قال الكاتب الصحفي مدحت نافع، في مقال له نشرته ال"سي إن إن"، تحت عنوان "هل تستطيع أن تلحق مصر برواندا؟". وأكد الكاتب من خلال مقاله، أن النظرة التي ينظر بها الشعب المصري لأفريقيا انتهت ولم تعد في محلها، واتخذ رواندا مثالًا لذلك، موضحًا أن رواندا التي لا نعرفها حققت فى عام 2013 معدلاً لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بلغ 4.7%، سرعان ما ارتفع إلى 7% عام 2014، متخطيًا بذلك سقف التوقعات البالغ 6%، وتشير التنبؤات أن معدل النمو المذكور يمكنه أن يصل إلى 7.5% عامي 2016 و2017. وأفاد نافع، بأن مصر تحاول جاهدة أن تصل بمعدلات النمو إلى ما دون ال 5% للعام المالي الجاري، وأنها ستدرك أهمية أن تطمح إلى اللحاق برواندا! وقص الكاتب الصحفي ما حدث في رواندا بعد خروجها من حرب أهلية طاحنة، وكيف استطاعت فى أعقابها أن تعقد صلحًا بين الهوتو والتوتسي، ثم اتبعت إستراتيجية ناجحة للتنمية المستدامة عبر تحقيق النمو الاحتوائي الذي يهدف إلى تحقيق التوازن المجتمعي، وشمول عوائد النمو لمختلف قطاعات المجتمع، وأحدثت طفرة في التخطيط العمراني وارتفعت نسبة المساكن المرفّقة بشكل جيد والمؤهلة للعيش الكريم في المناطق الريفية من 37,5% عام 2012 إلى 53% عام 2014، في مصر يسكن العشوائيات نحو 20% من عدد السكان وتزداد النسبة كثيرًا إذا ما تم ضم سكّان القرى والمناطق الفقيرة والأكثر فقرًا. وأشار نافع، إلى أن معدل التضخم السنوي المستهدف فى رواندا لعام 2016 يبلغ 5%، "أي تقريبًا ثلث معدل التضخم المصري الرسمي إلا قليلًا، حيث بلغ في نهاية يونيو 2016، 14,8% وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء". ولفت إلى أن النسبة الأكبر من سكان رواندا مازالت تسكن الريف بنسبة 83% من الكتلة السكانية "أي بنحو 10.5 مليون رواندي"، لكن إستراتيجية التنمية والحد من الفقر "الثانية" (2013-2018) تقضي بالتوسع فى إقامة المناطق الاقتصادية وتطوير النظم اللوجيستية الرواندية؛ بهدف زيادة الصادرات التي مازالت تمثّل نحو 25% من الواردات خلال عامي 2013 و2014. وقال نافع: المهم أن رواندا تسير بثبات نحو تحقيق أهدافها الإستراتيجية متخطية العديد من العقبات والمعدلات المتوقعة للإنجاز، رواندا لديها خطط كبيرة للتنمية الصناعية وتنمية الخدمات وخاصة الخدمات السياحية والتي من أبرزها المخطط العام لتطوير حزام "كيفو" Kivu-Belt Tourism Master Plan، والتي بمقتضاها يتم تحويل هذا الإقليم الواقع غرب البلاد إلى منطقة سياحية بمواصفات عالمية، نجحت رواندا في تسجيل تغيّر لافت خلال العقد الماضي لتتحول إلى قصة نجاح حقيقية، حيث أصبحت مركزًا اقتصاديًا وتكنولوجيًا في المنطقة، وتمكنت من جذب أكثر من مليون سائح عام 2014. بالأمس القريب وقع اختيار الأممالمتحدة على العاصمة الرواندية "كيجالى" كأفضل عاصمة فى أفريقيا، وتتميز العاصمة الرواندية بالنظافة والأمان الشديدين وتقدم تجربة مميزة للتسوق والسياحة، وتضم المدينة العديد من المتاحف مثل المتحف الوطني لرواندا ومتحف "كادنت البيت" للتاريخ الطبيعي، فضلًا عن الفنادق العالمية ذات الخدمة السياحية المميزة. وأضاف الكاتب، أن نظرة الاستعلاء التي شيّع بها الشعب المصري كل شعوب أفريقيا لم تعد في محلّها، وفكرة الأخ الأكبر الذي يعرف أكثر ويلقي بفضله ما يملك إلى الجار الصغير الفقير لم تعد قائمة إلا في الأذهان البالية، فتحت العولمة كافة الأسواق أمام المستثمر يتخيّر منها حيث يشاء، هنا استثمار سياحي يبنى على الميزة النسبية والتنافسية للموقع الجغرافي لهذه الدولة، وهناك استثمار زراعي يبنى على طاقات وإنتاجية الأراضي الزراعية فى تلك الدولة، هناك دولة تصلح موطنًا للصناعات الثقيلة وأخرى تصلح مركزًا للتصدير أو التسويق أو خدمات التجارة المختلفة. الدول الأفريقية تنافس على مختلف تلك الأصعدة وكما فوجئ المشجع المصري التقليدي لكرة القدم، بسرعة تفوق اللاعب الأفريقي بعد أن دخل الاحتراف القارة السمراء واستغل المستثمر الأجنبي مزايا لاعبيها الجسمانية وراهن عليها، سوف يفاجأ المواطن المصري بتفوق الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات الأفريقية التي سيطرق بابها الاحتراف الدولي أيضًا، لكن من باب مختلف. هنا تجذب العمالة الرخيصة والموارد الطبيعية الوفيرة فوائض الاستثمار على مستوى العالم، وتبقى عقبة الأمن قائمة لكنها قابلة للحل ولو على يد شركات دولية خاصة يمكنها أن تحمي دولًا داخل الدول، نعم فكبرى الشركات متعددة الجنسيات هي في إيراداتها أكبر من الدول التي تستهدفها ببعض فوائضها، ولو أرادت تلك الشركات أن تؤمّن بقاءها سيكون ذلك سريعًا ولن يقابله مقاومة من المواطن الأفريقي المتعطّش للخدمات وفرص العمل، الوطنية سيتغير مفهومها في القارة البكر، والانتماء إلى دولة أفريقية قوية غنية يتحكم فيها رأس المال الغربي (والشرقي إذا نظرنا إلى الصين المتعطشة إلى خيرات أفريقيا) أفضل من الانتماء إلى دولة فقيرة تدّعى الاستقلال لكنها لا يمكن أن تبقى يومًا واحدًا بغير مساعدات غربية تتحكم فى كل قراراتها ومصائرها. العالم يتغير بسرعة فائقة من حولنا، وكل دقيقة تمر بغير مواكبة لهذا التغير هي خسارة صافية يتحملها الوطن والشعب والأجيال القادمة، التخطيط كان سبيل رواندا لتحقيق طفرات اقتصادية كبيرة فى زمن قصير، والإرادة السياسية الصادقة حوّلت هذا التخطيط إلى واقع على الأرض، وأعتقد أن الخطوة القادمة الكبرى للاستثمار في رواندا ستكون فى مجال التنمية البشرية، لتأهيل المواطن ذي الأجر التنافسي ليشغل مواقع العمالة الماهرة، ومن هنا يبدأ الاستقلال الحقيقي للقارة.
