مستندات تكشف تلاعب شركة Mapco فى الفواتير الرسمية المقدمة للجمارك والضرائب كشف عدد من مصدرى الحاصلات الزراعية عن وجود سلسلة كبيرة من كبار المصدرين، يتهربون من الضرائب عن طريق التلاعب فى فواتير الشحنات، وأكدوا فى لقاءات مع «الصباح» عن وجود تلاعبات فى الجمارك والتحويلات البنكية للشحنات المُصدرة للخارج، خاصة فى ظل الأزمة التى تعانى منها مصر من نقص العملة الأجنبية، واعتماد الاقتصاد المصرى على تصدير الحاصلات الزراعية وتحويلات المصريين فى الخارج. وبعد تقصى دام أكثر من أسبوع كامل، اتضح وجود مليارات يخفيها رجال الأعمال من أصحاب شركات تصدير الفواكه للخارج سنويًا بعدة طرق، أبرزها التلاعب فى الفواتير للتهرب من الضرائب والحصول على الدعم، وعدم تحويل المبالغ المالية التى تتقاضاها الشركات إلى البنك المركزى المصرى وفقًا لقانون الجمارك، وذلك بحسب مستندات رسمية حصلت «الصباح» على نسخة منها. المستندات التى حصلت عليها «الصباح»، عبارة عن صور ضوئية لفواتير وشهادات حجر زراعى ومنشأ، لأكثر من شحنة لشركة «Mapco» (شركة المتوسط للمنتجات الزراعية) والتى تقع بمنطقة سموحة فى محافظة الإسكندرية، وتؤكد تحايلها على القانون بالتلاعب فى الفواتير التى قدمتها إلى وزارة التجارة والصناعة المصرية، ومصلحة الضرائب، إذ تقل قيمة هذه الفواتير عن الفواتير الحقيقية الخاصة بالتعاقد مع الجهات المستوردة إلى «النصف». ووفقًا للوثائق، فإن هذه الشركة يملكها رجل الأعمال السعودى عبد الإله الكعكى رئيس مجلس إدارة شركة النوبارية لإنتاج البذور «نوباسيد»، وشريكه رجل الأعمال المصرى المهندس محمد الصيحى مدير عام شركة النوبارية لإنتاج البذور «نوباسيد»، ويمتلك نحو 14 مشروعًا فى مصر من بينهم الوادى للحاصلات الزراعية، والنيل للاستثمار، ومشروع للمدارس الذكية الخاصة. كما اشترى «الكعكى» شركة طنطا للكتان والزيوت عام 2005 بمبلغ 83 مليون جنيه على مساحة 74 فدانًا و15 قيراطًا، منها 28 فدانًا مساحة المصانع والباقى كمفارش لوضع الكتان الخام بها، وتضم 10 مصانع، منها مصنع الخشب الرفيع الذى تم إنشاؤه عام 1993 بقرض من بنك الاستثمار بتكلفة 63 مليون جنيه ومنتجات وقطع غيار ب30 مليون جنيه. وشغلت قضية «نوباسيد» الرأى العام طويلًا، ووُجهت اتهامات لحكومات كثيرة بالتسبب فى بيع أملاك الدولة للأجانب، وكان المتهم الأول فيها رئيس مجلس الوزراء الأسبق الدكتور عاطف عبيد، ووزير الزراعة الأسبق أحمد الليثى، إذ أنهما أول من أصدرا قرارًا بتخصيص الشركة وبيعها إلى المستثمر السعودى، وطبقًا لإحصائيات جهاز الحفاظ على أملاك الدولة، فإن أرض نوباسيد تقدر ب 6 مليارات جنيه، وتملك الشركة فرعًا بأبيس بالإسكندرية، وفرعًا آخر بأبو المطامير بمحافظة البحيرة، وعدة منافذ فى بعض المحافظات. والعلاقة بين شركتى «نوباسيد» و«Mapco»، هى أن الأولى توفر منتجات زراعية أهمها الموالح لتصدرها شركة «Mapco»، والتى بدورها تتحايل فى الفواتير، حيث حصلت «الصباح» على مستندات ل 3 شحنات فيها مخالفات. تفاصيل الشحنة الأولى وفقًا للمستندات، عبارة عن الشحن لعدد 8 آلاف كرتونة من البرتقال، وزن 128 طنًا، للشهادة رقم 1982 بتاريخ 20 يناير 2016، على الباخرة «مايا سمر»، رحلة 28 يناير 2016، طبقًا لتأشيرات جمرك الوصول الداخلية، بسعر 230 دولارًا للطن، وبإجمالى 27 ألفًا و600 دولار، وذلك لشركة «portek llc» الروسية، وخرجت الشحنة من ميناء الإسكندرية، إلى ميناء «Novorossiysk sea por». التفاصيل السابقة جاءت من واقع الأوراق الرسمية التى أرسلتها الشركة للمبيعات وللتجارة الداخلية، وكما هو مكتوب على الأوراق «صورة طبق الأصل للتجارة الداخلية، صورة طبق الأصل للمبيعات»، لكن المراسلات بين الشركة المصرية والشركة المستوردة الروسية تكشف غير ذلك، حسب خطاب موجه من شركة «مابكو» إلى الشركة الروسية «portek llc». وكشف الخطاب بين الشركتين المصرية والروسية، والذى يحمل نفس تفاصيل الشحنة السابقة، اختلافًا فى سعر الطن والحمولة كاملة، حيث بلغ سعر الطن 510 دولارات، بينما بلغ سعر الشحنة 61 ألفًا و200 دولار، وهو ما يمثل فرقًا فى السعر وصل إلى النصف، ويقترب من 34 ألف دولار. تفاصيل الشحنة الثانية، كانت «شهادة رقم 590 صفحة 1، وزن 51 ألفًا و200 طن قائم، صافى 