228 طالبا ب"صيدلة الإسماعيلية الأهلية" يؤدون اختبار "مدخل إلى علم الجودة" إلكترونيا (صور)    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    السؤال الذى لم تجب عنه الحكومة!    إسكان النواب: يجب حل مشكلات الصرف الصحي بعد مخصصاتها الضخمة بالموازنة الجديدة    أردوغان يصف نتنياهو ب مصاص الدماء    ذخائر الاحتلال تفضح الولايات المتحدة.. والبيت الأبيض: دعمنا لإسرائيل مستمر ولم نرهم يقتحمون رفح    اتهام كوريا الشمالية بإرسال بالونات تحتوي على قاذورات وفضلات عبر حدودها مع كوريا الجنوبية    أخبار الأهلي : شوبير: ترشيح نجلي لحراسة عرين المنتخب في الأولمبياد ظلم لحمزة علاء    مهدد بالإيقاف 4 سنوات.. محامي رمضان صبحي يكشف مفاجأة    بيلينجهام يتحدث عن انضمام مبابي إلى ريال مدريد    دياب: نحتاج 4 مواسم لضبط مواعيد الدوري المصري مع العالم    تأجيل محاكمة المتهمين بالتزوير في محررات رسمية    33 ألف جنيه فقط تفصل فيلم شقو عن كسر أرقام الحريفة    رئيس جامعة سوهاج يهنئ الدكتور محمد هندي لحصوله على جائزة الدولة التشجيعية    فحص 2340 مواطنا بقافلة طبية مجانية في الدهتمون بالشرقية    كريم فؤاد: كورونا سبب انضمامي للنادي الأهلي.. وهذه نصيحة معلول لي    ب«الرأسي والأفقي».. التضامن: ربط 2600 وحدة مميكنة ضمن منظومة الشكاوي لتقديم أفضل خدمة    «شمال سيناء الأزهرية» تستعد لاستقبال امتحانات الشهادة الثانوية    بعد ارتفاعه.. سعر الريال السعودي اليوم الأربعاء 29-5-2024 مقابل الجنيه المصري في البنك الأهلي    «المشاط» تبحث مع وزير التنمية البريطاني التعاون بمجال الزراعة والأمن الغذائي    لماذا أسلم البروفيسور آرثر أليسون؟    منها مبادرة الحزام والطريق.. السيسي ونظيره الصيني يشهدان توقيع اتفاقات تعاون    حريق يتسبب في تفحم محتويات شقة سكنية في منطقة الحوامدية    محافظ الدقهلية يشهد استلام مليون و250 الف ذريعة سمكية من اسماك البلطي    لصرف معاشات شهر يونيو| بنك ناصر الاجتماعي يفتح أبوابه "استثنائيًا" السبت المقبل    خبيرة فلك تبشر مواليد برج الدلو في 2024    مصرع شخص إثر حادث انقلاب موتوسيكل في الشرقية    "تعليم الجيزة" يكرم أعضاء المتابعة الفنية والتوجيهات وأعضاء القوافل المركزية    «التعليم» تحقق في مزاعم تداول امتحانات الدبلومات الفنية 2024    بالأسماء.. ننشر نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة الوادي الجديد    جيش مصر قادر    وزيرة الهجرة تستقبل أحد أبناء الجالية المصرية في كندا    وزير الإسكان يبحث وضع خطة عاجلة لتعظيم دور الهيئة العامة للتنمية السياحية    الخارجية: مصر تلعب دورًا فاعلًا في عمليات حفظ السلام    اليوم.. انطلاق أول أفواج حج الجمعيات الأهلية    كأس مصر، موعد مباراة الجيش وبورفؤاد والقناة الناقلة    ماجواير يستعد لمحادثات حاسمة مع مانشستر يونايتد    الجيش الإسرائيلي: مقتل 3 جنود وإصابة 10 في معارك رفح    فرقة aespa ترد على رسائل شركة HYPE للتخلص منها    السبت | «متحف الحضارة» يحتفي برحلة العائلة المقدسة    مصطفى كامل يهنئ الدكتور رضا بدير لحصوله على جائزة الدولة التقديرية    لجنة القيد تحت التمرين.. بداية مشوار النجومية في عالم