الذكرى ال 80 ليوم النصر في ندوة لمركز الحوار.. صور    موعد إجازة مولد النبوي الشريف 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    «كل يوم مادة لمدة أسبوع».. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي 2025 بمحافظة الجيزة    ارتفاع سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن بداية تعاملات الأربعاء 7 مايو 2025    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الأربعاء 7 مايو 2025    مستقبل وطن يطالب بإعادة النظر في مشروع قانون الإيجار القديم للوحدات السكنية    "اصطفاف معدات مياه الفيوم" ضمن التدريب العملي «صقر 149» لمجابهة الأزمات.. صور    د.حماد عبدالله يكتب: أهمية الطرق الموازية وخطورتها أيضًا!!    الجيش الباكستاني يؤكد استقرار الحركة الجوية في مطار كراتشي رغم التصعيد العسكري    الهند تستهدف مواقع داخل باكستان وإسلام آباد تتوعد    الهند: شن هجمات جوية ضد مسلحين داخل باكستان    ترامب يأمل في توقف القتال بين الهند وباكستان "قريبًا جدًا"    مسيرات أوكرانية تعطل حركة الملاحة الجوية في موسكو    الهند وباكستان.. مواجهة عسكرية وقلق دولي من اندلاع حرب شاملة    بعد 13 هدفًا.. إنتر ميلان يتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا على حساب برشلونة    سيد عبد الحفيظ يتوقع قرار لجنة التظلمات بشأن مباراة القمة.. ورد مثير من أحمد سليمان    تعرف على تطورات ملف أزمة الأهلي بشأن الشرط الجزائي لكولر    اتحاد الكرة يرغب في تقليل عدد الأجانب ولم تتم مناقشة الملف حتى الآن    موعد إجازة نصف العام الدراسي القادم 24 يناير 2026 ومدتها أسبوعان.. تفاصيل خطة التعليم الجديدة    سحب 45 عينة وقود من محطات البنزين في محافظة دمياط    ارتفاع مستمر في الحرارة.. حالة الطقس المتوقعة بالمحافظات من الأربعاء إلى الاثنين    الخميس.. بدء عروض تخريج طلبة «ناس للمسرح الاجتماعي» بجزويت القاهرة    عمال بلدنا| المسرح وقضايا العمال.. صوت المهمشين وعدسة الواقع    ألم الفك عند الاستيقاظ.. قد يكوت مؤشر على هذه الحالة    استشاري يكشف أفضل نوع أوانٍ للمقبلين على الزواج ويعدد مخاطر الألومنيوم    مُعلق على مشنقة.. العثور على جثة شاب بمساكن اللاسلكي في بورسعيد    معادلا رونالدو.. رافينيا يحقق رقما قياسيا تاريخيا في دوري أبطال أوروبا    أسامة نبيه يحذر لاعبى منتخب الشباب من الوكلاء    الأهلى يقترب من التعاقد مع مدرب أجنبى    آثار عين شمس تستجيب لمقترحات طلابية وتحيلها لرؤساء الأقسام لدراستها    بعد إعلان الحرب بينهما.. مقارنة بالأرقام بين الجيشين الهندي والباكستاني: من الأقوى؟    الهند: أظهرنا قدرا كبيرا من ضبط النفس في انتقاء الأهداف في باكستان    «حار نهارا».. طقس المنيا وشمال الصعيد اليوم الأربعاء 7 مايو    تطورات جديدة في حادث طالبة علوم الزقازيق| عميد الكلية ينفي شائعة ضبطه.. ومحام يتراجع (صور)    توقعات طقس ال 72 ساعة المقبلة.. هل يستمر ارتفاع درجات الحرارة؟    من هو الدكتور ممدوح الدماطي المشرف على متحف قصر الزعفران؟    