«جوع.. قمع.. ظلم» هذا هو واقعنا فى زمن تجار الدين، الذين اختطفوا مصر بعد ثورة «عيش.. حرية. . عدالة اجتماعية»! إن كان قد تصور البعض أن المصريين نسوا كارثة تعيين «عمر» ابن الرئيس، أو خالت عليهم خدعة التراجع عن الوظيفة المرموقة بتغريدة على التويتر، التى تسارعت وراءها أرقام التشغيل الوهمية فى محاولة لتهدئة الشباب المطحون الذى يعانى من الإحباط المميت، وبالفعل الموت أسهل عليه الآن من الحياة! «روزاليوسف» حصلت على شهادات شباب عانى الأمرين للحصول على فرصة عمل فى الحكومة، ووقفوا فى طوابير فيها مئات الآلاف لعدة أيام دون فائدة!
وكأن شعار الثور «الورد اللى فتح فى جناين مصر» تحول إلى «الكوسة اللى فتحت فى جناين مصر»!
ففى نوفمبر الماضى كان الحلم يراود واحدا من هؤلاء الشباب الذين وقفوا فى طوابير بالآلاف ويدعى «محمد عبدالرحمن» جاء من أسيوط للقاهرة عندما قرأ إعلانا لإحدى الهيئات الحكومية بالصدفة البحتة كما حدث مع «عمر» كما قال عن فرص عمل لخريجى كليات الحقوق والتجارة وغيرها من الكليات فأسرع هو وأصحابه لتحضير الأوراق لتقديمها وبعد أن وصل للقاهرة علم أن هناك آلافا من الشباب جاءوا من كل المحافظات لتحقيق حلم المصريين فى التوسعات التى تقوم بها فى فرعها بأسيوط وتحتاج ما يقرب من 200 خريج حديث، وفى اليوم الأول وصل إلى مقر الشركة فى الساعة الثامنة والنصف صباحا فوجد نفسه فى طابور يتقدمه أكثر من 7 آلاف شاب على شباك واحد، وما أن وصل إلى الشباك فى الساعة الرابعة والنصف عصرا حتى قام الموظف باستلام كل الأوراق المطلوبة وطلب منه الانصراف ولم يعطه ما يدل على تقديم الأوراق، وأثناء انصرافه علم من بعض الواقفين أنه كان يجب عليه الحصول على إيصال بعلم موعد الاختبار، وبعد التحرى من عدد من العاملين فى هذه الهيئة تأكد له أن بعض الموظفين الذين يستلمون الأوراق المطلوبة يقومون بوضعها فى ماكينة فرم الأوراق مباشرة دون النظر إلى القضاء على حلم هؤلاء الشباب الذين كان يلاحقهم الأمل فى الالتحاق بوظيفة فى هذه الشركة!
وفى اليوم الثانى أصر «محمد» على تقديم أوراقه من جديد وذهب إلى نفس الشركة ومعه صورة من كل المستندات التى تقدم بها إلى هذه الشركة أو الوزارة، وكانت الساعة السادسة صباحا وانتظر ساعتين وقدم أوراقه مرة أخرى فى الرابعة عصرا، وطالب بإعطائه إيصالا لأن أحد الصحفيين والعاملين فى مجال الإعلام أكد له أنه إذا لم يعطه إيصالا فسوف يذهب إلى الصحف وبرامج التليفزيون لفضحهم فما كان من الموظف إلا أن أعطاه إيصالا!
لكن الغريب فى الإيصال الذى كتب فيه رقم الطلب 6181 والإعلان 71 لسنة 2012 واسم صاحب الطلب والدرجة وتوقيع المختص، أنه أعطى للطالب للحضور يوم 4 يناير عام 2013 الساعة التاسعة صباحا لمعرفة موعد الاختبار، أى بعدها بشهرين تقريبا، وعندما حضر فى الميعاد المحدد هو وآلاف من الشباب مثله لم يجدوا أسماءهم ووجدوا عددا قليلا جدا من أصحاب النفوذ!
هذه القصة مهداة إلى عمر محمد مرسى ووالده الرئيس الذى قال وجماعته إنه يحمل الخير لمصر، لكن اتضح أنه يحمل الخير لجماعته ولأسرته فقط!
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، لكن الواسطة والمحسوبية انتقلت إلى كل مؤسسات الدولة فى زمن الإخوان مثله مثل النظام السابق، ورغم أن الثورة كانت ضد التوريث السياسى، فإن الجهات الحكومية والقضائية أصبحت عامرة بالتوريث، ففى مجلس الدولة وفى الأسبوع الماضى أيضا وعندما ظهرت نتيجة قبول دفعة 2011 من خريجى كليات الحقوق والشريعة والقانون كانت كالتالى تم قيد 150 خريجا منهم 75 من أبناء المستشارين من بينهم ابن المستشار محمود مكى نائب رئيس الجمهورية المستقيل والحاصل على 5,66٪ من كلية الحقوق، الذى نفى فيما بعد بفترة هذه الأنباء، وتم قيد 25٪ من ضباط الشرطة و25٪ من عامة الشعب، لكن الأغرب من ذلك أن أحد المتقدمين لهذه المسابقة خريج كلية حقوق الإسكندرية حاصل على امتياز ولم يتم قبوله فى هذه الدفعة وكان أولى بمجلس الدولة قبوله أسوة بابن المستشار محمود مكى الحاصل على 5,66٪!
ورغم هذه الفضيحة فإنها لم تحرك ساكنا ولم يخرج علينا مسئول واحد يفسر لنا لماذا تم قيد كل هؤلاء ولم يتم قبول الطالب الحاصل على امتياز، والحقيقة تكشف أن الواسطة والمحسوبية كما هى، ويبدو أن المسئولين الكبار فى الدولة يحاولون بكل الطرق بناء مستقبل لأولادهم على حساب أبناء الشعب لعلمهم أن الأوضاع فى مصر من سيئ إلى أسوأ، والدليل على ذلك قيام مجلس القضاء الأعلى بالموافقة على إعارة ابن المستشار أحمد مكى وزير العدل وشقيق المستشار محمود مكى من السفر للإعارة فى قطر مقابل 50 ألف جنيه فى الشهر، متخطيا العديد ممن هم أكبر منه سنا ومنصبا، ورغم نفى المستشار أحمد مكى تدخله إلا أن تقديم ابنه لأوراقه وهو فى نفس منصب الوزير به شك كبير، بأنه تم قبوله لأنه ابن الوزير رغم أن هناك من هو أحوج منه لهذه الوظيفة!
ناهيك عن ذلك، فإن الوظائف التى تتم فى معظم الشركات والهيئات مثل شركات البترول والكهرباء والبنوك وشركات الاتصالات الأكثر حظا من غيرها فى الأجر والمقابل المادى أصبحت جميعها تتم فى الخفاء وبدون إعلانات فى الصحف أو مقر الشركات، بل تتم بالوساطة والمحسوبية، بدون النظر إلى عامة الشعب من المطحونين والمغلوبين على أمرهم الذين لا يجدون العدل قد تحقق بعد الثورة، بل يؤكد البعض أن الأمر ازداد سوءا وأصبحت الوساطة و«الكوسة» أكثر وبكثير عما كانت عليه فى الماضى!