«العيد فرحة» هكذا غنتها الفنانة صفاء أبوالسعود فى أغنيتها الشهيرة التى اعتبرها المصريون بعد ذلك واحدة من أهم الأغانى التى قيلت فى العيد، كانت تغنى ومن خلفها يردد الأطفال الذين يجلسون على السيارة الكارو «هيه هيه»، أخذوا يلهون ويلعبون فرحين بملابسهم الجديدة والبالونات التى تتطاير من بين أيديهم، تلك الحالة التى جسدتها الأغنية لم تكن إلا انعكاساً لواقع العيد فى مصر، ولكن وفى ظل غلاء المعيشة اختلف هذا الواقع كثيراً عن ذى قبل، فأصبح الآباء والأمهات غير القادرين على شراء الملابس والأحذية والألعاب الجديدة لهم ولأطفالهم يلجأون إلى شراء تلك الأغراض من أسواق اشتهرت ببيعها لكل ما هو مستعمل بحثاً عن فرحة تنسيهم همومهم، إحدى هذه الأسواق هى سوق الإمام فى السيدة عائشة، وتحديداً فى الجزء الخاص بالملابس، الذى يطلق عليه البائعون هناك «سوق الهدوم». جولة صغيرة داخل هذه السوق كفيلة بأن تنقل لك طقوس عيد الغلابة فى مصر، الرجال والنساء يصطفون أمام سيارات الكارو التى تكدست عن آخرها بالملابس والأحذية المستعمله يقلبون فى البضائع لعلهم يجدون ضالتهم التى يعودون بها إلى أبنائهم آخر اليوم. أمام إحدى فرشات بيع الأحذية وقف محمد خليل يجهز بضاعته ليجذب إليه الزبائن، تارة يدس داخل الأحذية بعضاً من أوراق الجرائد ليخفى بها تهالكها بسبب كثرة الاستخدام، وتارة أخرى يضع عليها بعضاً من الورنيش ليكسبها لمعة تنسى مشتريها أنها مستعملة، يقول «خليل»: «الناس اللى بتيجى هنا غلابة أوى ومايقدروش يدفعوا مئات الجنيهات عشان يشتروا ليهم ولأولادهم هدوم جديدة، فإحنا بنجيب لهم الحاجات المستعملة دى عشان نساعدهم». يتابع «خليل»: «أسعار الأحذية المستعملة هنا تتراوح بين 10 جنيهات و30 جنيهاً، نأتى بها من بعض التجار الكبار الذين يقومون بجمع الملابس والأحذية القديمة ويبيعونها لنا فى مزادات بالطن، وأنا كتاجر صغير أشترى منهم «طريحة» عبارة عن 50 زوجاً من الأحذية القديمة، وبعدها أقوم بإصلاح العيوب الموجودة بها قبل بيعها». حملت «سعيدة» ابنتها الرضيعة على كتفها وقبضت بيدها اليمنى على كف ابنها الصغير خالد، وراحت تتجول بهما فى السوق بحثاً عن ملابس تناسب مقاسيهما، وعندما وصلت إلى فرشة تباع عليها ملابس الأطفال توقفت لتقلب فيها علها تجد ضالتها، ولكنها قبل أن تبدأ فى اختيار الملابس سألت عن الأسعار فردت عليها البائعة أن أى قطعة للأطفال الصغار بجنيه واحد، أما من يكبرونهم قليلاً فى السن فتتراوح أسعار ملابسهم بين 3 و10 جنيهات، تقول الأم التى فقدت زوجها فى حادث سيارة إنها تأتى بين الحين والآخر إلى هذه السوق لشراء ملابس أطفالها، لأنها لا تستطيع أن تشترى لهم ملابس جديدة من المحلات، وذلك لأن جلوسها أمام فرشة لبيع التين بالكاد يكفى لإطعامهم، ولكنها تعود لتقول «بس طبعاً فى العيد لازم يفرحوا بهدوم جديدة»، وتخفض صوتها قليلاً لتقول «هما ما يعرفوش إنها مستعملة لأنهم لسه صغيرين ولما يكبروا هيكونوا فهموا الحالة اللى إحنا عايشينها». قصة نزول فايزة محمد لبيع الملابس المستعملة فى السوق تعود لثلاث سنوات مضت، حين أصاب زوجها مرض أقعده