تخطت أوجاع «الحرب الطائفية» خلال 10 سنوات.. وتحولت لقبلة «مستثمرى العالم» بالقارة السمراء الشعب يخصص يومًا لتنظيف كل الشوارع.. وآخر لاستبدال «الدراجات» و«المشى» ب«السيارات» تتيح لأى مستثمر تسجيل شركته فى 6 ساعات.. وتمنحه كل التسهيلات والأوراق والدراسات المطلوبة يزخر تاريخ دول القارة السمراء بالعديد من التحديات والصراعات التى طالما عانت منها شعوب القارة، ومن بين تلك الدول اللافتة للنظر خلال السنوات العشر الأخيرة، والتى أثبتت للعالم أن إرادة الشعب إذا ما اتحدت من الممكن أن تصنع المعجزات، دولة رواندا، التى عانت من أكبر وأبشع المذابح البشرية فى التاريخ عام 1994، تلك التى راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف المليون نسمة خلال 100 يوم فقط. جمهورية رواندا، وتعنى «أرض الألف تل»، هى دولة فى شرق إفريقيا بمنطقة البحيرات العظمى، وتعد بالإضافة إلى دولة بروندى من إقليم «الكونغو الكبير»، وهى من الدول الإحدى عشرة لحوض النيل. مدينة «كيجالى» حاليًا هى عاصمة رواندا وأكبر المدن وأجملها، فهى كما وصفها البعض «جنة الله على الأرض»، أو «عاصمة السياحة العالمية بالقارة السمراء»، يتحدث سكانها المثقف المرتب العديد من اللغات، منها الإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى اللهجة المحلية «الكينيارواندا». ورغم صغر مساحتها التى تبلغ 28 ألف كيلو متر مربع فقط، وعدد سكانها البالغ 11مليون نسمة تقريبًا، إلا أنها تعد من أنظف وأرقى العواصم الإفريقية التى تصنف عالميًا من حيث الجمال والنظام فى كل مناحى الحياة، فضلًا عن شعبها الذى استطاع أن يصنع المعجزات، وأن يتجاوز مذابح دموية لم يشهد التاريخ مثلها ليصبح من أرقى شعوب العالم، ويحقق أعلى معدل تنمية غير مسبوق فى وقت قصير لم يتعد العشرين عامًا. واستطاعت رواندا بقياداتها وشعبها أن تثبت قصة نجاحها، من حيث الاستقرار والنمو الاقتصادى الذى تضاعف 3 مرات خلال السنوات العشر الأخيرة، وكذلك الاندماج الدولى الذى صنف رواندا بأنها واحدة من أكثر الحكومات كفاءة ونزاهة فى إفريقيا، نظرًا لانعدام نسبة الفساد بكل قطاعات الدولة. ومن بين الأسباب الرئيسية لنمو هذا البلد بسرعة غير متوقعة، هو تمثيل النساء فى كل المناصب بالدولة، سواء الحكومية أو القطاع الخاص، ودخلت رواندا عام 2008 التاريخ بوجود أول مجلس تشريعى منتخب تمثل فيه الأغلبية للنساء. ويقوم اقتصاد رواندا الأساسى على السياحة، وتعتبر من أروع بلدان القارة فى الطبيعة والبحيرات والجو المعتدل طوال العام والجبال الخضراء والأمطار الرائعة، فضلًا عن غناها بالغابات والنباتات والحيوانات النادرة التى يقصدها آلاف السياح الأوروبيون سنويًا، يأتى بعدها الزراعة والرعى، والتى يعمل بها 92٪ من القوى العاملة، وتمارس الزراعة فى مناطق متفرقة من البلاد التى تشتهر بالبن والشاى والتبغ وقصب السكر والموز، فيما تربى الأبقار بأعداد كبيرة جدًا، ولكنها لا يتم تصديرها حتى الآن. وسعيًا نحو اكتشاف فرص الاستثمار بالقارة، خاصة دول حوض النيل الشقيق، تم ترتيب زيارة عمل لدولة رواندا لرجل الأعمال المصرى الدكتور أحمد بهجت، بحثًا عن مشروعات مثمرة وعلاقات طيبة بين شعوب دول القارة، التى يربطنا بها شريان الحياة البشرية المتمثل فى نهر النيل. بدأت الجولة بالوصول للعاصمة الجميلة «كيجالى الخضراء»، الذى صنفها تقرير دول الكوميسا بأنها صاحبة أعلى معدلات تنمية فى العالم. وفور أن تصلها ستنبهر بالنظام فى كل القطاعات التى ستتعامل معها، بداية من الاستقبال الرائع من مسئولى المطار، مرورًا بسهولة إجراءات الحصول على تأشيرة فى دقائق معدودة، ونظافة الشوارع ونظام وسائل المواصلات سواء العامة، وخلوها من التلوث، وجمال الشوارع والأشجار المرتبة، وصولًا إلى احترام كل أفراد الشعب هناك للقانون والمرور، وهى كلها أمور أدت إلى استقرار العملة المحلية وهى «الفرانك الرواندى»، خلال السنوات العشر الأخيرة أمام الدولار. وتضمنت الجولة زيارة متحف «المذبحة البشرية فى رواندا»، التى حدثت عام 