ولادة نادرة بمستشفى أشمون العام    ما حكم من ترك طواف الوداع في الحج؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    محافظ الإسكندرية يشدد على إعلان التصميمات الهندسية واللوحات الإرشادية بطريق الحرية    الكرة النسائية.. الزمالك يخطف نقاط المقاولون بهدف نظيف    قصص «أقفل المحضر في ساعته وتاريخه» لوئام أبوشادي ترصد الصمود الإنساني في وجه الأزمات    وزير الثقافة يصطحب نظيرته الفرنسية في جولة بالجناح المصري في بينالي فينيسيا للعمارة    بوليانسكي: روسيا ترحب بإصلاح متزن لدور الأمم المتحدة    منظومة الدفاع الجوي الصينية HQ-9.. قوة ردع باكستانية أمام الهند    فريق طبي بسوهاج الجامعي ينجح في استخراج «دبوس» من معدة طفل    ستيف ويتكوف: ترامب يؤمن بالسلام عبر القوة ويفضل الحوار على الحرب    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    تكريم رئيس هيئة قضايا الدولة في احتفالية كبرى ب جامعة القاهرة    عمرو سلامة عن تعاونه مع يسرا: «واحد من أحلام حياتي تحقق»    "بنقول للضحايا إحنا مباحث".. اعترافات عصابة الشرطة المزيفة ب"عين شمس"    الدوري الألماني.. توماس مولر يشارك أساسيا مع بايرن في لقائه الأخير بملعب أليانز أرينا    النيابة تصرح بدفن جثة شاب غرق بترعة أبيس في الإسكندرية    فريق طبي بمستشفى سوهاج الجامعي ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    شهادات مزورة ومقر بدون ترخيص.. «الطبيبة المزيفة» في قبضة المباحث    مصرع عنصرين إجراميين في مداهمة بؤرًا خطرة بالإسماعيلية وجنوب سيناء    موعد بدء العام الدراسي الجديد وتفاصيل الخريطة الزمنية والإجازات    ارتفاع توريد القمح المحلى إلى 128 ألف طن وزيادة التقاوى ل481.829 طن بالدقهلية    خبر في الجول - الزمالك يحدد موعدا جديدا للتحقيق مع زيزو    محافظ الشرقية يطمئن على نسب تنفيذ أعمال مشروعات الخطة الإستثمارية للعام المالي الحالي بديرب نجم    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    الاتحاد الأوروبي يتعهد بدفع مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة لتمويل الصناعة العسكرية الأوكرانية    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    جدل فى بريطانيا بسبب اتفاق ترامب وستارمر و"الدجاج المغسول بالكلور".. تفاصيل    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية    التموين تعلن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على البطاقة    إعلان نتائج بطولة ألعاب القوى (طلبة - طالبات) للجامعات والمعاهد العليا المصرية    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    جامعة مصر للمعلوماتية تعلن إطلاق هاكاثون 17 .. غدًا    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال    نانسي عجرم تعلن غنائها لأول مرة في إندونسيا نوفمبر المقبل    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    «الضرائب»: رفع 1.5 مليار وثيقة على منظومة الفاتورة الإلكترونية    عاجل.. الاتحاد السعودي يعلن تدشين دوري جديد بداية من الموسم المقبل 2025-2026    13 شهيدا وهدم للمنازل.. آخر تطورات العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    تحقيقات موسعة في العثور على جثة متعفنة داخل منزل بالحوامدية    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    بعد تعيينه في الجهاز الفني للزمالك.. أحمد سمير يفسخ تعاقده مع فريق الأولمبي السكندري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد أبوسريع ل «الصباح»: اختطفت الطائرة المصرية بمساعدة المخابرات الفلسطينية
نشر في الصباح يوم 05 - 12 - 2012

عضو «فتح» ومؤسس تنظيم «عبدالناصر» : السادات أمر بتحرير الرهائن بأى ثمن.. والجمسى تفاوض حتى سيطر الكوماندوز على الموقف
اشتبكنا مع الصاعقة واستخدموا العنف المفرط ضدنا وتلقيت طعنة ب«السنكى» وكسرت ضلوعى
لم تكن لدينا متفجرات.. وخزائن مسدساتنا كانت خالية وهددنا بتفجير الطائرة بحقيبة «فارغة»
دخلت السجن دون العشرين وخرجت فى الخامسة والأربعين وضيعت أحلى سنوات عمرى
التحقت بالمقاومة فى المرحلة الإعدادية بواسطة مدرس فلسطينى وتدربت بملاعب مدينة نصر
فى نحو السادسة عشرة من العمر، التحق بحركة المقاومة الفلسطينية «فتح»، ولما بلغ التاسعة عشرة، شارك فى عملية اختطاف طائرة مصرية، للضغط على الرئيس الراحل أنور السادات، كى يتوقف عن السير فى عملية السلام، مع إسرائيل، وللفت أنظار العالم، إلى ما ترتكبه إسرائيل من جرائم ضد الشعب الفلسطينى.