متحدث البترول: جميع المنتجات البترولية تخضع لرقابة وفحوصات دورية    بدون مكياج.. هدى المفتي تتألق في أحدث ظهور (صور)    نشرة التوك شو| الرقابة المالية تحذر من "مستريح الذهب".. والحكومة تعد بمراعاة الجميع في قانون الإيجار القديم    حسك الفكاهي الساخر سيجلب المشاكل.. برج الجدي اليوم 7 مايو    لحظات حاسمة لكن الاندفاع له عواقب.. حظ برج القوس اليوم 7 مايو    كندة علوش: الأمومة جعلتني نسخة جديدة.. وتعلمت الصبر والنظر للحياة بعين مختلفة    سيصلك معلومات حاسمة.. توقعات برج الحمل اليوم 7 مايو    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأربعاء 7 مايو 2025    تجاوز 48 مليار دولار ..خبراء : احتياطي النقد الأجنبي "وهمي"ومعظمه ودائع خليجية قصيرة الأجل    بعد نهاية الجولة الرابعة.. جدول ترتيب المجموعة الأولى بكأس أمم أفريقيا للشباب    أطباء مستشفى دسوق العام يجرون جراحة ناجحة لإنقاذ حداد من سيخ حديدي    طريقة عمل الرز بلبن، ألذ وأرخص تحلية    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية لم تأتِ لتكليف الناس بما لا يطيقون    البابا تواضروس أمام البرلمان الصربي: إخوتنا المسلمون تربطهم محبة خاصة للسيدة العذراء مريم    جولة تفقدية لوكيل مديرية التعليم بالقاهرة لمتابعة سير الدراسة بالزاوية والشرابية    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    من منتدى «اسمع واتكلم».. ضياء رشوان: فلسطين قضية الأمة والانتماء العربى لها حقيقى لا يُنكر    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    تعليم السويس يعلن جدول امتحانات الشهادة الإعدادية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بل هي كوساية كبيرة!
نشر في المصريون يوم 27 - 06 - 2010

قال لي صاحبي لما قرأ مقالتي الماضية: أخطأت الحافرة يا رجل؛ من قال إن الدنيا بطيخة كبيرة، هذه تعمية على الواقع، وانحراف به عن الصواب، فما يكون للدنيا أن تكون بطيخة أبدًا؛ بل هي كوساية كبييييييرة، يهدب منها المحظوظون والمرضيون وأبناء ال.... ممن هم فوق كل قانون!
قلت له مستفهمًا: تريدني أن أكذَّب سقراط - على جلالة رأيه - لرأي سيادتك؟ معقول؟ لقد قالها وانتهى الأمر.. دا سقراااط يا راجل!
فقال: وهل كلام سقراط قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ هل تدري أن أرسطو قال إنها كوساية كبيرة.. مش بطيخة؟ هل تريدني أن أكذب أرسطو - على جلالة رأيه - لرأي سيادتك!؟
- معقول؟ أقال هذا أرسطو؟ إن كان قال فأنا أقبل.. لكن، لعل له مفهومًا للكوسة يخالف مفهومنا عنها! اختلاف مصطلحات يعني!
قال صاحبي: أبدًا، الكوسة هي هي، في كل زمان ومكان، وحَدُّها أن يسرق التافه الرويبضة حظوظَ غيره من المستحقين الحقيقيين، بفلوسه، أو بغير مؤهِّل إلا أنه واحد من أولاد ال... ثم: هل أنت أعمى يا رجل؟ ألست ترى وتشم وتلمس الكوسة بيدك أينما وليت وجهك؟
قلت: لا تعجل علي .. فهِّمني؛ فهَّمك الذي فهَّم سليمان.
قال صاحبي: ألم تر أن الكوسة والبرطلة أساس الوصول لأي شيء، بغض النظر عن الخبرة والدراسة والاستحقاق، فما دام ظهرك قويًّا، أو فلوسك جاهزة، أو يدك طويلة، أو دادي ذا نفوذ، أو طنط سوسو موجودة، أو السهرة في بيتكم حلوة، فالأبواب مفتوحة، والخيارات كثيرة، وليمت النابهون والمستحقون والشرفاء وأولاد الحلال؟!
- يا رجل: قل شيئًا غير هذا! دانتا قلبك اسود!
