لفت التقرير السنوي الذي أصدرته الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين منتصف الشهر الجاري، حول وضع البنية الأساسية الأمريكية، إلى أن أكثر من 15 قطاعا يتعلق بالبنى الأساسية الأمريكية العامة يعاني تراجعا وإهمالاً شديدا أثر على كفاءة عملها خلال السنوات الأخيرة. وأطلقت الجمعية جرس إنذار إلى الحكومة الأمريكية حول ضرورة عودة الاهتمام بالبنى الأساسية التي تؤثر على قطاعات الإنتاج والتصنيع والتجارة والاستثمار داخل الولاياتالمتحدة، بعد أن شهد الإنفاق الحكومي العام على تلك البنى الأساسية تراجعا كبيرا منذ ثمانينيات القرن الماضي. واحتلت المشروعات الخاصة بالبنية التحتية وتحديثها إحدى أولويات الحكومة الفيدرالية التي كانت تخصص لها 3\% من الناتج المحلي الإجمالي منذ الحرب العالمية الثانية، لكن انخفضت هذه النسبة لتصل إلى 2\% فقط منذ عام 1980. ويقول توماس دونهاو، المدير التنفيذي بغرفة التجارة الأمريكية، إن أولويات الحكومة الفيدرالية قد تراجعت تدريجيا منذ أن بدأت في نقل مسئوليات إدارة وتطوير قطاع البنية التحتية من المستوى الفيدرالي إلى المستوى المحلي بكل ولاية؛ الأمر الذي أدى إلى أن تكون 75\% من تكلفة البنى التحتية متركزة داخل الولايات وليس على المستوى الفيدرالي. ويضيف دونهاو، "في الوقت الذي تنفق فيه الولاياتالمتحدة 2\% من الناتج الإجمالي على البنى الأساسية، نجد أن كلاً من الصين والهند ينفقان ما بين 5\% إلى 9\% من على هذه البنى الأساسية". وعلى سبيل المثال يشير تقرير الجمعية ، إلى أنه "في الوقت الذي دخلت فيه المطارات من أبو ظبي إلى سنغافورة إلى شانغهاي القرن الواحد والعشرين، وهي تحمل فنونا جديدة في التصميم والقدرات التي تجعل من السهل نقل 550 راكبا عبر طائرات الإيرباص العملاقة، يلاحظ أن مطار دالاس في واشنطن ومطارات نيويورك تعمل بنصف الطاقة تقريبا".ويضيف تقرير جمعية المهندسين المدنيين، أنه "لم يعد الفخر الأمريكي بوجود خطوط السكك الحديدية في شمال شرق البلاد التي تنقل الناس عبر الطرق والممرات الضيقة قائما، فقد انخفضت سرعة القطارات في هذه المناطق من 150 كيلومترا في الساعة إلى 120كيلومترا فقط نتيجة عدم ملائمة الإنشاءات الأساسية... بينما طورت الصين شبكة خطوط سككها الحديدية لتكون الأطول والأسرع في العالم، ولديها خطة كاملة لمضاعفة أطوال سككها الحديدية بنحو 10 آلاف ميل حتى عام 2020.
وتمكنت الصين من إنشاء القطارات فائقة السرعة، والتي تعرف باسم "قطارات السهم"، لتصل سرعتها إلى 200 كيلومترا في الساعة، ويمكنها أن تقطع مسافة 125 ميلاً في 45 دقيقة فقط. وفي الفترة من إبريل 2008 وحتى نوفمبر 2010، أسست الصين قطارات فائقة السرعة بين أكبر مدينتين، هما بكين وشنغهاي، مكنتها من نقل حوالي220 ألف راكب في اليوم الواحد، وقللت المسافة بين المدينتين من 9 ساعات و50 دقيقةإلى 3 ساعات و58 دقيقة فقط.
وتشير الإدارة الفيدرالية للطرق السريعة، إلى أن 11\% من إجمالي عدد الكباري والجسور الأمريكية تحتاج إلى الاستبدال أو إعادة الترميم فورا؛ فمع أن متوسط عمر هذه الجسور يبلغ 42 عاما، إلا أن هناك 200 ألف جسرٍ من إجمالي 600 ألف يزيد عمرها عن 50 عاما ، ويتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2030، وتحتاج هذه الجسور حوالي 100 مليار دولار لترميمها.
ومع أن سلامة الجسور هو أولوية وطنية كما أكدت العديد من الدراسات التي قدمت إلى أعضاء الكونجرس، إلا أن البرامج الفيدرالية لمعالجة هذا الخلل قد فشلت إلى حد كبير بسبب عدم وجود المخصصات المالية، حيث لم يوفر الكونجرس سوى 13\% فقط من إجمالي التكلفة المطلوبة لهذا الأمر، مع أن ملايين السيارات تتنقل يومياً عبر كباري تحمل مخاطر الانهيار أو غير آمنة بشكل كامل على الأقل. من جانب آخر أطلقت غرفة التجارة الأمريكية والرابطة الوطنية للمصنعين الأمريكيين حملة قومية لإعادة ترميم البنى الأساسية بسرعة، لأنه، وبحسب جمعية المهندسين المدنيين، فقد انهار حوالي 2000 جسر وكوبري منذ الستينيات. وتقول الجمعية: "كانت السيارات والحافلات تقطع مسافة تقدر بنحو 600 مليون ميل في كافة الطرق العامة في منتصف الخمسينيات، ثم وصلت هذه المسافة في عام 2005 حوالي 3 تريليونات ميل، بينها 700 مليون ميل هي طرق سريعة تنقل الأفراد بين الولايات وبعضها البعض".
