في ليله هادئة وسماء صافية وشوارع لا يوجد بها أحد كانت تجلس فاطمة فتح الله، صاحبة الأربعين عاما، داخل منزلها المكون من طابقين، معها زوجها وأولادها الثلاثة، إذ فُوجِئت بصيحات وصفها أهل القرية كالرعد الذي يظهر في السماء، ففي لحظة شهدت تلك القرية الصغيرة تغيرات غير طبيعية كانت بدايتها، أهالي يسرعون نحو بيتٍ، تتلافق أيديهم بأدوات الحريق، ظنت فاطمة وقتها أن بيت "السيد وأخوته" يحترق، إلا أنها لم تكن حريق كما ظنّها البعض، بل كانت حدوث مشادة بينهما. تقول فتح الله، وقتها كنت أستعد للنوم، إلا أنني سمعت أصواتًا مختلفة تأتي من وسط القرية، خرجت من بيتي حتي أستطيع علي حصول معلومة تفيد ما هو سبب هذا الصوت الضخم ومن أي ناحية تأتي تلك الصيحات، "كنت خلاص داخلة أنام ..لكن فجأة سمعت صوت شديد، خرجت بره البيت علشان أعرف إيه ده لاقيت ناس بتجري وفي إديها طفّايات حريق، بحسبها حريقه، جريت علشان أساعد لكن طلعت عركة بين السيد واخواته علشان الميراث". تتابع في تصريح خاص ل"الصباح"، ظل العديد من أهل القرية يفصلون بين السيد وأخواته، فضلاً عن عدم قيامة بأي ضربة تقضي علي حياة واحدة منهن، خاصة إن حالته كانت غير طبيعية، إلا أن الشيطان كان يلعب لعبته الخسيسة في تلك الليلة التي ترسخت في صمام الذكريات، ولا يستطيع أحد نسيانها حتي الأن، "قام السيد بطعن أخته صاحبة ال27عامًا". تضيف صاحبة الأربعين ، ذهبت حياة مريم بسبب طلبلها للميراث من أخيها، حيث توفي أباها وترك لهم 5فدادين من الأرض الزراعية، إلا أن أخاها الأكبر "ليسد" لا يريد هدم تلك المساحات وتقسيمها حسب الشرع. "مكنتش قاصد أقتله والله": بهذه الكلمات بدأ رزق حديثة ل"الصباح" نادمًا علي ما فعلة مع أخاه الاصغر عندما توفته المنية إثر تلقيه خبطة علي رأسة، فيقول: " أنا ساعتها مكنتش في وعي ، ولما اتخانقت واشتد النقاش بني وبينه أنا معرفتش امسك نفسي وضربته علي دماغه غصب عني". يتابع، لو أعلم أن أخي سيموت لأعطيته حقه دون خلاف، لكن إلحاحه الشديد علي الميراث جعلني أتوتر وأغضب كثيرًا، وهو ما دفعنى لبطحة، حتي صارت دمائه تسيل علي سجادة البيت. يضيف "لو أطول إن أخويا يكون عايش والله هديلة حقه.. طمعي في الورث هو اللي خلاني اتحبس واتبهدل وفي الاخر خرجت وعيني مكسورة وسط أهل قريتي، بس خلاص مبقاش في وقت للندم، وياريت ربنا يسامحني علي اللي عملته؟. في شهر أغسطس الماضي شهدت قرية المنيل التابعة لمركز طلخا بمحافظة الدقهلية، جريمة قتل بشعة، إذ أنهى أربعة أشقاء حياة أخيهم الخامس، بسبب خلافات على الميراث عندما عقدوا جلسة تصالح لإنهاء الخلافات والصلح وتقسيم الميراث، إلا أنها تحولت إلى معركة دامية وتبادلوا الضرب حتى سقط أحدهم قتيلا، فأسرع الأربعة الآخرون إلى قسم شرطة طلخا، لتحرير محضر ضد شقيقهم الأصغر، يتهمونه بالتعدي عليهم بالضرب وإحداث جروح سطحية وسحجات بهم في الوجه والرقبة واليد، وأنه فر هاربا لخلافات عائلية بينهم. وبإجراء التحريات اللازمة تبين أن الأشقاء الثلاثة المدعين وزوج أختهم وابنها، تعدوا على القتيل بالضرب لخلافات بينهم على قطعة أرض ميراث عن أبيهم، وأن الشقيق الأصغر رفض البيع أو تقسيم الميراث بنية الاستحواذ على الأرض. وبمواجهتهم اعترفوا بأنهم اجتمعوا لإنهاء أزمة الميراث بينهم، وأن المجني عليه شقيقهم الأصغر، لما احتد النقاش بينهم، تشاجر الشقيق الأول والثاني وابن الأخت مع المجني عليه وتعدوا بالضرب عليه حتى سقط متأثرا بإصابته، وأنهم سبقوه إلى قسم الشرطة لتحرير بلاغ ضده و لإبعاد أي شبهة جنائية عنهم، ولم يكن في نيتهم قتله. بينما كان شهر مارس الماضي شاهداً على حكم آخر، ففي بنى سويف، قضت محكمة الفشن بحبس 4 شقيقات 6 أشهر مع الشغل، وكفالة 500 جنيه، وتعويض مؤقت 51 جنيهاً لحرمانهن شقيقتهن الخامسة من نصيبها بالميراث. كانت إحدى الشقيقات قد أقامت جنحة مباشرة اتهمت فيها شقيقاتها بعدم تسليمها حقها في ميراث والدها، وهو عبارة عن فدانين و5 قراريط و17 سهماً ومنزلين ونصيبها في إيداعات بالبنوك، حيث قررت المحكمة حبس شقيقاتها 6 أشهر مع الشغل وزارة العدل: 144 ألف قضية نزاع على ميراث سنويا وزعت النسبة الأكبر لحرمان الإناث من الميراث بين كل