يحرمون أكل الخس والقرع والديك الرومى والطاووس والدجاج والسمك والغزلان والخنزير يحتفلون ب«الليلة السوداء» فيطفئون الأنوار ويستحلون المحارم والخمور «نادية مراد» اسم يتردد كثيرًا خلال هذه الأيام فى جميع وسائل الإعلام، التى عرفتها بأنها فتاة إيزيدية عراقية استطاعت الهرب من تنظيم داعش الإرهابى، الذى اختطفها واغتصبها العشرات من أعضائه. وبعد أن ألقت كلمة مؤثرة عن الأهوال التى تعرضت لها أمام مجلس الأمن الدولى، استقبلها الرئيس عبد الفتاح السيسى، وشدد على دعم مصر للعراق وشعبه. وبينما كان يتم الحديث عن الإيزيديين باعتبارهم معتنقى ديانة غريبة فى العراق، لم يكن يخطر ببال أحد أن يكون هناك إيزيديين مصريين، وأن يكونوا مقيمين فى مصر، بل وفى أحياء شعبية. «الصباح» رصدت عددًا من معتنقين هذه الديانة، والذين قالوا إنهم اعتنقوها لأسباب مختلفة، فمنهم من قال إنه اقتنع بعد قراءته لكتب تدعو لها، ومنهم من كان من أصل كردى واعتمد على أصوله العائلية، ومنهم من اهتم بهذه الجماعات تعاطفًا مع المجازر التى يتعرضوا لها على مستوى العالم. والإيزيدية فى أحد تعريفاتها المتشعبة كانت فى بدايتها حركة سياسية لإعادة مجد بنى أمية، ولكن الظروف والجهل انحرفت بها فأوصلتها إلى تقديس يزيد بن معاوية وإبليس، الذى أطلقوا عليه اسم «طاووس ملك» أو «عزازيل»، وهو ما جعل الكثيرين يعتبرونهم «عبدة الشيطان». والإيزيدية مجموعة دينية، معظم أتباعها فى العراق، وعددهم يُقَدَّر ب 600 ألف نسمة تقريبًا فى العراق فقط، بينما يُقَدَّر عددهم فى العالم كله بما يتراوح بين مليون إلى مليون ونصف، ويتحدث أغلب الإيزيديين اللغة الكردية، وهى اللغة الأم، ما عدا الإيزيديون الجدد المنتشرين عبر عدد آخر من الدول فيتحدثون اللغة العربية. تناولت كتب قليلة طائفة الإيزيديين، كان أهمها كتاب «الإيزيدية ديانة قديمة تقاوم نوائب الزمن» للدكتور «كاظم حبيب»، وكتاب «أصل الاعتقاد الإيزيدى»، تأليف الباحث سالم الرشيدانى، وهما من أهم الكتب التى تناولت شرحًا وافيًا لبداية الجماعة الدينية «الإيزيدية» فى العراق. يقول «م. ح.»، أحد معتنقى الإيزيدية، وهو من سكان حى المرج، ويبلغ من العمر 35 عامًا، إنه اعتنق الفكر الإيزيدى منذ أكثر من 13 عامًا، على يد أحد معلميه بجامعة عين شمس بعد أن درس العلوم والشريعة من كلية دار العلوم. وأضاف أن الكتب ساعدته على اعتناق الإيزيدية حيث وجد أنها تعتمد على العقل إلى حدٍ كبير، لكنه لم يوضح موقع العقل من عبادة الشيطان أو تقديسه. وعلى سبيل المثال فهو يرى أن من المنطقى أن يرفض الإنسان الطبيعى السجود لآدم، لأن السجود لا يجوز إلا لله كما تقول التعاليم الدينية، معتبرًا أن ذلك يُظهر مدى الظلم الواقع على إبليس، بعد أن اعتبره الله والملائكة من المذنبين وتم طرده من الجنة، بالرغم من أنه هو الوحيد الذى نفذ التعاليم الآلهية كما وردت بالضبط، على حد قوله. ويضيف أنه يعرف عددًا كبيرًا من الأصدقاء اقتنعوا بالجماعات الإيزيدية، لكنهم جميعًا لا يستطيعون الإعلان عن ذلك بشكل رسمى، أما السبب فيوضحه قائلًا: «للأسف، مصر فيها الخير والشر، وفيه ناس بتحارب باسم الدين، وممكن ساعتها يعتبرونا جماعة متطرفة ويقيموا علينا الحد، مش معنى أن الرئيس السيسى ساند نادية مراد يبقى كل المصريين آلهة وهيعاملونا نفس المعاملة». «عاوزين يموتونا طبعًا».. هكذا عبر إيزيدى من المرج عن علاقته بالسلفيين والإخوان، حيث وصفهم بالجماعات المتشددة، والتى