فى غالب الأحيان، وبعد أى جريمة قتل، يبحث القاتل عن مبرر لجريمته، مبرر لنفسه قبل غيره، وكان الدفاع عن ثوابت أى دين هى الحجة الأشهر عبر العصور، فارتكب باسم الديانات أبشع الجرائم من قبل من لووا عنق النصوص الدينية ليبيحوا لأنفسهم ارتكاب البشاعات. حادث الإسكندرية الأخير، فى الثالث من يناير الجارى، هو من ذاك القبيل، حين قام عادل عبد النور سليمان، بقتل صاحب محل خمور اسمه يوسف لمعى، أثناء جلوسه أمام محل يمتلكه بشارع خالد بن الوليد التجارى الشهير بميامى. فوراء هذه الجريمة يقف كتاب «كلمة الفصل فى قتل مدمنى الخمر»، والذى أحل فيه مؤلفه السكندرى القاضى الشرعى أحمد محمد شاكر قتل شارب الخمر؛ فماذا يقول الكتاب؟ ومن هو مؤلفه؟. الكتاب بكلمة قاطعة لمحمد شاكر بوجوب قتل شارب الخمر طبقًا لما يراه من مفاسد تترتب على هذا الأمر وتدمير للأمة وللمسلمين، حيث يرى أن شرب الخمر هو تقليد للمجتمعات الغربية التى تسعى لإفساد الإسلام وأن عدم تطبيق الشريعة الإسلامية كما كانت هو خروج عن الإسلام، خاصة استنكار العقوبات البدينة التى أمر الله بها، خاصة أنه يصف من لا يطبقها بحجة امتهان كرامة الإنسان، وأنها شريعة الغاب فى القرون الوسطى، يعد خروجًا من الإسلام ولا يجب السكوت عن هذا الأمر. يستشهد الشيخ بأحاديث أقر هو بأن سندها ضعيف لكنه حاول طوال الوقت بالاستشهاد برواية آخرين لنفس النص على الرغم من عدم قطعه بأن الرسول قد طبق هذا الحد، ويبدأ كتابه بحديث «حدثنا عبد الله بن محمد التيمى – أخبرنا حماد بن سلمة عن حميد بن يزيد أبى الخطاب عن نافع عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن شربها فاجلدوه، فإن شربها فاجلدوه، فقال فى الرابعة أو الخامسة فاقتلوه» إسناد ضعيف. كما ذهب فى حديث أبى الرمداء البلوى فروى ابن عبد الحكم فى فتوح مصر 302 من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن أبى سليمان مولى لأم سلمى زوج النبى، حدثه أن أبا الرمداء حدثه «أن رجلًا منهم شرب فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه، ثم شرب الثانية فضربه ثم شرب الثالثة فاتوا به إليه، فما أدرى أفى الثالثة أو الرابعة أمر به فحمل على العجل أو قال الفحل» وفى رواية أخرى عن الدولابى فى الكنى من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ عن أبى لهيعة بهذا الإسناد نحوه والذى أزاد على النص السابق «فحملوه على العجل فضرب عنقه» ويذهب الكاتب فى ذات الكتاب إلى واقعة قد يمكن أن تكون هى الأقرب إلى الحقيقة أو العقل البشرى «أن النبى صلى الله عليه وسلم مر برجل سكران يقال له نعيمان فأمر به فضرب فأتى به مرة أخرى سكران فأمر به فضرب ثم أتى به الثالثة فأمر به فضرب، ثم أتى به الرابعة وعنده قال عمر ما تنتظر يا رسول الله هى الرابعة اضرب عنقه فقال رجل عند ذلك لقد رأيته يوم بدر يقاتل قتالًا شديدًا، وقال آخر لقد رأيت له يوم بدر موقفًا حسنًا فقال النبى كيف وقد شهد بدرًا، وهو ما استشهد به العلماء بأن الرواية التى توجب القتل منسوخة، وأن الثابت عن الرسول أنه لم يقتل شارب الخمر، وهو ما جاء فى رواية الطحاوى فى معانى الآثار من طريق أصبغ ابن الفرج قائلًا: «حدثنا حاتم بن إسماعيل عن شريك عن محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن عاد فاجلدوه ثم إن عاد فاجلدوه، قال فثبت الجلد ودرىء