بتاريخ 13 من الشهر الجارى أصدر رئيس مجلس الوزراء قرارًا حمل رقم 2992 نُشر فى الجريدة الرسمية، يقضى بإسناد فحص جميع السلع الإستراتيجية المستوردة لوزارة التجارة والصناعة، متمثلة فى الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، وإعفاء الحجر الزراعى والصحى من القيام بتلك المهمة، وهو ما أكد خبراء ومسؤولون بوزارة الزراعة أنه قرار كارثى، إذ إن عدم تخصص الهيئة يؤدى إلى دخول شحنات حبوب مصابة بفطريات سامة بأعلى من النسب المسموح بها، فى الوقت الذى يلتزم فيه وزير الزراعة الصمت. محمد فتحى سالم، أستاذ الأمراض بجامعة المنوفية، قال إن هذا القرار خاطئ شكلًا وموضوعًا، فجميع دول العالم المتقدمة والنامية لديها جهاز حجر زراعى أو صحة نباتية أو أمن غذائى، وفقًا لاتفاقيات تجارية عالمية موقعة عليها مصر، وحذر من أن تحييد الحجر الزراعى المنوط به حماية الصحة النباتية فى مصر من الآفات وفحص الشحنات المستوردة، يمثل خطورة كبيرة فى 4 اتجاهات، أولها السماح بدخول أقماح مصابة بنسبة عالية من فطر الإرجوت السام، والثانى دخول فطر العفن الأبيض فى الفول الصويا، والثالث دخول فطر القشرة الفضية التى تصيب البطاطس، وأخيرًا دخول فطر الإمبروزيا، موضحًا أن هذه الأمراض من الأمراض الخطيرة القابلة للتوطن والانتشار بسهولة فى مصر، لملائمة طبيعة التربة والمناخ فى البيئة المصرية لها. سالم لفت أيضًا إلى أن وزير الزراعة أصدر فى شهر يونيو الماضى قرارًا فى الخفاء لم يتحدث عنه أحد، وهو رفع نسبة السماح بالقشرة الفضية للبطاطس من أقل من 1 فى المائة إلى 25فى المائة، تحت ضغوط على معهد أمراض النباتات، والحجر الزراعى، وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة توطن مرض القشرة الفضية، خاصة فى العروة الشتوية المقبلة، منوهًا بأن الحجر الزراعى رفض فى الفترة الماضية 12 رسالة فول صويا مستوردة من عدة دول لإصابتها بالعفن الأبيض، بينما يوافق وزير التجارة والصناعة على استيراده رغم خطورته. فى السياق ذاته، قال الدكتور نادر نور الدين، مستشار وزير التموين السابق والخبير الزراعى، أن انتداب بعض رجال الحجر الزراعى للعمل تحت رئاسة جهاز الرقابة على الواردات والصادرات على أن يكون القرار الأخير فيه لوزير التجارة والصناعة فقط، فيه مجاملة غير مسبوقة للتجار، متسائلًا: «ماذا يفهم وزير التجارة والصناعة فى الحشائش والسموم المصاحبة للقمح والذرة وفول الصويا؟». نور الدين كشف ل«الصباح» أن هذا القرار سمح بإدخال قمح العلف على أنه قمح خبز ومكرونة، وإدخال زيوت وبذور فول الصويا المحورة وراثيًا التى لا توافق أوروبا على إدخالها أبدًا، فضلًا عن دخول سموم الأفلاتوكسين والإرجوت بنسب كبيرة، متخوفًا من أن يكون وزير التجارة والصناعة أصبح رجل الغرفة التجارية بعد إزاحة خالد حنفى وزير التموين المستقيل. وعن عدم وجود رد فعل من وزير الزراعة على القرار، أوضح أن الوزير ارتضى الإهانة فى المرة الأولى حين ألغى رئيس الوزراء قراره بمنع دخول قمح الإرجوت، وارتضى الإهانة للمرة الثانية بسحب اختصاصاته وإسنادها إلى وزير التجارة والصناعة لأنه مهموم فقط بالحفاظ على الكرسى وليس مهمومًا بكرامة الوزير ولا سمعة وزارة الزراعة». وبدوره، علق الدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعى، بأن هذا القرار خطر على الصحة العامة والنباتات فى مصر، ويخدم فقط لوبى التجار الذى يتمتع بقدرة كبيرة على التأثير فى قرارات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، ما يترتب عليه عدم وجود فحص بالطريقة السليمة للشحنات المستوردة. من جانبه، أوضح الدكتور أشرف خليل رئيس معهد أمراض النباتات بمركز البحوث الزراعية، أن المعهد ملتزم بأى قرار تصدره الحكومة لأنه جهة فنية، موضحًا أن المعهد يجرى تحاليل لكل الشحنات المستوردة من الخارج فى المعامل التابعة لوزارة الزراعة، وأن بعضها يحتاج إلى أسبوع وأكثر. على صعيد آخر، قال مصدر مسئول بقطاع الإنتاج الحيوانى التابع لوزارة الزراعة، أن عددًا من الموظفين أرسلوا برقيات استغاثة لرئاسة الجمهورية، لمنع قرار رئيس مجلس الوزراء، يؤكدون فيها أن هذا القرار سيسمح باستيراد ذرة وصويا غير مطابقة للمواصفات ودخول مواد ضارة. وبالمثل، أعلن عدد من ممثلى الفلاحين اتخاذ إجراءات تصعيدية ضد رئيس مجلس الوزراء لانفراده بالقرار، وأكد محمد فرج رئيس الاتحاد العام للفلاحين أن القرار عقاب للحجر الزراعى لمنعه عدة شحنات مصابة بفطريات ضارة بالصحة النباتية والعامة، فى حين أعلن فريد واصل نقيب المنتجين الزراعيين عن رفع دعوى قضائية ضد رئيس مجلس الوزراء بمحكمة القضاء الإدارى لإلغاء قراره، مطالبًا رئيس الجمهورية بالتدخل. فى المقابل، دافع الدكتور حامد عبد الدايم المتحدث الإعلامى لوزير الزراعة، عن قرار رئيس الوزراء، بأنه جاء لتسهيل عمليات الاستيراد وتقليل مدة الفحص التى تصل إلى 10 أيام، ما يتسبب فى خسائر كبيرة للمستوردين يحملونها للمستهلك برفع الأسعار. وأكد عبد الدايم أن القرار يأتى ضمن خطة الدولة نحو تطبيق منظومة الشباك الواحد، مشددًا على أن الحجر الزراعى والصحة لم يخرجا من المنظومة، وأن العامل الرئيسى فى دخول أى شحنات هو المواصفات القياسية.