إعلاميون يغطون بوارهم وفشل برامجهم بتقديم الدجل على الهواء مباشرة فى الماضى كانت النخبة تقود المجتمع نحو الرقى والآن تنحدر لتنافس البسطاء فى الإيمان بالخرافات ما الذى جرى للنخبة فى مصر؟ لا أحد يعرف على وجه التحديد، لكن الأكيد أن النخبة فقدت جزءًا من روحها وجزءًا من عقلها، وأنه لا أحد يعرف مصير الجزء المتبقى. وإذا كان الإعلام هو مرآة المجتمع، فالأكيد أن مرآة المجتمع مشروخة.. الخرافة أصبحت أقصر طريق لتحقيق نسبة مشاهدة عالية.. دجالون ونصابون يلوثون عقول الملايين ولا أحد يعترض. فى الماضى كان يتم التعامل مع ما يحدث على أنه جريمة إعلامية.. الآن يتعامل الجميع مع نشر الخرافات على الهواء مباشرة وكأنه أمر مسلم به. فى الماضى كانت النخبة تؤمن بقيمة العلم وتمارس القراءة وتشاهد السينما وتفهم لغة الفن.. كانت النخبة تقود المجتمع.. لكنها الآن تنقاد له وتنافقه.. وتوافقه على أحط الأفكار والمعتقدات.. بحثًا عن رواج هنا.. أو شعبية هناك. انظر حولك لترى دجالين فى مختلف الأثواب.. هذا شيخ سلفى يظهر على الهواء ليطرد الجن من الأجساد المتعبة.. وهذا قس مسيحى يجمع الآلاف ليمارس استعراضات طرد الشياطين أمامهم.. وهذا نصاب يدعى أنه يعالج السرطان دون أن يدرس الطب من الأساس، ويفتخر أن من بين زبائنه «الكبار فى البلد».. دجال يطفئ حرائق الجن يتحول إلى عضو مجلس شعب ونجم مجتمع ويقال إنه كان الدجال الخاص لوزير داخلية سابق ولقيادات وزارته. إعلامى جيد جدًا تخطئ حساباته السياسية فيتحول إلى الدجل والخرافة ويتخصص فيهما بحثًا عن نسبة مشاهدة أعلى ولا يهمه الأثر الذى تحدثه برامجه فى عقول المصريين. إعلاميون يتركون آلاف النماذج الإيجابية التى تملأ شوارع مصر ليستضيفوا أفاقين يدعون النبوة والإلوهية إن لزم الأمر. صيدلى محدود الثقافة يبيع للناس وهم العلاج بالأعشاب فتهبط عليه الملايين ويملك قناة فضائية ويدخل لمجلس الشعب ويصبح نجم مجتمع بقوة الخرافة وفى ضوء غياب القيم والمعايير. ما الذى جرى لمصر؟ وما الذى جرى لنخبتها.. وحتى متى يسكت العقلاء والمثقفون والمسئولون على ما يجرى؟ هل هذه الثقافة هى التى ستقود مصر إلى التقدم؟ هل بهذا الإعلام وبهذه الثقافة سننتصر على إسرائيل ونلحق بسنغافورة وننافس البرازيل؟ هل السلطة سعيدة بما يحدث؟ هل هى راضية عنه؟ هل أبدت انزعاجًا من هذا الاتجاه؟ لا أحد يعرف لكن الإجابة فى الغالب هى لا.. فما الذى يجرى.. إذن.. فى الستينيات وحين أصدر الكاتب الكبير والموهوب أنيس منصور كتبًا ترجمها عن أبرز حوادث الأرواح والأشباح.. ورغم لطف الكتاب وبراعة الكاتب.. تعرض لهجوم عاصف، وتم اتهامه بالترويج للخرافة.. فكيف يكون حال مهاجميه الآن.. إذا رأوا برامج إخراج الجن على الهواء وعلاج السرطان بالرقية الشرعية.. فى الماضى كان البسطاء يؤمنون بالخرافة، وكان أفراد النخبة يرتقون بهم ويأخذون بيدهم.. الآن تبدل الحال وهبطت النخبة إلى وحل الخرافة.. لك الله يا مصر.