مع زميلين فلسطينيين، نفذ العملية، يوم 24 أغسطس 1976، ودخل فى مفاوضات ماراثونية، قادها المشير محمد الجمسى، وزير الدفاع شخصيًّا، وتابعها السادات، وفى هذه الغضون، كان السادات قد أمر بإنهاء العملية حتى لو مات الخاطفون والرهائن معًا، وكانت قوات الكوماندوز المصرية تستعد لاقتحام الطائرة.
عشر ساعات من الرعب، حبس فيها العالم أنفاسه، حتى اقتحم الكوماندوز الطائرة، وتم إلقاء القبض على الخاطفين.. وكان أحمد أبوسريع بطل هذا المشهد.
أحمد أبوسريع الذى بدد من عمره 26 عامًا فى السجن، ودخله دون أن يتخطى عتبة العشرين، وخرج منه فى الخامسة والأربعين، مع بداية 2002 يروى ل«الصباح» حكاية رجل، اقترب إلى الموت، إلى أقصى درجة ممكنة، وعاد إلى الحياة مجددا، ضمن سلسلة روايات العائدين من الموت، التى لاقت اهتماما كبيرا من القارئ المصرى.
احبس أنفاسك.. فأنت أمام واحدة من أخطر العمليات الإرهابية.. خطف طائرة تحت تهديد السلاح، والتلويح بقتل ركاب معظمهم يابانيون، وبعضهم من الولايات المتحدة الأمريكية.
الخاطفون هم: أحمد أبوسريع، مصرى الجنسية، وفلسطينيان هما: محمد نجيب وعلى عثمان، وثلاثتهم مؤسسو «تنظيم عبدالناصر» التابع لحركة التحرير الفلسطينية «فتح».. لكن كيف التقى الشامى بالمغربى، أو بالأحرى المصرى بالفلسطينى فى هذه العملية المليئة بالأحداث الدرامية المتصاعدة؟
يقول أبوسريع: فى المرحلة الإعدادية، لاحظ مدرس التربية الرياضية، أنى صلب البنيان، فبدأ يدربنى فرديا كل يوم، على ملاعب مدينة نصر، ثم أخذ يدربنى على السباحة، ورفع الأثقال ورمى الجلة وقفز الحواجز، وفى الثانوية تعرفت على ثلاثة زملاء فلسطينيين، فقررنا تشكيل تنظيم عبدالناصر، واتصلنا بمخابرات حركة فتح، التى قدمت لنا المعلومات اللازمة، لتنفيذ عملية اختطاف الطائرة بمطار القاهرة.
تحدد الهدف من العملية وهو إجبار الرئيس الراحل أنور السادات على التدخل لوقف الاعتداء الإسرائيلى على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، والإفراج عن المعتقلين السياسيين المتورطين فى قضايا اغتيالات وترحيلهم لبلادهم.
ويضيف: فى بداية التخطيط للعملية، كان تنظيم عبدالناصر يتشكل من أربعة أفراد، أنا وعلى عثمان ومحمد نجيب وسليم تركاوى، لكن الأخير قبل تنفيذ العملية، قرر عدم المشاركة، وغادر مصر إلى الكويت، وقد لاحقته المخابرات المصرية هناك، وأعادته إلى مصر بعد تخديره فى تابوت، كى يدخل السجن.