فى الفراش فلم تجد أمامها حينها إلا أن تحمل عنه الراية، تقول فايزة «الناس كانت متعودة قبل العيد تيجى تشترى هدوم ليها ولأولادها من هنا لكن الأسعار العالية خلتهم يبطلوا يشتروا حتى المستعمل، واضطريت أبيع بربع الثمن عشان أقدر أكمل الشهر»، وبرغم أن فايزة تبيع الملابس المستعملة فإنها ترفض أن تعطى منها لأبنائها فى العيد قائلة «العيد يعنى هدوم جديدة وأنا حتى لو هستلف بس ألبسهم جديد فى جديد». «ب5 جنيه.. أى حاجة ب5 جنيه»، هكذا أخذ ينادى مجموعة من الشباب وهم يعتلون السيارات الكارو لجذب الزبائن على شراء القمصان والبنطلونات القديمة، خالد، أحد الباعة، يقول «الناس الغلابة هنا كتير ومن الفرشة دى ممكن الراجل يشترى لنفسه طقم كامل ب10 جنيه وأحياناً بشوف ناس بتصعب عليّا لأنها معهاش حتى المبلغ ده وبنديهم هدوم ببلاش»، يتابع خالد «حركة البيع قلت كتير عن الأول لأن الناس لسه خارجة من رمضان مطحونة فى الفلوس، وده طبعاً بيأثر علينا إحنا كمان، لكن بنقول الأرزاق على الله». ربما تكون الفرشة الأعلى سعراً فى سوق الملابس هنا، فسعر البنطلون الواحد لا يقل عن 35 جنيهاً، ويرجع عطية حسن هذا إلى أنه يقوم ببيع بواقى المحلات، وهذا يعنى أن تلك البنطلونات لم تستخدم من قبل وإنما يكون فيها بعض الديفوهات مثل بقعة صغيرة أو قطع يمكن إصلاحه، وده بيخلى الناس تحس وكأنها تشترى من المحل نفسه». رجل خمسينى وقف يقلّب فى الملابس المستعملة بحثاً عن قميص يناسب مقاسه لكن دون فائدة، يقول فتحى سالم» أنا شغال أرزقى على باب الله واللى جاى يادوب على قد اللى رايح، يبقى هقدر إزاى أشترى لنفسى هدوم جديدة؟ ولو عملت كده هصرف على أولادى منين؟ أنا باجى أوفق طقم من هنا عشان أقدر أشترى لهم هما هدوم جديدة، لأنى مش بشترى لهم إلا مرة واحدة فى السنة فى العيد الصغير». طفل صغير لا يتعدى عمره ال6 سنوات وقف فى حيرة من أمره أمام فرشة للخردوات، تتناثر فيها بعض الألعاب القديمة المتهالكة، أخذ يدقق النظر فى هذا البيانو الصغير الذى فقد نصف مفاتيحه الصوتية، وإلى تلك الكرة التى غطتها البقع من كل الاتجاهات، ثم انحنى ناحية لعبة صغيرة على شكل سوبر مان وقبض عليها بيديه الصغيرتين وراح يسأل البائع «أمال فين هدوم سوبر مان؟»، فأشاح بوجهه بعيداً وكأنه اعتاد هذا النوع من الأسئلة ولم يجب بكلمة واحدة، فما كان من الصغير إلا أن مد يده إلى البائع بجنيه واحد واحتضن لعبته الصغيرة ومضى. الأمر ذاته كادت تسأل عنه تلك الفتاة التى اختارت من بين تلك الألعاب الصغيرة بعض العرائس، ولم تجد أمامها إلا أن تسأل عن بطاريات قديمة لتضعها فى لعبة كانت قد اشترتها من هنا لربما تصدر أصواتاً موسيقية كتلك التى رأتها مع إحدى قريناتها من قبل. عادت الأم بأبنائها بعد أن اشترت لهم الملابس التى قالت لهم إنها جديدة، فيما وجد الأب ضالته بعد رحلة بحث عن ملابس تناسب مقاسه حتى يتمكن من شراء الجديد لأبنائه، وهرع الطفل الصغير ممسكاً بلعبته بين يديه ليفتخر بها بين أقرانه، واستمر الباعة هنا فى سوق الإمام فى عرض بضاعتهم، وانتظر الجميع العيد الذى يأتى بالفرحة حتى وإن كانت فرحة غلابة.