القتل «وروى ابن حزم أيضًا عن طريق النسائى «أخبرنا محمد بن موسى حدثنا زياد بن عبدالله البكائى حدثنى محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله قال رسول الله «من شرب الخمر فاضربوه، فإن عاد فاضربوه، فإن عاد فاضربوه، فإن عاد فى الرابعة فاضربوا عنقه» فضرب الرسول نعيمان أربع مرات فرأى المسلمون أن الحد قد وقع وأن القتل قد رفع. كما يستشهد أيضًا بقول الرسول «لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث، النفس بالنفس، والثيب الزانى، والتارك لدينه، إلا أنه يذهب فى النهاية بعد الاستشهاد بالروايات المختلفة والأسانيد التى أقر فى بعضها بصحتها وبعضها بضعفها، بأن وجوب القتل أمر لابد من تنفيذه لحماية الدين والأمة وعدم اتباع الغربيين ومن وصفهم بالمشركين لاسترضائهم واتباع أهوائهم. كما ذهب فى الكتاب إلى أن ابن القيم رأى «أن الأمر بقتله ليس حتميًا، ولكنه تعزيز بحسب المصلحة، فإذا أكثر الناس من الخمر، ولم ينزجروا بالحد فرأى الإمام لأن يقتل فيه.. قتل» ؟؟ وهو ما يضع علامات استفهام حول الإمام الذى يمكن أن يفتى بالقتل هنا. أحمد محمد شاكر فى 29 من يناير 1892 بدرب الإنسية بالدرب الأحمر واسماه أبوه أحمد شمس الأئمة وكان والده فى ذلك الوقت أمينًا للفتوى مع أستاذه الشيخ العباسى مفتى الديار المصرية، عمل والده بعد ذلك قاضى قضاة السودان عقب خمود الثورة المهدية، ثم عاد والده وتولى مشيخة علماء الإسكندرية فى 26 أبريل سنة 1904وألحق ولديه بمعهد الإسكندرية الذى كان يتولاه، كان محبًا للشعر هو وأخيه لكنه فشل فى الاستمرار فى الأدب مع الشيخ عبد السلام الفقى بعد أن طلب منه كتابة قصيدة فلم يكتب سوى بيت فترك الأدب وتوجه لدراسة علم الحديث، تتلمذ على يد الشيخ محمود أبو دقيقة فى الإسكندرية وكذلك والده الشيخ محمد شاكر، انتقل بعد ذلك والده للقاهرة بعد أن أصبح وكيلًا لمشيخة الأزهر 1909، ثم حاز على الشهادة الأزهرية بعد ذلك عين مدرسًا ثم موظفًا قضائيًا ثم قاضيًا شرعيًا تدرج فى مناصبه حتى صار قاضيًا بالمحاكم الشرعية ثم عضوًا بالمحكمة العليا، وأحيل إلى التقاعد فى 1952م ببلوغه سن الستين. وتفرغ بعدها لأعماله حتى وفاته يوم السبت 14 من يونيو سنة 1958. أكد الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن ما أجمع عليه الأئمة أنه لم يثبت عن الرسول أو الصحابة قتل شارب الخمر، وأن ما ثبت هو جلده 40 جلدة، وأن ما ورد من أحاديث عن القتل هى أحاديث ضعيفة. وقال الشيخ سيد زايد، مدير عام مجمع الديرى الإسلامى: «إن الشيخ أحمد شاكر عالم اجتهد يؤخذ منه ويرد عليه، إلا أنه لم يثبت عن الرسول أو الصحابة أنهم قتلوا شارب الخمر». من جانبه قال ياسر فراويلة القيادى المنشق عن الجماعة الإسلامية إن هذا الكتاب كان متداولًا مع عدد من الكتيبات المحرضة على القتل وكان يباع على أبواب المساجد فى فترة السبعينيات، فى مناطق محرم بك والإبراهيمية والحضرة، كما أنه كان يباع مع نوعية كبيرة من هذه الكتب فى مكتبة النور بمنطقة باكوس وهى منطقة شعبية، ومنطقة أمبروزو وغبريان، وكل هذه المناطق كانت مأوى لجماعات التكفير والهجرة التى كانت تنشط فى السبعينيات وتستعين بمثل هذه الكتب، مشيرًا إلى أن هذه الكتب لا تزال لدى بعض المكتبات واتباع التكفير والهجرة والسلفيين لكنها لا تخفى تخوفًا من الحملات الأمنية.