- بلاش دي، ألم يأتك أن المصري اخترع أمثلة للكوسة منذ أيام نفرتيتي: يا بخت من كان النقيب خاله/ اللي له ضهر ما ينضربش على بطنه/ شيلني واشيلك/ اللي يدفع ابنه يزمّر/ إذا أردت أن تنجز فعليك بالونجز/ ربنا يخلي طنط مديحة!؟ هل تنكر هذا!؟
ثم ألم تسمع بذلك الذي دخل السوق ليشتري كيلوين من الكوسة فاستلطف بائعًا يبدو عليه الفهم، (وكان البائع خريج جامعة، وكسته الظروف، وباعه القانون، وكشر في وجهه المسؤولون، ولم يجد إلا المعلم حمكشة في سوق الخضار ليستر به شبابه، ويشتغل له صبيًّا) فتوجه نحوه وسأله: عندك كوسة يا أخينا؟ فرد الشاب الكسير: أنا؟ كوسة؟ لو كان عندي كوسة إيه يجيبني هنا؟
ألم تسمع إلى ما قاله الشاعر محروق الفؤاد:
نبارك ستَّنا الكوسةْ....غدت بالعز محروسةْ
منافعُها بدت للنا....س واضحةً وملموسة
يَنال بها أعالي المجد....زِيدت فوقها بوسة
غبيٌّ عمُّه باشا....وفَدمٌ أخته دوسه
ولصٌّ خالُه عضوٌ....وراشٍ راسُه حوسة
وبالبرطيل والنولو....ن والسهرات مغموسة
وفي الأدراج والفايلا....ت والبوستات مدسوسة
لتفتح كل مستعصٍ ....كسكينٍ ببسبوسة
وتفتك في حقوق الخلق كالطاعون أو سوسة
- طيب فهمني: لماذا الكوسة بالذات؟ ليه مش السبانخ، أو البدنجان، أو البطيخ مثلاً؟ إيه حكاية أن الكوسة تسبق غيرها، وتتجاوز الدور دائمًا؟
آه.. حضرتك محتاج لفذلكة تاريخية، تقرب لك المعنى - وإن كانت تخريجًا لطيفًا لتقدُّمِ الكوسة في المنزلة على غيرها، فلا تدقق في الحكاية - لقد قرأت لرجل ظريف في أحد مواقع النت، يبدو أنه كان يدرس تاريخ أسواق الخضار، أن هذه الأسواق في القاهرة كانت تستقبل التجار والمزارعين القادمين القادمين من خارج المدينة القديمة - أيام كانت محروسة، ولها أسوار وبوابات تفتح عند الفجر، وتغلق حين يقبل الليل يا حبيبي - فكان الباعة يصطفون طوابير قبل أن تفتح البوابة؛ مهما كان الجو حارًّا - لحجز مكان مهم في السوق لبيع الخضار، ولا يستثنى من الطابور إلا تجار الكوسة؛ لأنها لا تحتمل الحرارة، وتفسد سريعًا، فعندما يترك أحد الصف ويدخل دون انتظار، ويبدأ الخلق فى الاحتجاج، يرفع يده التاجر يقول: كوسة يا جماعة.. كوسة. ثم اتخذ المعنى دلالة مجازية يشار بها للمتسلقين، ومساحي الجِزم، ومشعلي البخور، والمتجاوزين من أصحاب المواصفات الخاصة، وصار الذي يتجاوز دوره، ويقفز فوق حقوق الآخرين يقال له: كوسة، ويوصف فعله أيضًا بأنه كوسة، واشتق العامة منها فعل كوّس، إذا اتخذ أسلوبًا من أساليب القفز بالكوسة، ومصدره التكويس،وصاحب الكوسة مكوِّس، والساعي فيها كواس، وربما اشترك اسم الفاعل واسم المفعول في الصيغة: مكوِّس ، وربما كان صاحب الكوسة: مكوَّسًا له!
- زدني تنويرًا؛ نور الله قلبك وقبرك وصراطك.
- قد تكون الكوسة خدمة بخدمة.. وقد تكون خدمة بفلوس، وقد تكون خدمة بعلاقة، فيمكنك أن تسرق من غيرك - دون استحقاق - وظيفة مهمة، أو تنتسب لكلية بارزة، أو تحصل على شهادة دراسية من مستوى الدكتوراه فنازلاً، أو تأخذ رتبة أكاديمية، وتسهل إجراءاتك كلها.. بالكوسة.. فهمت؟ الكووووسة.. كاف/ واو/ سين/ تاء مربوطة!
- خلِّنا من الكلام النظري، فأنا أكره الجعجعة ولا طِحن، هل هناك تطبيقات منظمة لهذا البلاء؟ اعذر جهلي من فضلك.. لكن أريد أمثلة/ تطبيقات/ نماذج..
- تطبيقات؟ أنت مسكين فعلاً، عندي سيول من التطبيقات على مستويات عالمية، ووطنية، ورسمية، وفردية.. ما أهون التدليل على هذا!
