ادت السياسات التي اتبعها فاروق العقدة في البنك المركزي والبنوك العامة إلى حالة إضراب عام شهدتها البنوك المصرية مثل الأهلي ومصر والقاهرة، ومظاهرات للمطالبة بالعدالة في المرتبات، وإقالة جميع مجالس إدارة البنوك العامة ورفع الظلم عن العاملين، وما يثير الدهشة هو عدم استيعاب الرجل لأي دروس مستفادة من ممارساته .. وسيطرة جمعية جمال مبارك (جمعية المستقبل) على معظم التعيينات في البنوك وبمرتبات خيالية. رفض فاروق العقدة رغم افتراض التزامه بتطبيق مبدأ الشفافية والإفصاح في إدارة الجهاز المصرفي - في أول تصريح له عقب توليه منصبه - أي تدخل فيما يفعله من توزيع كشوف البركة على رؤساء مجالس البنوك العامة، وهو الذي وضع كشوفاً سرية للمرتبات في حادثة بنكية هي الأولى من نوعها على مستوى العالم، وذلك حتى يخفي المبالغ التي يحصل عليها أصحاب الصفوة المقربون منه في البنوك العامة والبنك المركزى، وحتى يتخلص من مشاكل اللوائح الداخلية للبنوك وقانون العمل قام باختلاق كلمة مستشار. وقام بتأسيس صندوق تحديث أنظمة بنوك القطاع العام الذى نص عليه قانون البنوك، وعندما طلب الجهاز المركزى للمحاسبات الإشراف عليه رفض، وهو ما دفع الجهاز للتوجه إلى مجلس الدولة للنظر فى مراقبة الصندوق من عدمها، وأصدر الفتوى رقم 3029/21/57 بتاريخ 23 يناير 2008 ليؤكد خضوع صندوق تحديث وتطوير القطاع المصرفى لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات.. أشارت الفتوى إلى أنه من الثابت أن الصندوق ليس له شخصية اعتبارية ورئيس مجلس إدارته هو محافظ البنك المركزى، والعاملون به من العاملين بالبنك، وكان البنك المركزى يخضع لرقابة الجهاز ومن ثم يخضع الصندوق لرقابته، كما أن اختصاص الجهاز المركزى للمحاسبات هو الرقابة على الأموال المملوكة للدولة وهو اختصاص يتعلق بالرقابة على أموالها التى نص القانون على اعتبارها كذلك، ومن بينها الشركات التى لا تعتبر من شركات القطاع العام، والتى يساهم فيها شخص عام بما لا يقل عن 25٪ من رأس مالها، والجهاز يباشر هذه الرقابة باعتباره القوّام على الرقابة المالية على أموال الدولة. كما أن موارد الصندوق تتكون من نسبة لا تزيد على 5٪ من صافى الأرباح السنوية القابلة للتوزيع لبنوك القطاع العام ومساهمات هذه البنوك بالنسبة التى يحددها البنك المركزى والهبات والتبرعات والمعونات التى يوافق رئيس مجلس الوزراء على قبولها لهذا الغرض، وكانت معظم رؤوس أموال هذه البنوك مملوكة للدولة. ورغم هذه الفتوى التى صدرت فى بداية 2008 لم يوافق فاروق العقدة على رقابة الصندوق محتميا بجمال مبارك وأبيه، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول رفضه الرقابة على الصندوق، ويتطلب ضرورة تدخل النائب العام للكشف عن حجم الأموال داخله، ومن الذى استفاد منه خلال السنوات الماضية ولماذا؟ خاصة أن هناك تقديرات تشير إلى تجاوز الصندوق مليار جنيه، وكم حصل فاروق العقدة على أموال من هذا الصندوق؟. فقد قام بتحصيل نسبة ال 5٪ من البنوك العامة قبل صدور لائحة الصندوق التى صدرت فى نوفمبر 2005 وعقب تعيينه محافظا للبنك المركزى فحصل من البنوك العامة فى عام2003 نحو27 مليون جنيها وفى عام 2004 نحو 23 مليون جنيه، وعام 2005 نحو 32 وعام 2007 نحو 40 مليونا من البنوك الأربعة، الأهلى ومصر والقاهرةوالإسكندرية (قبل خصخصته)، وحصل على 47 مليون جنيه عام 2008 و60 مليونا عام 2009 ونحو 120 مليون جنيه عام 2010 من البنوك الثلاثة الاهلى ومصر والقاهرة بعد بيع بنك الاسكندرية ليصل إجمالى ما دخل الصندوق 350 مليون جنيه فقط من البنوك العامة، هذا بخلاف الهبات والتبرعات والمعونات وعائد توظيف هذه الأموال. كما لم تذكر التقارير السنوية اى إشارة لصندوق التحديث إلا فى التقرير السنوى يونيو 2005 وأشار إلى الانتهاء من تأسيس صندوق تطوير القطاع المصرفى لتدبير التمويل اللازم لاستقطاب قيادات محترفة وكوادر مصرفية متميزة ببنوك القطاع العام. وفى التقرير التالى 2007 ألمح إلى بدء تعيين قيادات وكوادر مصرفية متميزة بالبنوك العامة بتمويل من الصندوق وكرر نفس الفقرة فى تقرير 2008، وفى تقرير 2009 زاد عليها فقرة أخرى نصها أنه قد دعم تلك البنوك بالكفاءات والخبرات اللازمة للاستمرار فى تنفيذ متطلبات التطوير ودفع عجلة التقدم. وهذا التطوير لم ينعكس على البنوك العامة بل ظلت أرباح البنوك العامة سيئة مقارنة بمعدلات الربحية فى الجهاز المصرفى. فأرباح بنك مصر على سبيل المثال بلغت 509 ملايين جنيه عام 2010 (مشكوك فى أمرها)، و165 مليون جنيه عام 2009، و156 مليون جنيه 2008، و153 مليون جنيه 2007، و140 مليون جنيه عام 2005، و132 مليون جنيه 2004، و125 مليون جنيه 2003 و139 مليون جنيه عام 2002، هذا فى الوقت الذى كانت تحقق فيه بنوك أصغر بكثير من بنك مصر مليار جنيه. وكذلك الحال فى بنكى مصر والأهلى، غير أن الأهلى قام بإعادة تدوير بعض الأصول بعد وصول طارق عامر إلى كرسى رئاسة البنك بدعم جمال مبارك ليعلن عن أرباح مرتفعة وهمية، ولكن من منظور الرجل العالم ببواطن الأمور هى أرباح معظمها غير قابلة للتكرار. أما عن الشركة التى فتحت له مغارة النهب الفاضح وهى الشركة الدولية للتأجير التمويلى (أنكوليس) التى أسسها عام 1997 ولم يكشف حتى الآن عن نسبته فى الشركة أو نسبة عائلته، بعد تعيينه محافظا للبنك المركزى وأصبحت الشركة محط أنظار البنوك لكسب وده، وفى الوقت الذى أفلست فيه شركات فى نفس مجال «أنكوليس» وجدنا البنوك تتسابق لتمويلها بقروض طويلة الأجل ومرابحات بلغت فى عام 2008 نحو مليارى جنيه فى الوقت الذى تصل فيه أصول الشركة 2.4 مليار جنيه، فى سابقة لم تحدث فى تاريخ الجهاز المصرفى، وكان من أبرز البنوك التى قامت بالتمويل بنك الشركة المصرفية العربية الدولية والذى يرأسه حسن عباس زكى وبنك القاهرة ويرأسه محمد كفافى (ابن عم زوجة فاروق العقدة)، وبنك مصر والبنك الأهلى المصرى ويرأسه طارق عامر الذى أتى به فاروق العقدة لهذا المنصب لينفذ له صفقات تمويل أنكوليس، وما يثير كثيرا من التساؤلات هو علاقة العقدة برئيس هذه الشركة سابقا محمد نجيب إبراهيم (الذى سبق فصله من بنك مصر الدولى لارتكابه مخالفة أقل عقوبة لها الفصل والاستبعاد النهائى من العمل بالبنوك) وهو الذى عينه فاروق العقدة عضوا منتدبا لشركة يونيون ليسنج كومبانى ليمتد البريطانية. وكما أشرنا فى الحلقة الأولى قبل الدكتور فاروق العقدة نقدا شديدا مقابل حرصه على أن يظل رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى بلندن، أى موظفا لدى طارق عامر، رئيس