48 طنًا، عدد 40 بالته، بعدد 3200 كرتونة، على باخرة مور جانا، رحلة 9 يناير 2016، من ميناء الإسكندريةلروسيا، بسعر إجمالى 11040 دولارًا. لكن الخطابات بين الشركة المصرية المصدرة ونظيرتها الروسية المستوردة وتدعى «llc tvrk»، تكشف عن أسعار مختلفة للشحنة، حيث كشف الخطاب الذى كان بتاريخ 7 يناير 2016، عن أن إجمالى سعر الشحنة البالغة صافى وزن 48 طنًا، 25920 دولارًا، أى هناك فرق أيضًا يزيد عن النصف عن السعر الذى أرسلته الشركة لوزارة المالية والتجارة الداخلية والجمارك». الشحنة الثالثة، كانت وزن 360 طنًا من البرتقال أيضًا، عبارة عن 2400 كرتونة، مصدرة من الشركة ذاتها «Mapco» إلى الشركة المستوردة «fruit day llc» الروسية، بتاريخ 4 فبراير 2016، بسعر 230 دولارًا للطن، بإجمالى 82 ألفًا و800 دولار. وجاء الخطاب الموجه من الشركة المصرية للروسية بعيدًا عن الأوراق الحكومية، ويكشف أيضًا أن إجمالى القيمة المالية للشحنة البالغة 360 طنًا بلغت 194 ألفًا و400 دولار، بفارق 112 ألفًا و400 دولار عن السعر الذى أقرته الشركة فى الدفاتر الحكومية». واتصلت «الصباح» بشركة Mapco على أرقامها الرسمية المدونة فى الفواتير، أكثر من مرة، للرد على ما جاء بالمستندات إلا أنه لم يرد أحد. ووفقًا لعدد من المصدرين، فإن هناك تلاعب يتم أيضًا فى تحويلات المصدرين من الخارج إلى البنك المركزى المصرى، تصل إلى النصف وربما تزيد عن ذلك. وبحسب محمد هنا، مُصدر منتجات زراعية، فإنه لا توجد رقابة أو إلزام من الدولة كافٍ لإجبار المصدر على توريد القيمة المالية الكاملة للشحنات المصدرة. وقال «هنا»: « إن الدول الأجنبية، خاصة روسيا، تلزم المصدرين على تحويل الأموال المصدر بها إلى بنوكها كشرط أساسى لمنح الشحنة رخصة المرور عبر موانيها إلى الدولة المستوردة، عن طريق إحضار إقرار من البنك، لكن على عكس ذلك فى مصر تمامًا لا توجد ضوابط تحكم هذه العملية». يقول أحمد حافظ، أحد أصحاب شركات «حافظ» للتصدير، إن هناك ما يقرب من 90 فى المائة من المصدرين يتحايلون على قوانين الجمارك ووزارة التجارة والصناعة، بالتلاعب فى القيمة المادية للشحنات المصدرة، للتهرب من الضرائب المفروضة على شركات التصدير، والتى تتراوح من 20 إلى 25 فى المائة من قيمة الأرباح الخاصة بكل شحنة، لافتًا إلى أن هذا التلاعب يصل إلى نصف قيمة الشحنة المالية. ووفقًا لبيانات رسمية صادرة عن وزارة الزراعة والمجلس التصديرى للحاصلات الزراعية، فإن مصر تصدر منتجات زراعية خاصة الموالح بقيمة إجمالية تصل إلى 5 مليارات سنويًا، لكن البيانات التى كشف عنها المصدرون تؤكد أن قيمة التصدير تصل إلى أضعاف هذا الرقم المعلن. وأشار أحد مصدرى المنتجات الزراعية - طلب عدم ذكر اسمه أيضًا - أن التصدير يستخدم كأداة لتهريب العملة أيضًا، موضحًا أن هناك أجانب، منهم بولنديون يعملون فى بيع الألعاب بالتعاقد مع أكثر من 80 فندقًا بشرق الشيخ، كانوا يطلبون منه كميات من الرمان والبرتقال لتصدريها إلى فنلندا بسعر مثلًا 20 ألف دولار للحاوية، ويبيعونها فى دولتهم بنفس سعر الشراء منه، دون أى مكسب، وتكرر هذا الموقف عشرات المرات، حتى اكتشف فى النهاية أنها أحد طرق تهريب الدولار للخارج، أو أيضًا إدخالها لتمويل الجماعات الإرهابية فى الداخل، خاصة أن البنك المركزى يضع شروطًا لمنع خروج عملات صعبة من مصر بمبالغ كبيرة. وقال المستشار عدلى حسين محافظ القليوبية الأسبق، ورئيس المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية السابق: إن رجال الأعمال والمصدرين وأصحاب المصالح أوقفوا محاولته لمواجهة التلاعب فى التحويلات، موضحًا أنه بدأ بالفعل أثناء توليه رئاسة المجلس، العمل فى إنشاء فرع للمجلس فى روسيا، تتحمل تكلفته هيئات التصدير والاستيراد الروسية لمنع التهرب من التحويلات من الخارج. وأضاف حسين، أنه تم توقيع اتفاق مع المسئولين الروس، وعقد اجتماعات عدة فى مصر ورسيا، لإحكام المراقبة على عملية التصدير والاستيراد، إلا أنه ترك المجلس قبل إكمال الفكرة، خاصة بعد تعرض فكرته لهجوم مضاد من أصحاب المصالح، لافتًا إلى أن هناك ملايين الدولارات لا يتم تحويلها سنويًا إلى البنك المركزى المصرى، موضحًا أنه كان يهدف لإنشاء 3 فروع فى باريس وروما وموسكو لوقف عمليات التهرب».