مولاي صلّ وسلّم دائماً أبداً على حبيبك خير الخلق كلهم .. أمِنْ تَذَكِّرِ جيرانٍ بذي سَلَم مَزَجْتَ دَمعا جرى مِن مُقلَةٍ بِدَمِ.. أَم هَبَّتِ الريحُ مِن تلقاءِ كاظِمَةٍ وأومَضَ البرقُ في الظَّلماءِ مِن إضَمِ.. فما لِعَينيك إن قُلتَ اكْفُفَا هَمَتَا وما لقلبِكَ إن قلتَ استَفِقْ يَهِمِ.... "البوصيري"
الإمام شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري ولد في1 شوال 608 ه/7 مارس 1213، نشأ في قرية "دلاص" وهي إحدى قرى بني سويف من صعيد مصر، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث تلقى علوم العربية والأدب، وحفظ القرآن، وأصبح من أبرع المداحين، وتتلمذ على يديه عدد كبير من العلماء المعروفين، منهم: أبو حيان أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي الأندلسي، وفتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد العمري الأندلسي الإشبيلي المصري، المعروف بابن سيد الناس... وغيرهم. يا من خزائن ملكه مملوءة .. كرمًا وبابُ عطائه مفتوح ندعوك عن فقر إليك وحاجة .. ومجال فضلك للعباد فسيح فاصفحْ عن العبد المسيء تكرُّمًا .. إن الكريم عن المسيء صفوح
يتميز شعر البوصيري بالرصانة والجزالة، وجمال التعبير، والحس المرهف، وقوة العاطفة، واشتهر بمدائحه النبوية التي أجاد استعمال البديع فيها، كما برع في استخدام البيان، ولكن غلبت عليه المحسنات البديعية في غير تكلف، وهو ما أكسب شعره ومدائحه قوة ورصانة وشاعرية متميزة لم تتوفر لكثير ممن خاضوا غمار المدائح النبوية والشعر الصوفي.
قصيدته "البردة" وهي من أعظم المدائح النبوية، وقد أجمع النقاد والشعراء على أنها أفضل المدائح النبوية بعد قصيدة "كعب بن زهير" الشهيرة "بانت سعاد". أَمِنْ تذكّر جيرانٍ بذي سلم مزجتَ دمعًا جرى من مقلة بدمْ؟ أم هبت الريحُ من تلقاء كاظمةٍ وأومضَ البرقُ في الظلماء من إِضَمْ؟ فما لعينيك إن قلت اكففا همتا؟ وما لقلبك إن قلت استفق يهمْ؟
وله أيضا القصيدة "الهمزية" في مدح النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهي لا تقل فصاحة وجودة عن بردته الشهيرة، ومطلعها: كيف ترقى رُقيَّك الأنبياءُ يا سماء ما طاولتها سماءُ؟ لم يساووك في عُلاك وقد حال سنى منك دونهم وسناءُ وله قصيدة أخرى على وزن "بانت سعاد"، ومطلعها: إلى متى أنت باللذات مشغولُ وأنت عن كل ما قدمتَ مسئولُ؟!
تُوفِّي البوصيري بالإسكندرية سنة 696 ه / 1295م عن عمر بلغ 87 عامًا، وترك عددًا كبيرًا من القصائد والأشعار ضمّها ديوانه الشعري الذي حققه "محمد سيد كيلاني"، وطُبع بالقاهرة سنة (1374 ه= 1955 م)، وقصيدته الشهيرة البردة "الكواكب الدرية في مدح خير البرية"، والقصيدة "المضرية في مدح خير البرية"، وقصيدة "ذخر المعاد".. إلهي على كل الأمور لك الحمد .. فليس لما أوليتَ من نعمٍ حدُّ لك الأمر من قبل الزمان وبعده ... وما لك قبل كالزمان ولا بعدُ وحكمُك ماضٍ في الخلائق نافذ ... إذا شئتَ أمرًا ليس من كونه بُدُّ