- ألهذه الدرجة؟
- وأكثر.. فعلى المستوى الدولي ثمة مستويات من الكوسة يمكن بها تمرير صفقات مجرمة بها تباع مصالح البلاد والعباد، ومستقبل الأجيال والأولاد.. ويبذل دم الشهداء، وخيرات الوطن بلا ثمن..
بالكوسة الدولية تتم أنواع من البلطجة والإرهاب، تسمح للجندي الأمريكي أن ينتهك ويقتل، ويدمر ويدنس، ويعذب ويشنِّع، ولا يمسه قانون، بل يبقى بطلاً، حرًّا، متحضرًا، نقي الصفحة، أبيض السيرة.. واحنا اللي ولاد كلب!
وبالكوسة الدولية تستخدم الدولة الصهيونية الفوسفور الأبيض، واليورانيوم المنضب، والنابالم والقنابل الانشطارية.. وتبقى سيدة الحرية، وواحة الديمقراطية، والصديقة الوفية! ولا يجرؤ (زلمة) أن يقول لها يا غولة عنيكي حمرا!
وبالكوسة الدولية تعقد اتفاقيات ديفيدية وأوسلوية وشرمية لحراسة حدود العدو، وحماية أمنه، ومطاردة أعدائه بدلاً منه، لينام هو قرير العين جذلان!
بالكوسة الدولية تعقد اتفاقيات لمده بالغاز والفولاذ، والإسمنت والأخبار، وحديد التسليح والخشب، والسجائر والأفيون لو أحب..
وبالكوسة الدولية تعقد اتفاقيات تسلم إثرها المناهج التعليمية، والسياسات الاقتصادية والإعلامية لمن يشكلونها، لتدمير الدين؛ وتحويل أبنائه الضحايا المساكين إلى أعجاز نخل منقعر! جامعيين أميين لا يقرؤون ولا يكتبون، ولا يفهمون ويشعرون، ولا يطمحون ولا يأملون..
وبالكوسة الدولية تمرر صفقات تسليح (يمامية) ومرسيدسية بنزية ديملرية، يشكل (الكومِّشن) فيها ميزانية دولة ثالثعشرية!
وللكوسة الوطنية أساتذة قانون يتصفون بأنهم شديدو الولاء للوطن والناس، وأبطال صادقون لا نظير لصدقهم، ومتدينون أعرَفُ بالدين من المبشرين بالجنة، يتفانون - من خلال الأثر الهائل للكوسة - في (ألوظة) قوانين، لإرهاب الناس، وتفصيل دساتير لحماية الجلادين، وإبداع مواد للتوريث، بل يفصلون قوانين لا تنطبق إلا على شخص واحد؛ لأنها مطابقة لسن المحروس، واسم أمه، ومقاس حذائه، وأكلته المفضلة!
الكوسة الوطنية تعمل عملها السحري حين يعطَى رجل من المحاسيب ألوف الأفدنة ليستثمرها لصالح نفسه، بسعر رمزي مائة جنيه للفدان، ليتحول إلى ملتي مليادير في غمضة عين، في حين أن عشرات ألوف المنكوبين لا يجدون حتى عشة صفيح تستر عوراتهم، وينال المحاسيب عشرات أو مئات أو ألوف الوحدات في المدن السياحية، في حين يحفَى رجل شريف ليحصل على شقة أودة وصالة في عزبة الصفيح!
الكوسة الوطنية تعمل عملها السحري حين يعطَى محسوب من المحاسيب نسبة من دخل البتاعة التي تعجن عجين الفلاحة، كل مطلع شمس، تكفي لإطعام مائة عائلة شهرًا كاملاً – بواقع ألف جنيه لكل عائلة - عدا الرواتب (بالجمع) والبدلات، والحوافز، والنثريات، ومبلغ الطوارئ، في حين أن ملايين الأسر تعيش كلها (الأب والأم والأبناء والوالدين والحماة معاهم) بأقل من 30 دولارًا في الشهر.. يعني اليوم بدولار يا حبة عيني!
الكوسة الوطنية تعمل عملها السحري حين يرشح رجل مغموص في البرلمان العتيد، ويرسب الأجدر بالثلث، ويصير متهمًا بعدها وابن متهم!