الصحافة    إدعى إصدار شهادات مُعتمدة.. «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا في الإسكندرية    الصحة تناقش مع وزير الصحة السعودى الموقف التنفيذى لمشروعات التعاون المشترك    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    جامعة القاهرة: قرار بتعيين وكيل جديد لطب القاهرة والتأكيد على ضرورة زيادة القوافل الطبية    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    أوقاف الفيوم تواصل فعاليات برنامج "صحح قراءتك" بالمساجد الكبرى    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    بلاتر: كل دول العالم كانت سعيدة بتواجدي في رئاسة فيفا    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل انتهي زمن التنوير؟‏!(5)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 03 - 2012

يمكن اعتبار الفكر المصري السائد في مصر ما بين الحربين العالميتين هو فكر تمتزج فيه الليبرالية ومبادئ التنوير الأساسية‏,‏ وبقدر ما كانت مبادئ التنوير قد استكملت مؤسساتها, في سياق العصر الذهبي فيما ذهب ألبرت حوراني, كانت الليبرالية هي الوعي السياسي والاجتماعي السائد عند أبناء الطبقة الوسطي الذين أصبحوا مدافعين عن كل أشكال الحرية والاستقلال السياسي التي دعمتها المبادئ التي دعت إليها أغلب الأحزاب السياسية, تقريبا, ابتداء من ثورة1919, خصوصا في تأثيرها الذي ظل مستمرا في موازاة تيارات العقلانية التنويرية التي سعت إلي تأسيس حرية الاجتهاد في الفكر والإبداع والبحث العلمي.
وهي حرية ما كان يمكن أن تتأسس لولا خطاب ديني عقلاني أسهم في تشكيل رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وتلامذته الذين حافظوا علي ما تركه من ثورة فكرية في الأزهر, واصل هؤلاء التلامذةتيارها التنويري الذي تولوا تطبيقه إلي اليوم, ابتداء من مصطفي عبد الرازق وأخيه علي عبد الرازق, وانتهاء بمحمود زقزوق. وما بينهما عشرات الأسماء التي لا يزال الأزهر يستضئ بأنوارها إلي اليوم, معتزا بتراثه العقلاني الذي لا يتعارض مع ما فيه من نزعات صوفية, ولا يزال هذا التيار يقاوم إلي اليوم نقائضه من أنصار التقليد الجامد والحرفية المتحجرة في فهم النصوص الدينية وذوي الذائقة المتكلسة المضادة للإبداع الفني والأدبي, والمناقضة لأي اجتهاد جسور في مجال العلوم الإنسانية التي تتماشي خطاباتها مع الخطاب الديني الذي تكاثرت أنواعه في المجتمع, ولا تزال علي حالها من الصراع بين خطاب التنوير الديني بعقلانية وتسامحه وخطابات الإظلام بجمودها وكراهيتها للوصول بمدي الاجتهاد إلي مداه الطبيعي, ولا شك أن الخطابات المعادية لحرية خطاب التنوير الديني وسماحته واتساع أفقه في الاجتهاد قد اكتسبت ثقلا وقبولا جماهيريا أوسع بعد ظهور النتائج السلبية لثورة25 يناير, وما ترتب عليها من انتخابات موجهة ومدعومة بأموال إسلام النفط, فكانت النتيجة أن أصبحت أغلبية البرلمان موزعة ما بين الإخوان والسلفية التي تغلب الوهابية علي بعض تياراتها التي استقوت بالدعم النفطي. وهو أمر جعل فكر التنوير والتيارات الموازية له أو المتقاطعة معه في وضع الأضعف سياسيا الذي تناوشه سهام السلفية والوهابية المدعومة بفضائياتها التي تنهمر عليها أموال إسلام النفط.
