ليس للمثقف الحق ان يرقد فى ظل الأسى مكابرا ولاعنا ومديرا ظهره لثقافة الديمقراطية التى تتحدى ببساطتها التنظيرات المراوغة!..آلا تعنى ثقافة الديمقراطية ببساطة الاحتكام لارادة الشعب وحده ليقول :" نعم او لا" عبر الانتخابات والاستفتاءات الحرة النزيهة؟!..انه الشعب "الخط الأحمر" الذى لابد من احترام كلمته الحرة تماما كما ان الصندوق الانتخابى النزيه هو الحكم رغم التسليم بثغرات ومطاعن فى كل النماذج الديمقراطية عبر التاريخ والحاضر. وفيما تتردد عبارة "ثقافة الديمقراطية" فى خضم المشهد المصرى الراحل وباعتبارها الحل لأى خلافات او نزاعات سياسية فان هذه الثغرات ومعالجة تلك المطاعن فى النماذج الديمقراطية مهمة المثقفين بالدرجة الأولى بقدر ماتبدو الثقافة المصرية مدعوة لاسهامات جديدة على هذا المضمار. واذا جازت الاستعارة من سياقات ديمقراطية فى دول اخرى فان للعقل الثقافى المصرى ان يبحث فى افضل السبل "لبناء مصر الديمقراطية الأفضل" كما تحدث فيلسوف السياسة الأمريكى جون راولز وصاحب "نظرية العدالة" واحد اهم مفكرى الغرب فى القرن العشرين عن "بناء امريكا افضل" . فقد طور جون راولز نظرية عن العدالة والنزاهة بدأت بمقالة فى مجلة فلسفية وترتكز على مبدأين اساسيين:ضمان الحريات الأساسية للجميع والا تؤدى التمايزات أو حالة عدم المساواة الواقعية فى الأوضاع الاقتصادية-الاجتماعية للمواطنين الى الاخلال الجوهرى بالمساواة الفعلية فى الفرص امام الجميع. وهنا بالتحديد اى فى ضمان تكافؤ الفرص رغم اختلاف الاوضاع الاقتصادية-الاجتماعية للمواطنين فى واقع المجتمع الأمريكى يكمن اسهامه الكبير فى ثقافة الديمقراطية فيما يؤكد جون راولز على ان فكرة "المشروع المشترك" فى الرأسمالية الجيدة تعنى "قواعد عادلة لكل الأطراف ومراعاة المصالح الأساسية لكل مكونات الشراكة " وهو ماينبغى ان يكون على مستوى المجتمع ضمن سياق عام يجيب على اسئلة الثقافة والتاريخ والملائمات السياسية. فجون راولز أحد المهمومين ببناء نظرية افضل للديمقراطية فى الولاياتالمتحدة قلل قدر الامكان من نتائج عدم المساواة فى الأوضاع الواقعية من الناحية الاقتصادية-الاجتماعية بالمجتمع الرأسمالى على مبدأ المساواة المنصوص عليه دستوريا وعلى فكرة الديمقراطية ذاتها والحرية كقيمة. واذا كان جون راولز الذى اصدر فى عام 1971 كتابه الشهير:"نظرية العدالة" وهو ابن المجتمع الأمريكى بثقافته وافكاره وقيمه قد وضع فكره فى خدمة قضية تقدم شعبه فهل يمكن ان ينتج المجتمع المصرى وثقافة ثورة الخامس والعشرين من يناير الشعبية مفكرين يسهمون بنظريات مؤثرة فى ثقافة الديمقراطية تدفع بلادهم الى الامام كما فى حالة راولز ام يكتفى المثقفون المصريون بحالة الاستقطاب ؟!. وفى لحظات مصيرية ومشهد تنقسم فيه القوى الثورية فيما تسعى الثورة المضادة فى الداخل والخارج للانقضاض مستغلة حالة الاستقطاب الحاد-يرى مثقف مصرى كبير مثل الدكتور جلال امين ان "ازمة الحرية فى بلادنا هى نتيجة لأزمة الحكم التى كانت وليدة ازمة المجتمع" معتبرا ان الخطر الأساسى الآن هو "خطر الغيبوبة الفكرية