1-ملابس مستعملة بالكيلو.. و «البدل » خير وسيلة للستر 2-النوم على سرير «سيراميك »والشبكة الصينى.. آخر حلول المتزوجين تحت خط الفقر 3-أكل رخيص من بواقى المصانع والفنادق والمجد «لرجول الفراخ » 4-التعليم حكومى ..والكتب من الأزبكية..والتجسس على المراكز التعليمية .. «عشان تجيب مجموع » يستيقظ مبكرًا على غير عادته، يركب عم شريف الرجل الأربعينى السيارة من محطة الإسعاف، فاليوم الثلاثاء هو موعد سوق بولاق الدكرور، يتابع الرجل ببصره واجهات العمارات الفارهة ومحلات الملابس الغالية، ثم يتبدل المشهد من البنايات العالية المنظمة إلى البيوت العشوائية فى سوق بولاق، ومن السيارات الملاكى إلى التكاتك المنتشرة كبيوت العناكب والأصوات المتعالية بالبياعين.. يشيح عم شريف بوجهه متجاهلًا تلك المظاهر لينصرف إلى هدفه؛ مقلبًا فى الملابس المستعملة، فالشتاء قادم وربما يجد فيها ما يناسبه ويناسب أولاده الثلاثة. وفى ظل الغلاء، الذى طال بعض السلع الأساسية بقفزة غير مسبوقة فى الأسعار، تحاول «الصباح» رصد حلول الغلابة فى التغلب على ارتفاع الأسعار. «عيشتنا كلها روبابكيا، ومفيش قدامى غير المستعمل عشان أقدر أعيش»، هكذا يصف عم شريف حاله، بينما كان يبحث فى سوق الملابس المستعملة عما يناسبه، ووجد بائعًا للملابس بالكيلو، الذى يصل إلى خمسة جنيهات لملابس الأطفال، وسبعة جنيهات، تقريبًا، لملابس الكبار، وقرر أن يشترى (اتنين كيلو) ب 12 جنيهًا. أما أمل، السيدة الثلاثينية، فوقفت مع عشرات السيدات والرجال حول بائع للملابس يعرض بضاعته على طريقة المزاد العلنى، فينادى البائع «بيجامة بخمسة جنيه»، ليتصارع ويتهافت الواقفون حوله لكى تكون القطعة من نصيبه، وينادى مرة أخرى: «عباية بيتى بعشرة جنيه»، فترتفع أصوات السيدات كما ترتفع أيديهم لتكون القطعة من نصيبها، ويظلون هكذا حتى تنفد الكمية من البائع. وتعلق أمل، بعدما اشترت بالفعل عباءة بيتى وبيجامة، لها ولابنتها بالأسعار التى أعلنها البائع، «إنها الطريقة الوحيدة حتى أحصل بها على ملابس حالتها جيدة وبأسعار مناسبة». وتشير هناء إلى أنها تشترى الملابس الداخلية لزوجها ولأولادها من بواقى التصدير، من المصانع، فتقول «أشترى الفانلة البيضاء بنصف الثمن من تلك المصانع، وأختار الملابس التى بها بقع قليلة أو غلطة بسيطة، فأغسلها جيدًا وتصبح جديدة لكى أوفر». طريقة أخرى للتحايل على الغلاء تلجأ إليها بعضهن، عن طريق عرض ملابس خروج مستعملة على الإنترنت لبيعها أو لتبديلها مع أخرى، فتعرض الفتاة، مثلًا، ملابسها لتبديلها مع فتاة أخرى، على صفحات ل«تبديل ملابس مستعملة» أو بعض المنتديات الخاصة بالسيدات، ويتراوح السعر، فى البيع، من (20 إلى 60) جنيهًا. وللأحذية نصيب فى الأسواق الشعبية، ومنها ما هو بحالة سيئة، وبسعر خمسة جنيهات أو أقل، ومنها أحذية بحالة جيدة جدًا.. يقول أحمد على (شاب)، إنه يشترى من تلك الأسواق، أحيانًا، حيث يجد بها أشياء «لقطة»، تتراوح أسعارها من (20 إلى 30) جنيهًا فقط.