أما الفكر المدني الليبرالي أو الاشتراكي والخطابات المدنية للتنوير, فقد أصبحت مهمشة, ولكن ليس بسبب نتائج ثورة25 يناير, إنما لأسباب أخري, أهمها الاستبداد السياسي الذي تولي مهمة الهجوم عليها منذ عشرينيات القرن الماضي, وذلك في مواجهة مستمرة لفكر ثورة1919 وآدابها وما اقترن بها من فتح أبواب الاجتهاد والإبداع في كل مجال. لقد تركت الثورة بصمتها علي الخطاب والإبداع الأدبيين, فظهرت كتابات طه حسين والعقاد وسلامة موسي التي تتفاعل فيها مبادئ التنوير والنزعة الليبرالية بكل مجالاتها, فأنتج طه حسين منهجا جديدا في دراسة الأدب, أساسه حرية العقل التي لا يحد اجتهادها شيء, وتولي محمد حسين هيكل تأسيس مفهوم الأدب القومي: نظرا ومنهجا, واجتهد أحمد أمين في مراجعة حضارة الإسلام في تعاقب مراحلها, وأعطي أغلب هؤلاء لفن الرواية شرعيته التي بدأ منها نجيب محفوظ الأصغر سنا الذي شهد ثورة1919 وهو في الثامنة من عمره, وكما فعل جيل ثورة1919 في الأدب فعل توفيق الحكيم في المسرح, ومحمود مختار في النحت, وأقرانه في الرسم, ولم يكن الأمر مقصورا علي الفنون الجميلة والأدب فقد امتدت أنوار الليبرالية إلي الاقتصاد, منذ أن أنشأ طلعت حرب بنك مصر وشركاته في امتداد سنوات الثورة, أعني عشرينيات القرن الماضي, وأضيف إلي اقتصاد طلعت حرب الجهد العالمي الخالص لعلي مصطفي مشرفة, وفي موازاة ذلك كله, قامت هدي شعراوي بمواصلة دور قاسم أمين, وأكدت حضور المرأة عندما سعت في تحقيق الاعتراف الدولي بالمرأة المصرية, فأصبحت مصر عضوا في الاتحاد النسائي العالمي للمرأة سنه1923, وهي السنة التي استكمل فيها وأعلن دستور1923 الذي كان أول مأسسة لثورة.1919
ولكن طريق التنوير الصاعد لم يكن مفروشا بالورود دائما, فقد كانت الإحباطات موجودة, والعقبات كالصعاب متكررة, فدستور23 نفسه كان يمكن لطغيان الحكم الملكي أن يوقفه, وبعد سبع سنوات من إصداره, سمح الملك فؤاد لرئيس وزرائه صدقي باشا أن يستبدل به دستور1930 الذي كان تبريرا لاستبداد الملك فؤاد, وقبل ذلك حدثت مصادرة كتاب في الشعر الجاهلي, وإجبار طه حسين علي حذف بعض جمله الإشكالية في صيغته الجديدة في الأدب الجاهلي(1927), وقبل في الشعر الجاهلي صودر كتاب علي عبد الرازق وطرد الرجل من وظيفته وسحبوا منه العالمية, وبعد دستور1930 سيئ السمعة بسنتين فصل طه حسين من الجامعة, وظل خارجها ثلاث سنوات إلي أن سقطت حكومة صدقي, ولم يمر العقاد دون عقاب لأنه أكد سيادة البرلمان الذي جعله فوق الملك. فصدر ضده حكم بالسجن تسعة أشهر, وقس علي ذلك غيره من أنواع الاعتداء علي حرية الفكر, وما حدث لمحمد مندور وأقرانه مثال علي غيره, وهو ما جعل عدد سنوات حكم الوفد قليلة, وتحقق الديمقراطية الكاملة نادر إلي أبعد حد, خصوصا مع غلبة حكومات الأقلية, وما حدث للوفد من تجزؤ وللأحزاب من عطب داخلي نتيجة مؤامرات الملك فؤاد وابنه فاروق اللذين لم يترددا في استخدام الدين بواسطة جماعة الإخوان دعما لطغيان الملكية واستبدادها عن طريق الحكومات التابعة لها.