وتعطي جمعية المهندسين الأمريكيين درجة (ؤ+) لأنظمة النقل والمرور الأمريكية، وتقول إن: "الكباري في حالة من الشيخوخة، والكثافة المرورية تزايدت أضعافا كبيرة داخل كل ولاية وبين الولايات وبعضها البعض، وانخفضت الإيرادات... وكأننا نخلق بأيدينا كارثة تسونامي كاملة على المستوى الوطني".
وتمتلك الولاياتالمتحدة 5ر2 مليون ميل من خطوط الأنابيب تحت الأرض بغرض الصرف الصحي، لكن ثلثها يعود تأسيسه لأكثر من 40 عاما سابقة، من دون تحديثها أو توفير الرعاية التي تحتاجها". وتقول جمعية المهندسين الأمريكيين: "ينبغي مع بداية العام المقبل أن يتم إعادة معالجة 26ر1 تريليون جالون من مياه الصرف الصحي، وهو ما يتطلب تكلفة إجمالية تقدر بحوالي 2ر2 تريليون دولار يستلزمها هذا المشروع على مدى خمس سنوات، لكن يبدو أنه لا يوجد مسئول لديه فكرة حول كيفية حل هذه الأزمة قبل أن تتحول إلى مأساة وطنية". كما أن أنابيب البخار أسفل مانهاتن يبلغ متوسط عمرها مائة عام تقريبا، ولم تحدث تطويرات تذكر عليها، على الرغم من أن التفجيرات تحت الأرض تتسبب في ارتفاع درجات حرارة أجهزة مسخنات المياه بشكل غير عادي. علما بأن هذه الأنابيب تعد إحدى وسائل تسيير المركبات بقوة البخار. وبحسب الرابطة الوطنية لسلامة السدود، فإن السدود الأمريكية هي الأخرى متقدمة في العمر، إذ يوجد في الولاياتالمتحدة 85 ألف سد يزيد متوسط عمرها عن 51 عاما. وتقول الرابطة: "هناك حوالي 4 آلاف سد يحتاج إلى الترميم والتأهيل مجددا، منها1819 سدا يحتاج الترميم فورا لأنها في حالة بالغة السوء". وتشير الرابطة إلى أن " التكلفة الإجمالية لإعادة ترميم السدود تصل إلى حوالي 50 مليار دولار، نحتا منها 16 مليار فوريا لإصلاح السدود المعرضة للانهيار".ويقول الكاتب الأمريكي، أرنود دي بورشجراف، في تحليل نشره موقع يوناتيد برس إنترناشيونال، إن" إصلاحات البنى الأساسية واعتماد مشروعات جديدة لهذا الغرض لم يعد أولوية أمريكية قصوى من أجل توفير متطلبات الدفاع والإنفاق على الحروب منذ هجمات 11 سبتمبر 2001". ويشير بورشجراف، إلى أنه "في الوقت الذي تتطلب فيه البنى الأساسية تريليونات الدولارات، فإن تكلفة الحروب الأمريكية الخارجية منذ عام 2001، أي حربي أفغانستان والعراق، تقترب من 2 تريليون دولار، منها 6ر1 تريليون دولار هي تكلفة حرب العراق؛ وهو الأمر الذي كانت له انعكاسات سلبية على أولويات داخلية جوهرية تتعلق بتطوير البنية التحتية الأساسية الأمريكية". ويقول الكاتب: "إذا لم تحدث تخفيضات كبيرة في الإنفاق على الدفاع في يناير المقبل، فإن أضرارا بالغة ستلحق البنية الأساسية، والتي تؤثر سلبا على الوظائف والاستثمارات وتدفقات التجارة وعائدات الضرائب، وهي أمور ستؤدي بالطبع إلى زيادة العجز في الموازنة الأمريكية". ويؤكد تقرير نشرته الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين، تحت عنوان "الأثر الاقتصادي لاتجاهات الاستثمار الحالية في المطارات والموانئ البحرية والمجاري المائية الداخلية"، هذه الحقيقة، حيث يشير التقرير إلى أنه "إذا استمر المستوى الأمريكي الراهن من الاستثمار في هذه القطاعات، فسوف يفقد حوالي 738 ألف من الأمريكيين وظائفهم بحلول عام 2020، وسوف يصل هذا الرقم إلى 5ر1 وظيفة بحلول عام 2040.
ويقول التقرير: "تحتاج هذه القطاعات إلى استثمارات تصل إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2020 وحوالي 92 مليارا بحلول عام 2040، لأنه بدون ضخ هذه الاستثمارات، يتوقع أن تفقد هذه القطاعات الحيوية للأعمال والأنشطة التجارية حوالي 4 تريليون دولار سنويا من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020، وحوالي 8 تريليونا بحلول عام2040. تجدر الإشارة إلى أن حجم الدين الفيدرالي الأمريكي العام سجل الآن أقصى ارتفاع له في التاريخ الأمريكي، إذ يقدر بحوالي 2ر16 تريليون دولار، كما يبلغ حجم الدين العام الداخلي 3ر11 تريليون دولار، كما تراجعت الولاياتالمتحدة حاليا في تصنيفها الائتماني من درجة ءءء إلى المركز السابع عالميا من حيث التنافسية العالمية لبيئة الأعمال والاستثمارات في الداخل.