1994 لمدة 100 يوم، وراح ضحيتها مليون ونصف المليون قتيل، نتيجة الاقتتال الذى دار بين قبيلتى «الهوتو» و«التوتسى»، بعد وشايات بلجيكية. ويحوى المتحف صورًا وبعض مقاطع الفيديو الحقيقية والنادرة، والتى تصور بشاعة ما حدث، حيث استخدم فيها السكين والخنجر والشوم والآلات الحادة فى التخلص من البشر و رميهم بالنيل، حتى تم إنهاؤها بواسطة «اتحاد أبناء رواندا»، الذين هربوا للخارج وعادوا متحدين بفكر جديد لإنهاء المذبحة، والانشغال فقط بالإصلاح والتنمية، وذلك بانتخاب الرئيس «بول كاجومى»، وبعض المؤسسات الأخرى بالدولة اعتمادًا على الديمقراطية والتعلم من أخطاء الماضى. بعدها، تم دعوتنا إلى اجتماعات رسمية لمؤسسة «رواندا للتنمية RDB»، التى تعد المنفذ الأول والوحيد للمستثمرين للعمل فى رواندا، وذلك من خلال تسهيل كل المعلومات وإتاحة كل ما يحتاجونه لإقامة شركة والحصول على كل الدراسات اللازمة لاختيار المشروع المناسب عمله فى المدينة. ويستطيع المستثمر المصرى أو غيره، خلال 6 ساعات فقط، أن يسجل شركة عبر الإنترنت بدون رسوم، حيث تعتمد رؤية المؤسسة على تحويل رواندا إلى مركز استثمارى اقتصادى عالمى عبر القطاع الخاص، سواء المحلى أو الأجنبى. وتساعد تلك المؤسسة الاستثمارية الشركات الأجنبية فى الحصول على المعلومات، وأيضا التمويل عبر البنوك القائمة بالمدينة، فضلًا عن تقديم الدراسات الجادة والتنموية للحكومة، إلى جانب المساعدة فى إتاحة الأماكن العامرة المجهزة بكل البنية التحتية لإقامة المشروعات. اجتماع «الصباح» التالى كان مع مجلس المدينة الذى ترأسه سيدة ناجحة جدًا، ولديها خطط استراتيجية لتحويل «كيجالى» إلى مركز سياحى واقتصادى عالمى، عبر بناء كل المشروعات التنموية المربحة التى ستغير معالم المدينة إلى العالمية، وذلك بإقامة المدن الجديدة والمشروعات السكنية المختلفة، وأيضًا الفنادق والمعارض الدولية، وتدشين مركز عالمى للمعارض، وتوفير رؤية استشراقية للبلاد حتى عام 2040. ولا تخلو رحلة التقدم نحو النمو الاقتصادى العالمى من التمسك بقوانين وعادات الآباء والأجداد، مثل الاعتماد على النفس فى النظافة، وتشهد البلاد هناك حملة نظافة عامة تقام كل شهر يشارك فيها الشعب كله فى تنظيف الشوارع، كما يوجد يوم كل شهر يحظر خلاله استخدام السيارات، واستبدالها فقط بالدراجات أو المشى. تحولت الجولة للسفر خارج العاصمة، تجاه طريق بروندى، حيث مشروع إنشاء المطار الجديد، وإقامة المنطقة الصناعية الجديدة، لإقامة مصانع أجنبية لإنتاج وتصنيع ما يمكن أن يحقق تنمية متكاملة، وكذلك السفر فى اتجاه آخر من العاصمة نحو طريق أوغندا على الحدود الذى يعد فعليًا جنة الله على الأرض، فهو يزخر بالعديد من الجبال البركانية شاهقة الارتفاعات التى تناطح السحب الكثيفة، ويتمتع بالجبال والهضاب الخضراء المأهولة بالمدن السكنية الصغيرة والطبيعة الخلابة، ويتخلله عدد من البحيرات، تعد أشهرها بحيرة «كيفو» التى تتمتع بمياه مساحتها هائلة وصافية، وهى تعد من أروع المناطق المناسبة لإقامة المشروعات السياحية والفنادق الطبيعية وغيرها. وأخيرًا تمت دعوتنا لحفل عشاء على شرف سفيرة مصر بدولة رواندا، نميرة نجم، وعدد من الوزراء، منهم وزير البنية التحتية الرواندى، والتجارة والصناعة الرواندى، والسفير الشيخ صالح هابيمانا، سفير رواندا فى جمهورية مصر العربية، وعدد من رجال الأعمال بالدولة، للترحيب بالتواجد المصرى فى مدينة «كيجالى». ووعد الدكتور أحمد بهجت ببدء الاستثمارات فى دولة رواندا الشقيقة، وإقامة مشروعات صناعية وترفيهية ومنطقة سكنية تضاهى مدينة «دريم لاند» المصرية، معبرًا عن انبهاره بالشعب الرواندى الذى أعطى للعالم درسًا فى الصبر والأمل، رغم مراره والآلام التى عانى منها عقب المذبحة التى أحدثت دمارًا واسعًا وخلفت العديد من الضحايا، ومع ذلك استطاع الوقوف مجددًا، وتحدى الصعاب وسار نحو التنمية، وإلغاء أفكار العصبية القبلية، للقضاء على مرارة المذبحة البشرية، إلى أن وصلت بكل ما فيها من تنمية وحب واحترام إلى العالمية.