والبعد عن العقلانية" فيما ابدى تخوفه من "حدوث مزيد من تفكك الدولة المصرية". وفى حوار مع جريدة "الأهرام"-عقد الدكتور جلال امين مقارنة بين الطبقة الوسطى المصرية فى عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين والطبقة الوسطى المصرية الآن معتبرا ان هذه الطبقة كانت حينئذ "رائعة وذكية ومنتجة وخالية من العقد ومثقفة ثقافة عالية وتقتبس من الغرب دون شعور بالذل وعندها امل قوى فى المستقبل اما الآن فالطبقة الوسطى يكثر فيها الجهل والعقد النفسية وتقتبس من الغرب بمنتهى الحماقة وليس لديها امل كبير فى المستقبل". ويرى عالم الاقتصاد الدكتور جلال امين ان "مشكلة مصر ليست هى الفقر بقدر ماهى الازدواجية " موضحا:"نحن لسنا مجتمعا واحدا وانما مجتمعات كل يتربص بالآخر ولايريد احدها الخير للآخرين..وهذه الازدواجية اخطر من الفقر". ويرى ايضا جلال امين :"الاستقطاب ظاهرة سيئة للغاية وان التحدى الأساسى امام الرئيس الجديد هو مواجهة هذه الازدواجية..قائلا / انا ادرك ان الأمر ليس سهلا وقطعا الحل لن يكون سريعا ولكن لابد من بداية تهدىء اعصاب الناس ./ وبدورها اكدت الكاتبة سكينة فؤاد على اهمية الحفاظ على تماسك الدولة جنبا الى جنب مع الحفاظ على الثورة واستمراريتها معيدة للأذهان ماتعرض له كيان الدولة المصرية "من تجريف وتدمير استمر اكثر من 30 عاما". وكان الرئيس محمد مرسى قد دعا الشعب الى الاستفتاء على الدستور الجديد يوم الخامس عشر من شهر ديسمبر الحالى فيما جدد الدعوة "لحوار وطنى جاد حول هموم الوطن لانهاء المرحلة الانتقالية بأسرع وقت ممكن"،مشددا على ان "مسودة الدستور عبرت عن كرامة الشعب المصرى خير تعبير وقلصت من صلاحيات رئيس الجمهورية" فيما اعتبر نائب الرئيس محمود مكى ان "غضبة قضاة مصر من الاعلان الدستورى الأخير الذى اصدره الرئيس محمد مرسى هى غضبة مبررة لأن القاضى لابد ان يهب للدفاع عن استقلاله" ،وانه يتفهم غضب القضاة من الاعلان الدستورى "لأن هناك لبسا حدث من بعض الصياغات للاعلان الدستورى مما جعلهم يفهمون الأمر على انه يجور على استقلالهم ومن ثم فهم لهم حق الغضب دفاعا عن استقلالهم". ومع ذلك فقد ذكر مكى انه لايتصور ابدا ان ينفذ القضاة تهديدهم بالامتناع عن الاشراف على استفتاء الدستور الجديد "لأنه لايمكن ابدا ان يصدق ان القاضى الذى حضن صندوق الانتخابات بجسده وقام بحمايته ضد التزوير فى عهد النظام السابق يمكن ان يمتنع عن اداء واجبه تجاه وطنه او ان يتخلى عن الشعب المصرى الذى يثق فيه وفى استقلاله". وفيما اكد على ان "الاختلاف امر طبيعى" وان لكل مواطن الحق فى التعبير عن رأيه بصورة سلمية كما ان للقوى الفاعلة فى المجتمع ان تعبر كما تشاء-قال الدكتور ياسر على المتحدث باسم الرئيس محمد مرسى :" اننا كنا محرومين من هذه الثقافة لأن سقف الحريات كان منخفضا ". وجاء "الاعلان الدستورى الجديد" الصادر يوم الثانى والعشرين من شهر نوفمبر الماضى ليكشف عن حالة كانت قائمة بالفعل قبل هذا الاعلان وهى "ثنائية الاستقطاب بين قوى شاركت معا كجزء من شعب مصر فى ثورة الخامس والعشرين من يناير"