بواقى طعام تجلس سيدة، فى منتصف العمر، فى بولاق الدكرور، تنادى على الزبائن: «حلى بوقك يا مدام.. كيلو الكيكة بعشرة جنيه»، نفيسة التى تقول إنها ليست صاحبة الفرشة، فهى تبيع عليها فقط، وتحصل على أجرتها من صاحبته، وتوضح أن السلعة التى تبيعها هى بواقى مصانع الكعك المغلفة، التى تباع بجنيه أو اثنين، وتضيف «أبيع الكيلو ب10 جنيهات»، وأحيانًا يأتى الجاتوه من الفنادق الشهيرة، كما أبيع أيضا بواقى مصانع الشيكولاتة، من أشهر الماركات المعروفة -بحسب قولها- ب10 جنيهات للكيلو. نفيسة تقول أيضًا إنها تبيع بواقى مصانع الشيبسى والبسكويت بالشوكولاتة، بسعر 5 جنيهات للكيلو، وبواقى مصانع النسكافيه والكاكاو والربع، الكيلو ب3 جنيهات، وتبيع أيضًا بواقى المحلات الكبرى من لانشون وسجق، الكيلو من (10 إلى 15) جنيهًا. وتوضح السيدة، إنها تبيع نحو 50 كيلو يوميًا من بواقى الكعك والشيكولاتة التى تحصل عليها من خلال وسيط مع المصانع الكبرى. وتقف سيدة محمد، بعباءتها المهترئة السوداء وحذائها البالى، أمام محل فرارجى بعد يوم طويل فى عملها بتنظيف البيوت، تسأله عن ثمن هياكل الفراخ، فيرد «7 جنيهات»، فتسأل ثانية «طب كيلو الرجول بكام»، ويجيب «الكيلو ب 5 جنيهات»، وظلت تفاصل معه فى حوار طويل، قبل أن تحدد طلبها «كيلو أرجل ب4.5 جنيه بدلا من 5»، لكنه رفض، فمضت فى طريقها عائدة بدون شراء. وتقول سيدة، التى لا تزال فى سن الشباب: «أحاول توفير كيلو أرجل فراخ لأولادى كل أسبوع، لأن نفقات الحجرة التى نعيش فيها ومصاريف الأولاد كثيرة.. ويوم ما أحب أفرح العيال بأشتريلهم هياكل فراخ، أجنحة ورجول، وكأنهم أكلوا فراخ».
صينى ومستعمل وفرز ثالث شريف حسن، 25 سنة، شاب مقبل عن الزواج، يبحث عن غرفة نوم مستعملة، يقلب فى غرفة نوم وصل سعرها إلى ألف ونصف، ويقول «أوضة النوم أصبحت غالية جدًا، والمناسبة ب6 آلاف جنيه؛ مجرد ورق، لا تتحمل شيئًا، فنلجأ إلى المستعمل فى معظم تجهيز الشقة لأنها أقل سعرًا وأكثر جودة من الصينى»، موضحًا أنه سيواصل بحثه فى سوق السيدة عائشة، «المعروف لدى الشباب المقبل للزواج» بحسب كلامه. ويشير شريف إلى أنه استعان بالسيراميك فرز ثالث لشقته، لأنه أرخص، وأيضًا اشترى سيراميك مكسر ل(الطرقة)، كاشفًا أنه «يباع بالجوال، وشكله لا بأس به». أما علياء، (23 سنة) فاشترت شبكتها من الذهب الصينى فيما عدا الدبلة، فهى ذهب أصلى، وذلك تخفيفًا على خطيبها، من مصاريف الزواج «التى أصبحت غالية جدًا»، وأضافت أن الذهب الصينى الذى اشترته من النوع الجيد، فيبقى لمعانه لعامين، بحسب كلام البائع. منى، التى ترافق علياء فى جولتها، تقول إنها لا تحب الذهب الصينى، ولذا اشترت دبلة دهب أصلى وبقية الشبكة فضة، ف«سعر جرام الفضة لا يتجاوز 5 جنيهات، وشكله وتصميماته جميلة ورقيقة»، وفق رأيها. على، وهو أب لم يتجاوز الأربعين، ومع ذلك فإن له ابنًا مقبلًا على الزواج، فجاء إلى السوق ليشترى له حوض مطبخ، فوجده ب200 جنيه، بالإضافة إلى أنه يريد تغيير دورة المياه لديه فى المنزل، حيث لا يتجاوز سعر قاعدة الحمام المستعملة، 170 جنيهًا.