من "الفيوم - كفر الشيخ – أسيوط – قنا – سوهاج – الدقهلية – الشرقية – المنيا - الجيزة" وذكرت الإحصائيات تتعرض 35% من السيدات التي حرمن من ميراثهن للإيذاء جسديا و15% عبر الابتزاز المادي و50 % يضطررن التنازل عن حقوقهن عبر الابتزاز المعنوي وخوفهن من الخلافات الأسرية، وغضب الأهل وقطع صلة الرحم وأشارت النسب وفق أصحاب الدعاوى المقدمة للمحاكم إلى أن 50% من الحرمان من الميراث يكون عن طريق الأشقاء الذكور و25% بسبب تعند الأمهات، ورفضهن حصول بناتهن على حقوقهم و25 عن طريق الآباء الذين يكتبن وهم أحياء كل شىء لأبنائهم الذكور . ووفق لوزارة العدل يوجد ما يتجاوز 144 ألف قضية نزاع على ميراث سنويا . خبير نفسي: الانحلال الأسري وتفكك العلاقات هو السبب الرئيسي الدكتور أحمد عبدالله أستاذ وخبير نفسي، يقول إن تلك الظاهرة أصبحت مشعة بشكل كبير، وهذا نتيجة الانحلال الأسري والروابط العائلية التي تفككت بين أبناءنا المصرين، خاصة في وجود عوامل غير مشتركة بين الاسرة وبعضها البعض، موضحًا ثقة القانون وتحكمه في هذا الشأن أصبح يتساهل في فرض عقوبات رادعة، حيث من الممكن قاضي يأخذ كذا ومحامي يفعل كذا، وذلك علي حسب قوله. يضيف الطبيب النفسي، في تصريح خاص ل"الصباح"، في ظل الصورة الذهنية الموجودة في الفضاء والقانون الذي أصبح يتساهل، جعل كل شخص يفعل ما يُتيح له، متابعًا أن تفكك العائلات والأفراد هو السبب الرئيسي في حدوث تلك الجرائم. وأوضح الخبير النفسي، أن تلك القضية تدخل تحت ثلاثة أنواع وهم: " اللجوء إلي العنف- تأكل الروابط - تفكك الاسرة"، مضيفًا أن انشغال الناس وتفرقهم عن بعضهم البعض، وعدم وجود كبار عائلية، أصبح سببًا رئيسًا في ذلك. دار الإفتاء: مماطلة أحد الورثة أو منع تمكين الورثة من نصيبهم بلا عذر محرَّم شرعًا أكدت دار الإفتاء المصرية، أن مماطلة أحد الورثة أو تأجيلُه قسمةَ الإرث أو منع تمكين الورثة من نصيبهم بلا عذر أو إذن من الورثة محرَّم شرعًا، وصاحبه آثم مأزور، وعليه التوبة والاستغفار مما اقترفه، ويجب عليه رَد المظالم إلى أهلها بتمكين الورثة من نصيبهم وعدم الحيلولة بينهم وبين ما تملكوه إرثًا. وأشارت الفتوى إلى أنه لا يجوز لأى أحد من الورثة الحيلولة دون حصول باقي الورثة على حقوقهم المقدَّرة لهم شرعًا بالحرمان أو بالتعطيل، كما لا يجوز استئثار أحدِهم بالتصرف في التركة دون باقي الورثة أو إذنهم، فمنع القسمة أو التأخير فيها بلا عذر أو إذن محرَّم شرعًا، مؤكدة أن من أعظم أسباب دخول الجنة ونيل رضا الله أداء الحقوق مطلقًا، سواء كان حق الله أو حق الناس أو حتى حق النفس، ويدخل في أداء حقوق الناس أداء الولي أو المسئول عن التركة حقوقَ باقي الورثة إليهم والمسارعة في ذلك واتقاء تأخيرها عن موعد استحقاقها بلا عذر أو إذن. واستدلت الفتوى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فَرَّ مِن ميراث وارثِه، قَطَع الله ميراثَه مِن الجنة يوم القيامة"، فحرمان الوارث حرام، بل قضية هذا الوعيد أنه كبيرة، وفى رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَطَعَ مِيرَاثًا فَرَضَهُ اللَّهُ، قَطَعَ اللَّهُ مِيرَاثَهُ مِنَ الْجَنَّةِ"؛ فقطع الميراث عن أحد الورثة حرام؛ لأن الوعيد على الشيء دليلٌ على حرمته، والقطع الوارد فى الحديث يدخل فيه المنع من الإرث مطلقًا، أو تأخيره عن ميعاد استحقاقه دون عذر أو إذن. وأضافت الدار أنه لا يجوز منع التركة عن أحد الورثة أو تأخير القسمة بلا إذن؛ إذ الأصل أن للإنسان أحقية التصرف فيما يملك، وملك الوارث لميراثه يحصل بمجرد موت مُوَرِّثِه، فكل واحد من الورثة مالك لنصيبه في التركة ملكًا لا يقبل التشارك وله أحقية التصرف في نصيبه دون تسلط من أحد عليه في ذلك، والأصل أنه لا يجوز للإنسان التصرف في ملك الغير أو اللافتات عليه فيه. وتابعت الفتوى أن المنع أو التأخير بلا عذر أو إذن تعدٍّ على حقوق الغير وهضم لحقهم، وذلك من الظلم، والظلم من الكبائر المتوعَّد عليها، قال: "اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"، وفيه أيضًا أكل لأموال الناس بالباطل الذى نهى الله تعالى عنه فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}.