استغرق التخطيط للعملية أسبوعين، فى شقة يملكها أحد الإخوة الفلسطينيين بمدينة نصر، وحصلنا على أسلحة نارية وبيضاء، وكان على عثمان، دائم الاتصال بمخابرات فتح، التى وفرت لنا السلاح.. وقررنا على سبيل التمويه، أن نستقل طائرة فى رحلة داخلية، متجهة من القاهرة إلى أسوان، لأن إجراءات التفتيش على الرحلات الداخلية ليست بذات الدقة على الرحلات الخارجية، وكانت الطائرة من طراز بيونج 737، وعلى متنها نحو 109 ركاب، منهم يابانيون وفرنسيون وألمان و6 عرب و4 مصريين، وتمت عملية الاختطاف فى الرابعة ونصف فجر يوم الرابع والعشرين من أغسطس، وبعدها وقف العالم بأسره على أطراف أصابعه لمتابعة تطورات الموقف.
قبل التنفيذ بدقائق، جلس ثلاثتنا فى الطائرة متلاصقين، على ثلاثة كراسى متجاورة، كنت أصغرهم سنا، لم أتجاوز العشرين، يسيطر الخوف والتوتر والتردد على عقولنا.. حدثنا أنفسنا بالتراجع حينا، وبضرورة المضى قدما إلى النهاية فى حين آخر، كانت لحظات عصيبة مرت كالدهر.
همست فى أذن محمد نجيب: لو فشلت العملية فإننا هالكون، والسادات سيشعر بأننا جرحنا كبرياءه، وعندئذ لن يرحمنا، فقال: نحن أصحاب قضية، نموت دونها، ثم مضى يقول: «لست أخشى من هذا الخائن».
سألته: لماذا تصفه بالخائن؟ فأجاب لأنه يسعى للتصالح مع الصهاينة على حساب القضية الفلسطينية، وهذا سبب يكفى لوصفه بالخائن.
كانت العملية قبل توقيع كامب ديفيد بنحو عام، فسألته مجددا: من أين جئت بهذه المعلومات؟ فقال: مخابرات فتح، وليس هذا وقت النقاش.
بعد إقلاع الطائرة بعشر دقائق، دخل محمد نجيب إلى الحمام، لتفقد مسدسه، ومن المفارقات الغريبة، أنه نسى إغلاق الباب وراءه، فدخلت إحدى السيدات، ولما وقع بصرها على المسدس، سقطت مغشيا عليها، فقام طاقم الضيافة الجوية بإسعافها سريعا، وحدثت حالة من الذعر شملت الركاب والطاقم، وأخذت النساء يبكين، والرجال يحاولون تهدئتهن، وهكذا بدأنا تنفيذ العملية فورا، وقبل ساعة الصفر التى كانت قد تحددت بعد نصف ساعة على الإقلاع، تحركنا بسرعة، فوقفت فى نهاية الطائرة، وفى المقدمة وقف محمد نجيب، وفى المنتصف وقف على عثمان، وأشهرنا مسدساتنا، وزعمنا خلافا للحقيقة، أن لدينا حقيبة مليئة بالمتفجرات، وطلبنا من جميع الركاب التزام الهدوء.
يستطرد: لن أنسى ما حييت مشهد الركاب بعد سيطرتنا على الطائرة، بعض الأمهات ضممن أطفالهن إلى صدورهن وأخذن يبكين بجزع، وبعض الرجال طلبوا الدخول إلى الحمام من شدة الرعب، والأطفال كانوا يبكون بحرقة.. آنذاك شعرت بأنى أخطأت، لكنى كنت قد تورطت، ولا توجد فرصة للتراجع عن الأمر، فقد سبق السيف العزل.
لكن ما ساهم فى تهدئة مشاعرى واستعادة الهدوء، أننا كنا قد اتفقنا على عدم إراقة قطرة دم واحدة، فنحن فى النهاية «لسنا إرهابيين» وإنما أصحاب قضية عادلة نريد أن ندافع عنها.