تسىء فهم الدين، ويعتبرونهم من الخوارج، لذلك يخشى أن يُعلن عن اعتناقه للفكر الإيذيدى، وربما يسعى للهجرة وخصوصًا إلى كندا، لأنه يعرف عددًا كبيرًا من أصدقائه الإيزيديين هناك. وبالرغم من تحفظ بعض الإيزيديين الذين التقتهم «الصباح» على ذكر أعدادهم التقديرية، إلا أنهم أكدوا أنهم ليسوا قليلين، ومعظمهم يتمركزون فى حى المرج التابع لمحافظة القليوبية. والكثير يعلم أن الإيزيديين هم فى الأساس من أصل كردى، حيث قال إيزيدى من المرج أن لديه صديق إيزيدى من أصل عراقى، هاجر من مصر منذ أكثر من عامين تقريبًا ويقيم الآن فى كندا، وأوضح أن صديقه إيزيدى بالوراثة، فأبواه كانا كذلك، واستكمل حديثه قائلًا: «كل منا يتبع دين والديه بالفطرة، فمن يولد لأب وأم مسلمين يصبح مسلمًا، ومن يولد لأب وأم مسيحيين يصبح مسيحيًا»، ولا استثناء عن ذلك إلا إذا اقتنع الابن بفكر آخر بعد ذلك، فيصبح الاختيار له. على الجانب الآخر أوضح أن هناك تحريفًا كبيرًا حدث فى الديانة الإيزيدية، فليست جميع التعاليم ثابتة عبر كل العصور أو فى جميع البلاد التى تنتشر فيها هذه الجماعات. ويعد الماء، والنار، والتراب، والهواء، رموز مقدسة عند الإيزيديين، وتمثل هذه الرموز حياة مستقلة بحد ذاتها، فالديانة الإيزيدية تؤمن بوحدانية الله، ومن أبرز طقوسهم الدينية الدعاء، ويدعو فيه الإيزيديون بالخير والسلام للبشرية جمعاء عامة ومن ثم لهم. أما الحج على الطريقة الإيزيدية فيكون فى وادى «لالش» بالعراق، وهو مكان مقدس يقع وسط جبال شاهقة، ويقفون يوم العاشر من ذى الحجة من كل عام على جبل عرفات بالمرجة النورانية فى الوادى كما يزعمون، ولديهم مصحف يسمونه «الكتاب الأسود»، فيه تعاليم لطائفتهم ومعتقداتهم أهمها مثلًا الشهادة، التى يقولون فيها: «أشهد واحد الله سلطان يزيد حبيب الله»، وهناك الزكاة التى تُجبى عندهم إلى رئيس الطائفة. وهناك منهم من يصلى فى ليلة منتصف شعبان فقط، ويزعمون أنها تعوضهم عن صلاة سنة كاملة، كما يزعمون أيضًا أن عدى بن مسافر الأموى سيحاسب الناس يوم القيامة فى جبل «سنجار»، وأنه سيأخذ جماعته ويدخلهم الجنة، لذلك فان اسم «عُدى» من الأسماء المفضلة جدًا لديهم. تبيح الديانة الإيزيدية فى أعراف أهلها أن يتزوج الفرد 6 زوجات، بشرط أن يكون هذا الزواج على الطريقة الآتية: «وهى أن يقوم الزوج أو العريس بخطف العروس أولًا ثم يأتى أهل العروسة ويطلبون مقابلة أهل العريس من أجل تسوية الأمر، بعدها يتم الاتفاق على التفاصيل، وغير مرهقة على الإطلاق، حيث يكون المطلب الأول لأهل العروس هو إكمال الزيجة». ويحرم الإيزيديون اللون الأزرق لأنه من أبرز ألوان الطاووس، الذى يرمز للشيطان الذى يقدسونه. كما يحرمون أكل الخس والملفوف والقرع والفاصوليا ولحم الديك الرومى ولحم الطاووس المقدس عندهم والدجاج والسمك والغزلان والخنزير. هذا بالإضافة لتحريمهم حلق الشارب، فلابد أن يكون طويلًا بشكل ملحوظ، ومن يقصه أو يهذبه يكون قد اقترف ذنبًا وعليه التكفير عنه. جدير بالذكر أن الإيزيديين لهم أعياد خاصة كعيد رأس السنة الميلادية، وعيد المربعانية، وعيد القربان، وأعياد أخرى لم يُذكر عنها الكثير فى التراث لكن أهلها يقدسوها بشكل كبير. ويقول الدكتور شريف محمد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، إن هناك ما يعرف ب «الليلة السوداء» عند الإيزيديين أو «شفرشك»، وهو لقب يُطلق على الليلة التى يطفئون فيها الأنوار ويستحلون فيها المحارم والخمور.