بالكوسة الوطنية تدخل رقاصة (وقاح متعالنة) من صالات كبار الضيوف، كأنها فاتح منتصر، أو رئيس دولة، وتلطع دعاة وعلماء وكبراء وشعراء في الطوابير، يسبهم ملازم أو صول ابن أصول، ويحتقرهم مخبر أو خفير ابن راجل أمير!
وبالكوسة الوطنية يُعطى فردٌ مئات الألوف أجرا، حين يعطي ملايين أجورًا تشتري 3 كيلو لحمة لا تزيد!
بالكوسة الوطنية يصير ابن الأستاذ الدكتور أستاذًا دكتورًا، وابن السيد اللواء سيدًا لواءً، وابن السيد المستشار سيدًا مستشارًا، وابن سعادة القاضي قاضيًا ذا سعادة، وابن النجم نجمًا، وابن حضرة النائب نائبًا، وابن الباشا باشا لا يجرؤ أحد أن ينظر إليه.. وتجعل كل من سواهم ابن كلب، يجرؤ كل ذي كوسة أن يتلعب به تلعب القطة الجربانة بصرصور، أوقعه الحظ بين مخالبها!
وبالكوسة الوطنية يزاح الطلاب الحاصلون على امتياز في الجامعة لأنهم أبناء فقراء، ويوضع مكانهم الحاصل على مقبول - بطلوع الروح - من أبناء ال... وعلى المتضرر اللجوء للبتاع!
الكوسة تعين الولد ابن الباشا مديرًا لمكتب وزير أو سكرتيرًا لوكيل الوزارة، ليطفو في أوائل عشرينياته على سطح التأثير، ويصير حوتًا ضخم الجثة، واسع الفم، لا يشبعه شيء..
والولد ابن البيه يتخرج من تجارة بمقبول، فينتقل تحت خدمة رئيس بنك، ليصير حوت انفتاح، وخبيرا في اللعب بالبيضة والحجر!
افهمها يا عزيزي.. ما زعمته الثورة من أن (كلنا سيد في ظل الجمهورية) لم يقصدوا به أن نكون سادة، أو مساتر (جمع مستر) بل أن نكون زي عم سيد الفراش..
عايز شقة لازم كوسة/ عايز إعفاء لازم كوسة/ عايز تتنفس عايز كوسة/ عايز تقول لا إله إلا الله.. لأ .. إلا دي .. ولا بالكوسة..
الكوسة هي الإكسير .. هي الدواء.. هي الشفاء.. هي الآسية.. هي الكافية.. هي المنجية.. هي المحيية.. وهي القاضية..
الكوسة أزاحت ذات مرة أربعين طبيب امتياز - كانوا الأوائل على كليتهم - واستوردوا من قصر العيني بدلهم أربعين آخرين من أبناء المسنودين، ولم يستثن إلا أبناء الحيتان منهم! وخيروا المتفوقين الغلابة.. فإما أن يقبلوا بوظيفة إكلينيكية، أو يغوروا على وزارة الصحة، أو يخفوا ف ستين داهية.. ولأنهم أبناء ناس غلابة وغير مسنودين، بلعوا ألسنتهم، واتجهوا للمتاح..
وذات مرة جاء الشاب من الخارج، وتحت إبطه شهادة بامتياز، وتقدم لوظيفة معيد، وكان أعلى المتقدمين على الإطلاق.. بينه وبين من بعده 10 % على الأقل.. وقالوا له بمنتهى الهدوء، ثم بمنتهى البرود، ثم بمنتهى الوقاحة والفجور: آسفين يا سيد.. مالكش مكان.. الأماكن محجوزة سلفًا.. الوظيفة محجوزة لفلان، واضرب دماغ سيادتك في الحيطة..
قال لي وهو حانق: يعني اللي احنا فيه دا كابوس، واحنا أدمنّاه.. وشبعنا إدمانًا حتى رأيناه نعيمًا وملكًا كبيرًا؟
يعني احنا واخدين قلم على قفانا جامد.. ودخنا حتى نسينا أنفسنا، وفقدنا الذاكرة، وفقدنا الوعي، وشايفين الواحد أربعة..
أهذا كله بسبب الملعونة الكوسة؟
- ألم لك أقل لك؟ أصدقتني الآن.. وصدقت أرسطو الذي قال:
ما الدنيا إلا كوساية كبيرة؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.