وفيما كان القلق يهيمن على الجميع، جاءت مضيفة لتطلب منا الرأفة براكبة فرنسية حامل، فوافقت على تحريرها فورا، ثم رفع المصريون الأربعة صورة للزعيم جمال عبدالناصر، وقالوا «وحياة الراجل ده بلاش تقتلونا».. فحررناهم أيضًا بشرط أن يخرجوا من الطائرة وهم يرفعون صورة عبدالناصر، وكنا بهذا الطلب نريد إغاظة السادات، ونسعى لأن نرسل له رسالة تقول: إن عبدالناصر فى قبره قد حرر أربعة مصريين وأنت غير قادر على أن تفعل شيئًا، وأنت على قيد الحياة.
ويسحب أحمد أبوسريع زفيرا عميقا ثم يقول: لا أريد الخوض فى أحكام قيمية، ولست أرغب فى إضاعة الوقت فى هذا الأمر.. كنا مجموعة من المتحمسين المؤمنين بقضية عادلة، ونريد أن يعرف العالم بأسره عنها، ونرى أن الإعلام الصهيونى يسيطر على العالم، ويشوه الحقائق فإذا بالفلسطينى المضطهد الذى يئن تحت ضغط الاحتلال، والذى اغتصبت أرضه ودمرت الجرافات الإسرائيلية بيته وأشجار الزيتون فى حقله، يتحول إلى إرهابى ومجرم، وإذا بالصهيونى المحتل الغاصب يصبح ضحية.
ويضيف: «بعد السيطرة على الطائرة، وإجبارها على الهبوط فى مطار الأقصر، تولى «على عثمان»، باعتباره قائد العملية، التفاوض مع الحكومة المصرية.. وكان المشير محمد عبدالغنى الجمسى، وزير الدفاع الأسبق، وممدوح سالم وزير الداخلية الأسبق، قد حضرا إلى مطار الأقصر بعد نحو 40 دقيقة من الاختطاف، وتحدث إلينا الجمسى عبر لاسلكى الطائرة، واستمرت المفاوضات لمدة عشر ساعات، وكان الجمسى يؤكد لنا أن الرئيس السادات شخصيا أعلن موافقته على كل مطالبنا، وأنه حريص على عدم إراقة قطرة دم واحدة.
وتمثلت مطالبنا آنذاك، فى تدخل السادات لوقف المجازر الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين الفلسطينيين، وإعلان السادات رسميا أن لا نية للتفاوض مع إسرائيل، ووقف أى مفاوضات سرية أو علنية مع تل أبيب أو واشنطن.. وهددنا بقتل راكب كل ساعة، فى حال لم تستجب الحكومة لهذه المطالب، واخترنا راكبا أمريكيا وقلنا إنه سيكون أول الضحايا، والحقيقة أن هذا التهديد لم يكن حقيقيا، لكننا كنا نريد أن نمارس أقصى درجات الضغط على السادات، وفى ذات الوقت أمهلنا الجمسى بعض الوقت، لتلبية كل مطالبنا، وإلا فجرنا الطائرة.
المفاوضات كانت ماراثونية بكل ما تحمله الكلمة من معان، وكلما مر الوقت، تأكدنا أن السادات يماطل، ويحاول كسب الوقت، وأصبحنا على يقين بأن الجيش يجهز لاقتحام الطائرة، وبدأنا نفكر فيما يمكننا أن نفعله فى حال حدث الاقتحام، ولم تكن لدينا خيارات، فالمقاومة حتى النهاية هى المتاح الوحيد.
بعد عشر ساعات، اقتحم الكوماندوز المصرى الطائرة، بقيادة العقيد نبيل شكرى، وبأوامر مباشرة من السادات، الذى كان فى الإسكندرية، يخضع لعلاج أسنانه، وحدثت عملية الاقتحام، والشمس على وشك الغروب، ونشبت بيننا وبين قوات الصاعقة، اشتباكات عنيفة، أصبت خلالها بطعنة سنكى فى الظهر، وعلى عثمان بطلق نارى فى ساقه اليسرى، ثم ألقى به من باب الطائرة، فتعرض لإصابات بليغة، وكاد يفقد حياته، كما أصيب محمد نجيب بكدمات فى الوجه طمست معالم وجهه كليا، حتى نجحت فرقة الصاعقة فى العملية، وحررت الرهائن سالمين.
ويتابع: لم نلجأ إلى استخدام السلاح النارى، لأن المسدسات التى كانت معنا، لم تكن محشوة، أما الحقيبة التى هددنا بتفجيرها، فلم تكن بها متفجرات، لأننا كنا قد عقدنا النية على عدم إراقة الدماء.