البنك الأهلى المصرى، فى تضارب غريب وغير مفهوم للمصالح ودون أن يكشف عن الراتب الحقيقى الذى يتقاضاه من رئاسته لهذا البنك خاصة بعد ظهور كلام عن حصوله على مليون دولار، والعقدة مطالب بالكشف عن مدى استفادة أقاربه من منصبه، حيث تم تعيين ابن أخيه فى هذا البنك الأهلى بلندن وقريبه محمد كفافى رئيسا لبنك القاهرة، بالإضافة إلى عدم الإفصاح عن شركاته بالداخل والخارج ومساهمته فيها خاصة أنه يتردد مساهمته فى العديد من الشركات إلى جانب مدى علاقته بشركة الرضوان للتجارة لحسين العقدة والتى حصلت بالأمر المباشر على توريد أجهزة طبية بنحو 300 ألف جنيه مؤخرا من بنك القاهرة كدفعة أولى، كما يجب أن يفصح عن حقيقة تقاضى زوجته مبالغ من المعهد المصرفى المصرى التابع للبنك المركزى مقابل إعطاء دورات تدريبية وغيرها من التساؤلات التى تدور فى الجهاز المصرفى. لا شك أن موضوع ضبط سعر الصرف لا يعود لفاروق العقدة أو سياساته الحكيمة كما يحلو له أن يردد من خلال أبواق الإعلام غير المتخصص والجاهل أحيانا وإنما للقرارات التى اتخذت قبل عهده والذى قام هو بجنى ثمارها والتى منها تحرير سعر صرف العملات الأجنبية وصدور قانون البنوك وتفعيل آلية الكوريدور، إلى جانب زيادة موارد النقد الأجنبى وخاصة الاستثمارات الأجنبية والتى بدأت فى التزايد مع تأسيس وزارة الاستثمار فى حكومة نظيف الجديدة وزيادة موارد السياحة المصرية على نحو غير مسبوق. والآن حان الوقت لأن يكشف لنا محافظ البنك المركزى عن القروض التى حصل عليها لبرنامج إصلاح القطاع المالى من المؤسسات المختلفة والتى منها البنك الدولى والبنك الإفريقى للتنمية والبنك المركزى الأوروبى والاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولى والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وغيرها؟ والكشف عن كيفية صرفها ولمن ذهب وكيف ذهبت، فهناك مليار دولار منحت من البنك الدولى لإصلاح القطاع المالى فأين ذهبت هذه الأموال؟ ولا نريد أن يخرج علينا بعبارات مطاطة وإنما ليكشف عن أوجه التصرف فى هذه الأموال وما حصل عليه الجهاز المصرفى من قروض ومنح خلال سنوات توليه محافظ البنك المركزى، والذى صاحب حصوله فى عام 2004 على قرض 500 مليون دولار من البنك الدولى و500 مليون دولار فى 15 يونيو 2006، مقابل بيع بنك الإسكندرية فى 17 أكتوبر 2006 للبنك الإيطالى سان باولو بصفقة شراء 80% من أسهم رأسمال بنك الإسكندرية والتخلص من 94٪ من الأسهم المملوكة للدولة فى بنوك مشتركة، والغريب أن فى كل عام يطلق العقدة تصريحات بأن هذا العام عام الانتهاء من تسويات الديون المتعثرة، وحثى تاريخه ووفقا لتقارير البنك الدولى لم ينته سوى من 40٪ من ملف التعثر بالبنوك، وإن كان موضوع التعثر هذا يكتنفه الكثير من الغموض، نظرا لضعف رقابة البنك المركزى على البنوك العاملة فى مصر.. ولعدم وجود شفافية لدى معظم بنوك القطاع العام التى تأبى إظهار أرقام الديون المتعثرة الحقيقية فيها تلافيا لتكوين مخصصات تأتى على أرباحها وربما رأسمالها بالكامل.. وأخيرا.. فليحك لنا سيادة المحافظ الذى أتى به حسنى مبارك منذ 8 سنوات كمحافظ للبنك المركزى المصرى كيف وهو محافظ للبنك والرقيب الأول والأخير على جميع التحويلات المالية التى تتم من خلال