«محسوبية التوظيف» تنتقل من الهيئات القضائية إلى الوزارات.. وقتل أحلام الشباب المجتهد عرض مستمر سيظل الواقع الكاشف الأول على انعدام مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص فى المجتمع المصرى، فالناس هنا فى مصر ليسوا كأسنان المشط الواحد، حيث تقتصر العديد من الوظائف على طبقة معينة، تتضمن أبناء المسئولين وأصحاب النفوذ وأقاربهم، ومنها القضاء والشرطة، إلا أن محسوبية التعيينات وصلت مؤخرًا إلى الوزارات، ليقتصر العمل بها على أبناء المسئولين فقط. الحالات كثيرة جدًا، للدرجة التى أصبح فيها محيط كل منا يمتلئ بحالات حرمت من الالتحاق بوظيفة محترمة، لمجرد أنهم فقراء أو أن أبويهم غير متعلمين. محمد عبدالله ابن الأسرة متوسطة الحال بإحدى قرى الشرقية، كان يحلم بالالتحاق بإحدى الكليات العسكرية، وتقدم إليها بعد الثانوية العامة، ورغم نجاحه فى كل الاختبارات الخاصة باللياقة البدنية والطبية، إلا أنه لم يقبل، بينما التحق صديق دراسته نظرًا لأن لديه واسطة كبيرة. سيد على أحد أوائل كلية الحقوق دفعة 2013، الذين حرموا من الالتحاق بالنيابة بسبب ذنب واحد، هو أنه ابن أسرة فقيرة، ولا توجد لديه واسطة كبيرة كى يلتحق بالنيابة، التى باتت تقتصر على أبناء القضاء والمسئولين فى الدولة. مأساة أخرى تصفها سيدة خمسينية من إحدى قرى الفيوم، كان حلم ابنها الأكبر خريج كلية الحقوق عام 2011، أن يلتحق بالقضاء إلا أن الشروط الاجتماعية حالت دون ذلك، لتتساءل بكل ألم: «هو احنا عشان فقرا ومش متعلمين ما ينفعش ابنى يتعين فى النيابة بعد تعب كل السنين دى، احنا كنا بنحرم نفسنا من الأكل عشان يتعلم، هو فين العدل اللى بيقولوا عليه؟». الأمر لا يختلف الآن فى الوزارات، حيث تجسد وزارة البترول واقع المحسوبية والفساد الذى تشهده مصر، رافعة شعار «وظائف البترول لأصحاب الواسطة فقط»، لتقتل آمال العديد من الشباب، ومنهم 55 شابًا فى شركة مصر للبترول، إحدى شركات القطاع العام التى تتبع الهيئة العامة للبترول، والذين التحقوا بالشركة كعمالة يومية ليقضوا 11 عامًا بها، ورغم ذلك لم يعينوا، لتقف رواتبهم عند 700 جنيه، ويواجهون ظروف المعيشة الصعبة بمعاناة شديدة، فى الوقت الذى عين فيه المئات من أقارب أصحاب النفوذ فى وظائف مرموقة بالشركة. عبد القادر على، أحد الشباب العاملين بالشركة، قال إنه يعمل منذ عام 2006، ولم يعين، بسبب إنه لا يمتلك واسطة وليس له أقارب من قيادات الشركة، موضحًا أنه تم الإعلان عن 3 مسابقات تعيين بالشركة منذ عام 201، ولم يتم تعيينهم رغم أنهم اجتازوا اختبارات التعيين، إلا أن الوظائف ذهبت كالعادة لأقارب مسئولى الشركة. أما أيمن صديق، فأكد أنه يعمل بالشركة منذ 7 سنوات ولم يعين، وأن راتبه لا يتعدى 120 جنيه شهريًا، مضيفًا أنه تحمل العمل بهذا الأجر الضئيل طوال هذه السنوات أملًا فى التعيين بالشركة، إلا أن حلمه تحطم على صخرة الواقع، بسبب المحسوبية التى تتحكم فى التعيينات. وفى شركة التعاون للبترول، تم تعيين 45 شخصًا من معارف نواب البرلمان وأصحاب النفوذ والمسئولين، بحسب «م. ح» الذى يعمل بالشئون الإدارية فى الشركة، حيث أكد أنه يعمل بعقد مؤقت منذ عام 2004، والشركة تتعنت فى تعيينه، بينما ترحب بأصحاب الواسطة. المأساة تتكرر فى شركة قارون للبترول، حيث يعمل 15 شخصًا بالشركة برواتب لا تتعدى 600 جنيه جنيهًا، وينتظرون تحقق حلمهم فى التعيين بالشركة، بينما يقتنص أقارب المسئولين فرص الوظائف. الأمر لا يتوقف على قطاع البترول، بل يمتد إلى وزارة الكهرباء، فوظائفها هى الأخرى حلم عدد كبير من الشباب المصرى، لكن الحقيقة الموجعة أن التعيينات تتم فقط لأشخاص بعينهم، فالمحسوبية تحكم ذلك، فإن كنت من أقارب أحد أعضاء مجلس النواب أو قيادات الوزارة، فوظيفتك محجوزة دون أى عناء! فى 24 مارس 2013، صدر الإعلان الداخلى رقم 6 بشركة البحيرة لتوزيع الكهرباء «قطاع الموارد البشرية»، وتضمن الإعلان 100 وظيفة، تقدم لها 2000 شخص، وبعد أن اجتازوا جميع الاختبارات والكشف الطبى، أعلن عن قبولهم للوظائف، وقيدوا بكشوف النقابة العامة للعاملين بالكهرباء، التى أصدرت لهم كارنيهات عضوية، ورغم كل ذلك لم يتسلموا الوظائف حتى الآن، بعد مرور 3 سنوات من تاريخ قبولهم! كما أصدرت وزارة الكهرباء فى 11 يناير الماضى، متمثلة فى الشركة القابضة لكهرباء مصر الإعلان رقم 1، لشغل وظائف بالشركات التابعة لها، حيث أعلنت عن احتياجها لفنيين للعمل فى مجالى التشغيل والصيانة، وشعر الشباب الموقوف عن التعيين بسعادة بالغة، اعتقادًا منهم أن الأزمة قد انفرجت، إلا أنهم فوجئوا أن الشركة اشترطت فى الإعلان ألا يزيد سن المتقدم لشغل الوظائف المعلن عنها على 32 عامًا، أى أنهم لن يستطيعوا التقدم لشغل هذه الوظائف لعدم استيفائهم شرط السن، مع العلم أنهم فى عام 2013 عندما تم قبولهم للتعيين بالوزارة كانوا فى العشرينيات من عمرهم! وفى قطاع الزراعة لم يختلف الأمر عن البترول والكهرباء، ففى الوقت الذى طرد فيه أكثر من 100 عامل بنظام العقد بعد عملهم لأكثر 10 سنوات، قام أحد مندوبى الجهاز المركزى للمحاسبات بالوزارة «أ، ع» بتعيين 15 من أقاربه منهم نجلته وأبناء شقيقته، الأمر الذى أثار ضجة كبيرة داخل الوزارة العام الماضى. من جانبه قال الفقيه الدستورى عصام الإسلامبولى، إن حرمان الفقراء من تقلد المناصب القضائية لشروط اجتماعية عنصرية يعد جريمة فى حق الوطن والدستور وحق الإنسانية بأكملها، مشددًا على أن الصمت على هذا الأمر ينذر بكارثة، خاصة أنه يتم السماح للفاسدين بالوصول إلى المناصب على حساب الكفاءات.