بعد طعنى سحبنى رجال الصاعقة من شعرى، وجرجرونى على سلم الطائرة، وأنا أنزف، وكنت نائمًا على بطنى بين الحياة والموت، ولما رفعت بصرى، شاهدت ضابطا مصريا يصوب السلاح على رأسى، فنطقت الشهادة واثقًا من أنى على مسافة خطوة من الموت، حينها رأيت الجمسى يأمره بإعادة المسدس إلى جرابه، وتركى أواجه مصيرى أمام القضاء.
لم أشعر فى هذه اللحظة بالسعادة، فقد كنت فى قرارة نفسى أعلم جيدا أن الموت سيكون أرحم من السجن الذى سأقبع فيه إلى أن يشاء الله، وبالفعل ضاع عمرى، فقد صدر الحكم العسكرى بحبسى 15 عاما وبعد انتهاء المدة مكثت عشر سنوات أخرى، ثم سنة فى أمن الدولة.
وأثناء عملية التفاوض كان الرئيس السادات أصدر الأوامر باقتحام الطائرة مكلفا بتشكيل فرقة من الجيش لاقتحام الطائرة حتى لو أدت هذه العملية إلى قتل جميع الركاب والخاطفين.
يقول: بعد إحباط العملية، أمر الجمسى بنقلنا إلى مستشفى المعادى العسكرى، على متن طائرة هيليكوبتر، لتلقى العلاج، وهناك عرفت أن إصابتى لا تقتصر على الطعنة التى استقبلها ظهرى، فقد كشفت الأشعة، عن تكسر معظم ضلوع صدرى، ما اضطر الأطباء إلى عمل «قميص جبس»، وقال لى أحد الأطباء: لقد كتب لك عمر جديد، فقد نزفت كثيرا، ولولا أن جسمك قوى البنية، لما تحملت كل هذه الإصابات، وقبل أن أتماثل للشفاء، كان المحققون من النيابة والنيابة العسكرية وأمن الدولة يتحلقون حول سريرى، وسط حراسة مشددة، وكانت معظم الأسئلة، تحاول الكشف عما إذا كانت هناك خلايا أخرى لتنظيم جمال عبدالناصر، وحول أهداف التنظيم، ومدى اتصاله بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومصادر تمويله، وما إلى ذلك من أسئلة.
وبعد أسابيع بدأت أتعافى، وتم نقلى بعدها إلى سجن المزرعة الحربى، وفى إحدى الليالى وجدت باب الزنزانة يفتح، وعادة لا يتم فتحه إلى إذا مات السجين، ووجدت عددا كبيرا من الضباط والجنود فى غرفتى، وتمت «تغمية عينى» وحملونى رافضين الرد على أى استفسارات حول سبب ما يحدث.
وخلال وقت قصير وجدت نفسى فى مكان آخر بالقرب من المستشفى الذى كنت أعالج فيه، وكان عبارة عن زنزانة تحت الأرض، وفى الصباح وجدت الضابط المسئول عنى يخرجنى، ويأمر العساكر بأن ينظفوا زنزانتى، وأجلسنى بجواره، فسألته عن سبب نقلى إلى الزنزانة الجديدة، فأخبرنى أن «فتح» تخطط لاختطافكم فقررنا إخفاءكم.
مكثت فى السجن الحربى، 41 يوما، حتى بدأت المحاكمة، وخلال أربع جلسات، استغرقت ما يقارب الشهر، تمت محاكمتنا برئاسة اللواء حسن صادق، واللواء عبد المنعم مخلوف المدعى العام العسكرى، من دون السماح لنا بإحضار محامين، وانتدبوا لنا محاميا يدعى عزمى بشاى، وقد أخبرنى بعد الحكم أن السادات شخصيا كان يتابع القضية، وهو من أمر بإصدار الأحكام، وكانت أشغالا شاقة مؤبدة وغرامة 100 ألف جنيه على قائد العملية «على عثمان»، والأشغال الشاقة وغرامة 30 ألفًا على محمد نجيب، بينما صدر الحكم علىّ بالأشغال الشاقة المؤبدة والغرامة بقيمة 1000 جنيه.
