[الثورة تأتى من رحم الجماهير ولا تصنعها النخبة المثقفة] د. محمد صابر عرب وزير الثقافة حوار: نعمة عز الدين منذ 1 ساعة 32 دقيقة الدكتور «محمد صابر عرب» واحد من خمسة مثقفين كبار تولوا وزارة الثقافة منذ ثورة 25 يناير بعد أن ظل فاروق حسني مرابطاً علي بوابتها أكثر من عشرين عاماً، لا أحد يعلم الأسباب وراء هذه المفارقة الغريبة. وسعياً من «الوفد» لمعرفة الحقائق خلف أبواب الوزارة الأكثر جدلاً لما تحمله خصائص تكوينها من ملفات ساخنة تتعلق بحرية الإبداع وإعمال العقل كمكونات ملحة في أي مجتمع حديث، ذهبنا إلي الدكتور «عرب» نحمل هموم مجتمع يقف حائراً بين مطرقة الفريق «أحمد شفيق» وسندان الدكتور «محمد مرسي». تعيش مصر الآن حالة من الارتباك علي المستوي السياسي، وجدل حول لجنة الدستور وتنافس إعلامي شديد بين مرشحي الرئاسة الفريق أحمد شفيق والدكتور محمد مرسي.. انسحب بالضرورة علي وزارة الثقافة، فمنذ قيام الثورة وحتي الآن تولي رئاستها خمسة من كبار النقاد والمثقفين وأساتذة الجامعات.. ما السبب من وجهة نظرك؟ - أعتقد أن المشهد السياسي المرتبك يشمل مصر كلها وليس وزارة الثقافة فقط، فالذي حدث في مصر هو ثورة كالزلزال الكبير جداً ومازلنا نعيش تداعيات هذا الزلزال، الذي يستهدف التحول نحو التغيير ونحو الديمقراطية والعدالة والشفافية ونحو دولة المؤسسات المدنية، فما يحدث الآن ليس مستغرباً، مقارنة بما حدث في العالم من ثورات مشابهة لثورة 25 يناير وهو أمر طبيعي ومتوقع ولكن علي الجانب الآخر أتمني حينما يتم انتخاب رئيس للجمهورية نكون في الطريق إلي وضع دستور لأن الدستور هو الأساس في أي دولة قوية، وكنا نأمل أن يوضع الدستور أولاً ثم انتخابات مجلسي الشعب والشوري ثم الانتخابات الرئاسية كمرحلة أخيرة ولكن بما أننا غيرنا اللعبة الديمقراطية فلا بأس ليس أمامنا سوي أن نمضي نحو الصندوق الانتخابي ليحسم قضية الرئاسة ثم نتوجه نحو الدستور الذي تشكل بنوده العقد الاجتماعي والقانوني بين مؤسسات الدولة وبين المجتمع ولكن ستظل آلية عمل الرئيس القادم في ظل قواعد دستورية غير معروفة هي المشكلة في المستقبل، التي نأمل أن تحل، علينا أن نمضي، فالعودة إلي الخلف ستؤدي إلي التراجع وتأخير الوقت ونحن أحوج ما نكون إلي الوقت الكافي لكي تتنفس الدولة ويسترد المصريون روحهم السمحة والاقتصاد المصري عافيته وتسترد مؤسسات الدولة دورها. وما حدث في وزارة الثقافة هو جزء من المشهد العام المرتبك، فقد حدث قدر كبير من القلق والتوتر وأكثر ما كان يواجه وزارة الثقافة أن الناس شعروا بقدر كبير من الظلم أحياناً وقدر من الاحتقان أحياناً أخري وشعروا أن التغيير بطئ ولكن في النهاية نحن في الطريق لكي نستعيد روحنا وشفافيتنا كي يكون وطننا حراً وعادلاً وديمقراطياً. في جلسة النطق بالحكم في محاكمة القرن قال المستشار رفعت: لا توجد أدلة.. لماذا لم تستعن المحكمة بالكنز الوثائقي الذي قامت علي جمعه دار الكتب والوثائق القومية منذ بداية الثورة واشتمل علي شهادات حية وساعات إعلامية تصور الأحداث وقت وقوعها؟ - أعتقد أن القاضي يحكم بالأدلة المادية التي تحت يديه، والتي من أهم أدواتها: قراءة النصوص وشهادة الشهود والوقائع، والقاضي لا يحكم وفق ثقافته واجتهاده الشخصي، إنما هو يعتمد علي أدلة مادية، والقاضي الذي حكم في قضية الرئيس السابق مبارك ونجليه ووزير داخليته «العادلي» ومعاونيه هو المستشار أحمد رفعت المشهود له بالكفاءة والنزاهة، فقضاؤنا المصري محترم والقاضي يصدر حكماً يغضب منه البعض ويرضي عنه البعض الآخر ولكن في النهاية هذا الحكم ليس نهائياً وعلي المجتمع متمثلاً في الثوار والأحزاب والمؤسسات الذين يملكون أدلة إدانة جديدة واجبهم يقتضي أن يتوجهوا بها إلي النائب العام.. فالحكم في النقض وهناك قضايا قد تستحدث جديدة يتوجه بها النائب العام إلي القضاء.. وما أريد قوله إن الملفات المتعلقة بقتل الثوار والفساد لم تغلق بعد، والبعض يتصور أن هذه الملفات قد أغلقت وهذا خطأ، فقد تم إغلاقها في درجة من مراحل التقاضي، ولكن الباب مفتوح أمام جهات أخري قضائية، فالمشهد لم ينته بعد والأحكام لم تصدر كلها. ولكن دار الكتب لديها تسجيلات وشهادات حية للثورة.. لماذا لم تؤخذ في عين الاعتبار؟ - دار الكتب والوثائق القومية اشتغلت علي توثيق أحداث ثورة 25 يناير منذ بدايتها ولكن من أجل مهمة أخري هدفها أن تتوافر لدي الباحثين والمؤرخين وعلماء الاجتماع السياسي هذه المادة الوثائقية لكي يكتبوا عن هذه الثورة عندما تهدأ الأمور، ويحدث التحول الديمقراطي، فالذي حدث توثيق لمهمة علمية ولكن التحقق من قتل الثوار ليس مهمة دار الكتب والوثائق القومية بل مهمة النيابة ووزارة الداخلية. تتهمك حركة 6 أبريل بأنك تعرقل تمديد رئاسة الدكتور زين عبدالهادي لدار الكتب لأنه يجامل الثوار ويعقد لهم الندوات والاحتفالات وهو ما ترفضه؟ - للأسف نحن في زمن الارتباك والمزايدة وافتعال المواقف الوطنية وهو ببساطة موضوع ليس له علاقة بالثورة بل بمشاكل إدارية تم تضخيمها وشحن الناس لتأخذ منحني آخر وأنا أربأ بنفسي من الدخول في هذه المهاترات. النخبة المثقفة لا تشعل ثورة بل الثورة تأتي من رحم الجماهير.. إلي مدي تصدق هذه المقولة؟ - الثورة تأتي كحقيقة تاريخية بالفعل من الجماهير وليس من النخبة المثقفة ولكن الأخيرة عليها دور خطير تجاه هذه الجماهير التي تقوم بالثورة مفاده توضيح معالم الطريق للثورة وتقديم الرؤية المستقبلية بعد الثورة، وتأتي الثورة هادرة وصاخبة بقدر تأثيرها بالأفكار التنويرية للنخب المثقفة ولا يختلف المثقف عن التأثر في الدفاع عن العدالة والحرية سواء كان المثقف يعمل في مجال الأدب أو السياسة أو غيرهما من المجالات الإبداعية الأخري، فهو يقدم برنامجاً ورؤية وقدراً من الوعي للجماهير التي عليها أن تستفيد من هذه الأطروحات الفكرية، التي يتم الترويج لها عبر وسائل الاتصال المختلفة الحديثة كالإنترنت والقنوات الفضائية والصحف والكتب المقروءة وغيرها من الوسائط، وواجب المثقف أيضاً أن يحافظ علي شفافيته واستقلاله وألا يتحول إلي بوق للنظام أياً كان هذا النظام ولا يجوز للمثقف أن يكون بوقاً للثورة، بمعني دارج «أن يركب الموجة» بل هو ناصح الثورة أو مقدم الأفكار البناءة حتي لو اختلف مع الثوار أنفسهم في كيفية ممارسة الحرية والديمقراطية، المهم هنا ثبات المثقف علي مبادئه وأفكاره التنويرية وألا يتحول عنها، وهذا الموقف المستقل للمثقف لا يعني عدم الانحياز للثورة، فهو بالضرورة مع الثورة ولكن قد تكون له وجهة نظر تختلف مع الرأي الجمعي للثورة. ثورة عرابي، وثورة 1919 بزعامة سعد زغلول، وثورة 1952، وأخيراً ثورة 25 يناير.. كيف تري أوجه الاختلاف والتشابه؟ - الاختلاف في السياق الزمني والتاريخي، في العوامل الموضوعية للثورة، فضلاً عن التركيبة الاجتماعية والطبقية للمجتمع المصري في زمن كل ثورة، هنا تبدو المقارنة ظالمة لكل هذه الثورات، فكل ثورة يجب أن تدرس وتشاهد في سياقها التاريخي، ولكن تبقي ثورة 25 يناير هي الأقوي من نظري، فعلي سبيل المثال ثورة 1919 نجحت بقدر لأنها خطت لنفسها طريقاً سلمياً أتي بتصريح 28 فبراير، ثم معاهدة 36 وكل هذا جاء نتيجة للضغط الشعبي الذي جاءت به ثورة 1919.. أما ثورة 1952 حدثت في البداية علي شكل انقلاب سلمي ثم انضمت إليه الجماهير وعبر الانقلاب عن الجماهير في شكل إجراءات وتفاصيل كثيرة حولتها من مجرد انقلاب سلمي إلي ثورة. أما ثورة 25 يناير فقد حملت إرهاصاتها منذ عقود طويلة، ففي كل يوم تراكم يؤدي إلي الغضب والاحتقان وهو ما شكل الروح الجماعية للمجتمع المصري أدت في النهاية إلي وجود عوامل موضوعية قوية جداً أدت إلي إشعال شرارة الثورة منها: الانتخابات المزيفة عام 2010 واستفحال الفساد وافتقاد الدولة لمشروع العدالة الاجتماعية، وأخيراً وهو المهم انهيار أوضاع الطبقة الوسطي، فالدولة لم تعمل علي تقوية الطبقة الوسطي التي تمثل في المجتمعات الرشيدة صاحبة المشروع المدني والسياسي والاجتماعي للدولة، وثورة 25 يناير ليست من صناعة عام 2011 ولكن كانت تحمل إرهاصاتها منذ عقود طويلة ولكن جاءت اللحظة الحاسمة كي يخرج المصريون عن صمتهم ولا يكتفون بمجرد الغضب ويعبرون بعفوية شديدة لكي يحدث هذا التغيير. هل كنت تتوقع أن تكون جولة الإعادة بين مرشحي الرئاسة الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق؟ - كنت أتوقع نتيجة الظروف الموضوعية التي تمر بها مصر أن يكون من بين أحد مرشحي الإعادة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح أو الدكتور محمد مرسي، ولكن لم أتوقع صعود الفريق أحمد شفيق في الإعادة، والنتيجة بهذا الشكل تضعنا في اختيار بين هذين الاسمين ولكني أؤكد مرة أخري لا بديل عن شرعية الصندوق الانتخابي، وعلينا أن نرضي بالنتيجة وأن نحترم مؤسسات الدولة، وفي تصوري أن أربع سنوات رئاسية هي لحظة في عمر الزمن. ألا تخشي من صعود رئيس ذي مرجعية دينية؟ - لن يستطيع أحد أن يؤسس لدولة بالمفهوم الذي يتحدث عنه الناس، فالمجتمع المدني الديمقراطي الذي يحب الحرية والإبداع في تصوري هو أقوي بكثير من أي فصيل سياسي. هذه الحكومة الحالية مؤقتة وتعرف أن وجودك كوزير لن يستمر طويلاً.. هل ستضع نصب عينيك الإسراع في إقامة مشروع الأرشيف القومي حتي يتم إنجاز أكبر جزء منه؟ - هذا صحيح بل وهناك مشروع لتأسيس اللجنة الوطنية للحفاظ علي حقوق الإبداع ونحن نتحاور فيما بيننا من تيارات ثقافية مختلفة لوضع القواعد الأساسية الفاصلة بين حرية الإبداع وبين القيود الصارمة التي من الممكن أن تفرض، وهو موقف احترازي لما قد يحدث في المجتمع المصري الذي أؤمن بأنه يدعم حرية الإبداع.