الدولة بشكلها الحالى فشلت.. والأممالمتحدة لم تتدخل لإيقاف المعركة فى «جوبا» «سلفا كير» جاء إلى السلطة ولا علم له بالسياسة.. وكان يستشيرنا لكنه «تفرعن» د. كاستيلو قرنق رينج لوال، القيادى الجنوبى البارز، وأحد مؤسسى الحركة الشعبية، والذى عمل كثانى أقدم سفير لدى الحركة الشعبية بقيادة الراحل د.جون قرنق، فى أوروبا خلفًا للراحل بنجامين بول، ثم مستشارًا للرئيس سلفاكير، ثم رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة السودان الجديد، ورئيسًا للحركة الوطنية لجنوب السودان. «قرنق» تحدث فى حوار ل«الصباح» عن تفاصيل وأسباب الأزمة الحالية التى تغرق فيها دولة جنوب السودان، وحلول هذه الأزمة، مؤكدًا أن دول الجنوب لم تمت ولكنها فى غرفة الإنعاش، رغم أنه لا يوجد سبب لعدم نجاح فكرة الدولة فى الجنوب.. وإلى الحوار. • الجنوب يعانى جراء الخلافات والحروب.. هل ما زال الأمل قائمًا لبناء الدولة من جديد؟ - أنا لا أرى أى سبب لعدم نجاح فكرة الدولة فى جنوب السودان، فلابد من تغيير القيادة فقط، أما ما تبقى حتمًا سيتطور حتى الوصول إلى المرتجى، والدولة بشكلها الحالى فشلت فى الحقيقة، ولن ترجع بذات التركيبة لأن الشعب فقد الثقة فيها، وما يجرى يخبرنا بأنهم لم يغيروا شيئًا، وهم يتصيدون أخطاء الآخرين ولا يعترفون بذنوبهم. • لكن البعض يرى حلولاً تتمثل فى اتفاقية «الإيغاد».. إلى أى مدى يمكن أن ينجح ذلك؟ - لا توجد اتفاقية، وإيغاد فشلت بهروب رياك مشار من جوبا، ومحاولة اغتياله، لكن رياك مشار حارب حتى وصل الحدود الكنغولية، وضامنى الاتفاقية من الأممالمتحدة والمجتمع الدولى لم يتدخلوا لإيقاف المعركة فى جوبا، ولولا تدخل السودان بتنسيق مع دول الإيغاد، وإرسالهم لطائرات هيلوكوبتر لإنقاذ رياك مشار فى الحدود الكنغولية لمات الرجل، لذلك أقول ماتت الاتفاقية. • بعد هذه الانشقاقات العديدة فى جوبا.. ماذا تبقى لسلفاكير؟ - لم يتبق لسلفاكير شىء، وأنا كنت مستشارًا له، فهو الذى حمل كل وزر الحركة الشعبية، وجاء إلى السلطة ولا علم له بالسياسة، وكانت معرفته أكثر بالجيش، وكان متواضعًا جدًا، وكان يقول إنكم إذا وقفتم معى سأنجح وإذا تخليتم عنى سأفشل، هذا كان حديثه فى البداية، ولكنه مع مرور الوقت تغير، بسبب أنه استشار من حوله، وكانوا يقولون إنه رئيس ممتاز، وهو الذى حرر الجنوب، وهو الذى أتى بالاستقلال وهكذا، ولكنه فى نهاية الأمر (تفرعن) وأصبح يصدق أنه رئيس ممتاز، وبات لا يستمع إلى حديث الآخرين، فهم يتحملون الوزر معه سويًا. • سلفاكير قال إنه ندم على عدم تصفية خصومه.. هل هذا دليل على أعمال قد يرتكبها الرجل؟ - أقول إن الرئيس لا يقتل، والدولة هى التى تقتل والمحاكم هى التى تقرر، والرئيس هو من يمضى على الحكم أو يعفى على المحكوم عليه، ولكن ليقول الرئيس علنًا أمام الملأ إن كان عليه قتل هؤلاء فهذا دليل على أن الدولة ليست بدولة القانون، وهذا خطأ يحسب عليه من الأمريكان والدول الغربية، بأنه لا يحترم دولة القانون كون أنه يقرر من يموت ومن يعيش. • ما تفسيرك لوساطة الرئيس اليوغندى يورى موسيفينى؟ - لا توجد وساطة للرئيس اليوغندى، فهو يريد إنقاذ سلفاكير، بعدما رأى أن الدول الغربية تخلت عنه، خاصة أمريكا، وليست كل دول الإيغاد تؤيد سلفاكير على شاكلة جامعة الدول العربية التى لم تحل مشكلة سوريا والعراق واليمن وليبيا، لأن الأعضاء هم رؤساء الحكومات، وكذلك دول الإيغاد ترى أن سلفاكير يمثلهم كرؤساء، وإذا كان بالإمكان أن يطيح شعب الجنوب بسلفاكير، فأين الضمان أن شعوبهم لن تطيح بهم. • هل ما زال «مشار» يشكل خطرًا على سلفاكير؟ - مشار لا يشكل خطورة على سلفاكير، لأن المشكلة ليست مع مشار، فسلفاكير لديه مشاكل مع شعب الدينكا، إذا كانت المشكلة لمشار وحده وجب أن نقول إنها غير قابلة للحل، وأقول إن أكثر شخص لديه قابلية للاتفاق مع سلفاكير هو مشار، لأن الأخير وقع اتفاقية 2015، وهذا كان مرفوضًا من أعداد كبيرة جدًا من الجنوبيين، كون أنه خرج من جوبا، ومات عدد كبير جدًا من النوير والدينكا. • بعدما تخلى المجتمع الدولى وأمريكا عن سلفاكير.. إلى أين يتجه بعد هذا؟ - التخلى عن سلفاكير أتى بمراحل، والدول الغربية لا تتخلى عن دولة وليدة فجأة، لأنها تعرف صعوبة خلق الدولة، وهم يعون ذلك جيدًا حتى لو كان الرئيس ضعيفًا، وعادةً يعطونه فرصة للتغيير لكن سلفاكير لم يغير شيئًا، والعكس هو يعتقد أن الآخرين يسببون له العراقيل والمشاكل، وسلفاكير نهايته حتمية، ولا يمكن أن يستمر فى السلطة، وأسوأ ما يمكن أن يحدث له أن يقدم لمحاكمة. • هل ما زالت «جوبا» تحتضن حركات دارفورية؟ - جوبا لم تطرد الحركات الدارفورية كما تم فى اتفاقية إعادة الإنعاش، بأن تخرج كل القوات الأجنبية خلال 45 يومًا، والآن القوات الدارفورية لا تزال موجودة فى الجنوب وقوات الحركة الشعبية فى الشمال، وربما لا يستطيع سلفاكير طردهم لأنه يحتاج إليهم الآن ضد الجنوبيين. • الوضع الاقتصادى فى السودان يتأزم الآن.. ما مدى انعكاسات ذلك على الجنوب؟ - إذا ساءت الأحوال فى السودان تزيد سوءًا فى الجنوب، لأنه حسب قناعاتى فإن التوجه إلى شرق أفريقيا لا يحل مشاكل الجنوب، لأن الغالبية العظمى لسكان الجنوب يعيشون فى المناطق المتاخمة لشمال السودان، وكل معايشهم تتجه إلى السودان. • مليون ونصف المليون لاجئ جنوبى فى السودان.. كيف تقرأ التزام المجتمع الدولى تجاه هؤلاء؟ - هذا العدد ربما يكون أقل من العدد الحقيقى لأنهم يدخلون شمال السودان دون جوازات ولا حصر، والذين يطلب منهم أن يسجلوا أسماءهم لدى الأممالمتحدة يرفضون، ويقولون إننا لسنا بأجانب، والمساعدة من المجتمع الدولى تتوقف على الاعتراف بأنك لاجئ ثم يتم التسجيل، وإذا اعتبر اللاجئ أنه سودانى لا يتلقى المساعدة. • ما الأثر الذى يمكن أن يحدثه الجيش الوطنى فى إعادة الجنوب؟ - أنا لست مغامرًا ودائمًا ما أتبع ما أقوم به بدراسات، والجيش الوطنى منذ تأسيسه، لم يعد يتحدث بكثرة عن حرب الدينكا مع القبائل الأخرى، فعادةً كان الحديث الطاغى عن اتحاد سلفاكير مع أعيان الدينكا لمحاربة القبائل الأخرى، ولم تفهم المعارضة الجنوبية أن هناك أعدادًا كبيرة من الدينكا لا يتفقون مع سلفاكير، وأن هناك أعدادًا من الدينكا لا تتفق مع مشار، وهذا ما يوضح أن المشكلة ليست بين سلفاكير ومشار، وإنما المشكلة هى الجنوب ضد قيادة الحركة الشعبية، وحتى الجيش الشعبى لا يعترف بأن كل القيادات الحالية تمثلهم، وبعد أن تأسسنا وبدأنا نتحدث عن حل مشكلة الدينكا والنوير تغيرت الأحوال. • إعادة الوحدة بين الشمال والجنوب.. هل يمكن أن تكون حلًا لما يجرى حاليًا؟ - هذا يمكن أن يكون حلمًا وليس حلًا، لأن ذلك يتطلب أن تسترجع ذات الخطوات للانفصال من استفتاء وغيره، ولكن هناك طريقة اقترحتها وهى الاتحاد، مثل الاتحاد الأوروبى، لأن الاتحاد يحل كل المشكلات، لكن سلفاكير يفضل الاتحاد مع شرق أفريقيا على السودان، ولو أنه اتحد مع السودان تجد أن الفوائد للاتحاد مع السودان أكبر، وتستطيع أن تقول بعدها أننا نتحد مع أعدائنا من جديد، فمثلًا الألمان والفرنسيون عادوا للاتحاد بعد حرب طويلة.