ورغم ذلك ظل الفكر الليبرالي المتقاطع مع التنوير متواصلا, وتحول حلم إسماعيل باشا في أن تكون مصر قطعة من أوروبا, مع يقظة الوعي الوطني وصعوده المتواصل عبر ثورة1919 واستمرار المطالبة بجلاء الاحتلال, وأصبح حلم المصريين الاستقلال التام أو الموت الزؤام متواصلا, لكن مع إدراك أن الاستقلال لن يتحقق إلا بتحرير العقول وإبقاء شعلتي الحرية والعقلانية متوهجتين, ولحسن الحظ, ما حدث من تمييز بين الغرب المستعمر الذي لابد من تحرير الأوطان من احتلاله, وعلوم الغرب ومعارفها المتقدمة التي لا بد من تعلمها كي يصبح الوطن جديرا بحريته, مستعدا لاستقلاله, ولم تكن الطبقات الحاكمة هي وحدها المؤمنة بذلك, فقد كانت هذه الطبقة توافق علي التوجه نفسه, وذلك منذ أخذ الأفندية في الصعود من قبل ثورة1919 التي أشعلوها وأبقوها علي توهجها, وفي الوقت نفسه كان صعود أفندية الطبقة الوسطي موازيا لصعود الدولة التي أصبحت ملازمة للدستور والديمقراطية الحديثة علي النموذج الغربي الذي تحول إلي إطار مرجعي أوحد للتقدم, وذلك قبل عقود من تعدد نماذج التقدم من منظور ما أصبح يسمي في زماننا التنوع البشري الخلاق الذي اقترن بتأثير ما سماه محبوباني في نصف العالم الآسيوي الجديد, ومن المؤكد أن النموذج الغربي الرأسمالي الذي يصل ما بين أوروبا والولايات المتحدة, ظل هو الإطار المرجعي لفكر مفكري ومبدعي ثورة1919, ابتداء من أحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل وطه حسين والعقاد وانتهاء بطلعت حرب وهدي شعراوي ومحمود مختار وسيد درويش, وقس علي هؤلاء الجيل. اللاحق الذي كان يحلم بوطن حر يحكمه دستور حديث وديمقراطية حقيقية, أعلن جيل توفيق الحكم ويحيي حقي ومحمد مندور وسهير القلماوي وسيزا نبراوي ودرية شفيق إلي آخر القائمة الطويلة, وقد ظل حلم التقدم والقياس علي الغرب المتفوق هو الغالب علي هؤلاء وعلي الوعي الوطني, حكاما ومحكومين, رغم تعدد الأحزاب وتنافرها وتصارعها, وهو الأمر الذي حقق الريادة المصرية في أغلب المجالات التي جعلت من مصر قائدة الوطن العربي ومعلمته وملهمته إلي كارثة العام السابع والستين.
وقد تقاطعت الليبرالية التي آمن بها هؤلاء جميعا مع عدد من المذاهب والتيارات الجديدة التي تبدأ بتنويعات الاشتراكية وغيرها, وذلك في صيغ فكرية لم تفارقها أنوار التنوير ومبادئه الأساسية, وظلت قوة الدفاع القوية مسئولة عن استمرار هذه الصيغ التي ظلت مؤثرة بتنويعات مختلفة, رغم قيام ثورة يوليو1952 وما ترتب عليها من إلغاء الأحزاب وإيثار نظام سياسي يقوم علي الحزب الواحد التابع للحكم والذي تغيرت أسماؤه مرات عديدة, لكن بقيت الصيغ الفكرية التي لا تفارقها مبادئ التنوير مستمرة بقوة الدفع الذاتي إلي أن توفي النحاس سنة1965 قبل عامين من هزيمة1967 التي كشفت عن الأسباب التي كانت وراء سقوط الدولة التسلطية للمشروع القومي التي لم تعترف بالديمقراطية أو التعددية الحقيقية, فزرعت في داخل بنيتها بذرة سقوطها المدوي الذي شهدناه مع الهزيمة الكبري التي قلبت المشهد القومي كله رأسا علي عقب, في انفجار لا تزال آثاره باقية.
المزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.