سور الأزبكية ل«التربية والتعليم» تقول أم نرمين، وابنتها طالبة فى الصف الأول الإعدادى، إنها تشترى الكتب الخارجية من سور الأزبكية، أو من محلات الكتب المستعملة، ف«الكتاب أرخص بكتير من الكتاب الجديد، ولا يزيد عن ربع الثمن، يعنى 5 أو 7 جنيه». وتحكى أم هند، التى استطاعت «بالكاد» أن تلحق ابنتها بالمدارس التجريبية، أنها فى ظل ارتفاع مصاريف المدرسة، التى لا مفر من دفعها، تشترى كتب المستوى الرفيع الإنجليزية من سور الأزبكية بالعتبة، لأن سعره النصف تقريبًا، كما أنها أحيانا تبدل كتب السنة الماضية بكتب الصف الجديد، لتدفع الفرق فقط، وهو ما يوفر عليها الكثير. وفى عزبة أبو حشيش، فى سوق قريبة من محطة مترو غمرة، توجد شوادر تباع بها كل شىء؛ المكاتب وغرف النوم والأدوات الصحية وغيرها، أغلبها مستعمل، فضلًا عن محلات للعب الأطفال القديمة، مراجيح ومشايات وعرائس وعربات ومسدسات لعبة. محمد الحداد، كما يطلق عليه نسبًا إلى مهنته، فى أواخر الثلاثينيات، يسكن فى حلوان لديه طفل واحد، يقلب فى لعب الأطفال الملقاة على الأرض دون تنظيم.. يقول «أأتى غالبًا لشراء عدة لحام مستعملة بسعر رخيص، واليوم جئت للبحث عن لعبة لابنى، فاللعبة التى يبلغ سعرها 200 جنيه، أجدها هنا ب20 جنيهًا فقط، وحالتها جيدة». فى سوق المطرية وبولاق، تجد بائعات المناديل و«حفاضات» الأطفال والفوط الصحية، فهم تعدوا مرحلة بيع تلك السلع مغلفة بتقديمها بالكيلو، لكن الخطر فى أنها بلا أى بيانات. توضح أم مروة، زبونة دائمة بسوق بولاق، أنها تشترى ربع كيلو المناديل ب 3 جنيهات، «فيظل فى البيت لفترة طويلة، كما أشترى الحفّاضة بنصف جنيه فقط، وهناك حفاضات أقل جودة وغير مطبَّقة، الواحدة بربع جنيه». وطبقا لآخر تقرير عن الفقر، صدر عن جهاز التعبئة والإحصاء فى أغسطس الماضى، فإن نسبة الفقر فى مصر تقدر ب26.3 فى المائة، وإقليم وسط الصعيد يعد الأكثر فقرًا، حيث تصل فيه نسبة الفقر إلى 50 فى المائة.. كما أن نسبة البطالة قدرت، خلال الربع الأول من العام الحالى، بنحو 12.8فى المائة، وتزداد تلك النسبة فى فئة الشاب، من 15 إلى 29 سنة، إلى 27.3 فى المائة.