ويواصل أحمد أبوسريع سرد مذكراته قائلا: بعد صدور الأحكام، تم ترحيلنا من السجن الحربى إلى سجن الاستئناف، حيث مكثت هناك 41 يوما، وتقابلت خلال هذه الفترة، مع المتهمين فى قضية الفنية العسكرية، وعلى رأسهم الدكتور صالح سرية، مؤسس جبهة التحرير الفلسطينية، وكارم الأناضولى الذى كانت زنزانتى بجواره وتحدثت معه كثيرا.
وجاء يوم إعدام الدكتور سرية، وكنت أنظر إليه من فتحة صغيرة بزنزاتى، فرأيته رجلا قويا رابط الجأش، عليه مهابة، يمشى بثبات، ينزل السلالم فى طريقه إلى غرفة الإعدام، من دون أن يتمكن منه الخوف فى هذه اللحظة المهيبة.
وجاء الدور على كارم الأناضولى، وعندما فتحوا الزنزانة لإخراجه سأله أحد الضباط: ماذا تريد؟ فطلب منه أن يصلى ركعتين وأن يجلب له ما يتوضأ فيه، فأخذوا «الجردل» الموجود بغرفتى حتى توضأ وصلى، وتم إعدامه أيضا فى نصف ساعة.
وقد تحدثت مع أحد «الصولات» القائمين على عملية الإعدام، فقال لى حرفيا: «أول مرة أشوف حد بيتعدم من غير لسانه ما يخرج أو لون وشه يتغير»
بعد إعدام الأناضولى وسرية، كان الكثيرون من المعتقلين فى سجن المزرعة ينتظرون إعدامهم، وكان من بين هؤلاء جاسوس إسرائيلى يدعى سمير وليم، كان فى كل مرة ينفذ فيها حكم الإعدام لا يستطيع الوقوف على قدميه لمدة يومين، حيث كان يصاب بما يشبه الشلل النصفى المؤقت من شدة الرعب، وكان وجهه يسود، ويسقط مغشياً عليه ويخرج اللعاب من فمه.
وكان السجن يضم عددا كبيرا من الجواسيس، بعضهم تخابروا لصالح إسرائيل، وبعضهم لليمن وسوريا، هذا بالإضافة لعنبر واحد هو عنبر المتهمين فى قضية الفنية العسكرية، وكان العنبر رقم اثنين خاليا، ولما استفسرت عن السر، قيل لى إنه العنبر المخصص للإخوان المسلمين، وقد صار خاليا بعد أن أفرج السادات عنهم سنة 1974 ليستخدمهم فى ضرب قوى اليسار.
أما بالنسبة لى، ولتنظيم عبدالناصر، فقد تم إيداعنا العنبر رقم ستة، ومكثنا فى أسوأ ظروف احتجاز، ولم تسمح لنا إدارة السجن بالخروج لمدة ستة أشهر، رغم أن المتهمين بالتجسس كانوا يحظون بهذا الحق.
وكان من ضمن المسجونين فى عنبرنا، شاب فلسطينى محكوم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، لتخابره لصالح إسرائيل، ولما عرف السجناء تهمته قرروا ذبحه، وأخذوا ينتزعون أجزاء من الأسرّة المعدنية، لاستخدامها سكاكين، لكن عملية الذبح لم تنجح لأن الأجزاء المعدنية لم تكن حادة بالقدر اللازم، وسمع الحراس صراخ الجاسوس، فهرعوا لتحريره، وأنقذوه من الأيادى التى كانت تريد البطش به، ولم أشترك فى هذا الأمر، لرفضى فكرة العنف عمومًا، هذا رغم كراهيتى المطلقة لهذا الخائن، وشعورى الداخلى بأنه يستحق القتل ألف مرة.
وتقرر بعد هذه الحادثة فصلنا عن باقى السجناء، ومضت الأيام متشابهة رتيبة، إذ مكثت فى السجن 26 عامًا وأربعة أشهر وأربعة أيام.. وصدر قرار الإفراج فى 24 ديسمبر 2001، وبعد قرار الإفراج بعام، خرجت إلى الدنيا غريبًا أتلمس خطاى، بعد أن ضاعت أحلى سنوات عمرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.