البنوك المصرية إلى خارج البلاد.. يحكى لنا كيف تم تهريب أموال مبارك وحاشيته ورجال الأعمال الهاربين والمحبوسين فى طره.. فهى من المؤكد خرجت بلا شك عن طريق البنوك العاملة فى مصر والتى تتبع لرقابته.. ولم تخرج فى شكائر كما يحاول أن يبعد التهمة عنه وعن رجاله الذين أتى بهم على رأس البنوك كرؤساء لها خلال فترة توليه منصب المحافظ، واحتفظ بهم إلى يومنا هذا لأنهم ينفذون تعليماته حرفيا.. هل من المنطقى أن تقبل البنوك العالمية أى أموال مهربة فى شكائر كما يحاول أن يقنعنا هذا المحافظ.. ابحثوا من فضلكم فى سجلات المصرف العربى الدولى الذى كان يرأسه عاطف عبيد، رئيس وزراء مصر الأسبق، وقد يكون هذا البنك هو البوابة الملكية لتهريب الأموال على البنوك الخارجية لأنه من المفترض أنه بنك لا يتبع رقابة البنك المركزى.. فعندما يرغب أى بنك فى تحويل أموال مشبوهة للخارج تهربا من رقابة البنك المركزى على تحويلاته فلا بأس أبدا.. يتم تحويلها إلى المصرف العربى الدولى والمفروض أنه تحويل داخلى لبنك يعمل فى مصر ويغض «المركزى» النظر عن أى تحويلات تتم إلى ذلك المصرف بادعاء أن هذه الأموال لم تحول إلى الخارج وإنما هى مازالت داخل مصر.. ثم يقوم المصرف العربى الدولى بتحويلها إلى الخارج بكل بساطة، والبنك المركزى لا يراقب على تحويلاته أو يسأله عنها لأنه قال أى بنك غير تابع لرقابة البنك المركزى.. أى سخف هذا! وبعد القبض على عاطف عبيد وإيداعه سجن طرة لأسباب بعيدة عن الذى ذكرناه هنا، يسرع المحافظ فاروق العقدة ليعين نائبه فى البنك المركزى هشام رامز رئيسا للمصرف العربى الدولى خلفا لعاطف عبيد مع احتفاظه بكرسيه كنائب لمحافظ البنك المركزى.. وهو الذى كان دائما يدعى أنه «معندوش وقت يهرش وبيقعد بالأسبوع مايشوفش ولاده»!! لماذا؟ لا نعرف! أما عن استئثار فاروق العقدة بتعيين قيادات البنوك الحكومية وأعضاء مجالس إدارتها بل كذلك الموافقة على ترشيح البنوك الأجنبية وبنوك القطاع الخاص لقيادتها بمصر فهذه حكاية ولا الخيال.. فمن المفترض فى كل دول العالم أن البنك المركزى بالإضافة إلى دوره فى إدارة عمليات النقد وأسعار الفائدة والصرف وخلافه فإن دوره يصبح إشرافيا ورقابيا فقط على البنوك العاملة فى الدولة.. فكيف يختار الرقيب (محافظ البنك المركزى) قيادات البنوك ثم يكون له دور رقابى عليهم! إننا لا نعرف بالضبط ما هو سر الإبقاء على فاروق العقدة كمحافظ للبنك المركزى المصرى! فهو ليس رجل اقتصاد ولم يكن مصرفيا بالمعنى الواسع وإنما اقتصرت خبرته العملية القصيرة جدا فى المصارف على العمل فى قسم القروض المشتركة ولبعض الوقت فى قسم التأجير التمويلى.. فأين هى الخبرات التى اكتسبها لتؤهله لمثل هذا المنصب! ولكنه من المؤكد عبقرى فى إثارة فزع المسئولين عن قيادة هذه الدولة خلال هذه الفترة العصيبة وتخويفهم بأنه لو رحل ورحلت معه بعض قيادات البنوك الحكومية فإن الدولة ستنهار والاقتصاد سوف يدمر! ليبق السؤال المهم: من هذا الذى يقوم على أكتافه اقتصاد دولة وعند اختفائه تنهار؟ لا ومن؟ فاروق العقدة الذى لا تشفع له لا مؤهلات ولا خبرات علمية أو اقتصادية أو قدرات إدارية لشغل منصب كهذا! شاهدتموه فى حوار تليفزيوني وحيد بعد الثورة وهو يحاول أن يشرح للمشاهدين مفردات ميزان ......