لو لم يهاجم تنظيم «داعش» مناطقهم ويرتكب فى حقهم ممارسات إجرامية وتطهيراً عرقياً، اضطروا معه إلى الهروب والاختباء فى الجبال، ربما لم يكن سيعلم بهم أحد، إنهم «الإيزيديون» الذين صاروا فى الأيام الماضية محط اهتمام العالم كله، سواء القوى الدولية أو المنظمات الإنسانية أو وسائل الإعلام والفضائيات.. فهؤلاء الإيزيديون الذين يعيشون على أرضهم منذ أكثر من 4 آلاف عام، لم يكن يعرفهم الكثير أو يسمع عنهم إلا القليل. والسبب فى ذلك ربما يعود إلى أنهم يعيشون فى مجتمعات مغلقة، علاوة على جهل الآخرين بحقيقتهم وديانتهم ومعتقداتهم وأى معلومات أخرى عنهم، ساعد فى ذلك بدور كبير، ذلك الغموض الذى فرضوه حول أنفسهم، والتضارب فى المعلومات، وتعدد نظريات الباحثين عن أصل «الإيزيديين». ما رسخ عبر القرون والعقود أساطير ومعلومات مغلوطة عنهم، فمن قائل إنهم «عبدة الشيطان»، ومن قائل إنهم مسلمون «سنة»، ومن قائل إنهم مزيج مشترك من اليهودية والمسيحية، ومن يذهب إلى أنهم يرجعون إلى «الزرادشتية» . وهناك من يذهب إلى أنهم أكراد، فيما يقول آخرون إنهم عرب، بينما يقول البعض الآخر إنهم قومية متميزة وخاصة . وغير ذلك الكثير مما ارتبط بهم . ولولا «داعش» ما كانت الأضواء عرفتهم ولا الاهتمام الدولى الذى مازال قاصراً نحوهم. والإيزيديون يعيش أغلبهم قرب الموصل ومنطقة جبال سنجار فى العراق، وتعيش مجموعات صغيرة منهم فى تركيا وسوريا وإيران وجورجيا وأرمينيا، ينتمون عرقياً إلى أصل كردى ذى جذور هندو أوروبية رغم أنّهم متأثرون بمحيطهم الفسيفسائى المتكوّن من ثقافات عربية آشورية وسريانية، فأزياؤهم الرجالية قريبة من الزيّ العربى، أما أزياؤهم النسائية فسريانية. يتكلّمون الكردية وهى لغتهم الأم، ويتحدثون أيضاً العربية، خصوصاً أيزيدية بعشيقة قرب الموصل، غير أنّ صلواتهم وأدعيتهم والطقوس والكتب الدينية كلّها بالكردية، وقبلتهم هى «لالش» حيث الضريح المقدس ل«الشيخ أدى» فى شمالى العراق، ويُعتبر الأمير تحسين بك من كبار شخصيات الديانة الأيزيدية فى العراق والعالم. وينقسم الأيزيديون إلى ثلاث طبقات دينية لا يجوز التزاوج بينها كما لا يجوز زواج الإيزيدى من أتباع الديانات الأخرى. وفى الأيام الماضية ذهبت كتابات إلى أن السبب وراء الهجوم الذى يتعرّض له «الإيزيديين» على يد «داعش» وفى السابق على يد الجهاديين، هو ديانتهم الفريدة من نوعها، فهى مزيج من اليهودية والمسيحية والإسلام والمانوية والصابئة، وتختلف معتقداتهم ورموزهم الدينية عن الديانات السماوية الثلاث. وفى السطور التالية نعرض لأهم ما كتب عن «الإيزيديين» دون أن نتبنى رأياً أو إتجاهاُ معيناً. فأصل تسمية «الإزيديين» ترجع إلى «إزاد» أى الله بالفارسية والكردية، وبالتالى فإن «إيزيديين» تعنى عباد الرب، وهم يعتبرون الله ربهم لكنهم يؤمنون بأن الملك على الأرض هو «الطاووس» الذى يعتقدون بأنه يحكم الأرض بمعية سبعة ملائكة خاضعة للرب الأعلى، ولديهم طقوس خاصة بهم ويشتهرون بصناعة الكحول والحلويات المنزلية، وبسبب معتقداتهم غير المألوفة، غالبًا ما يشار إليهم على أنهم «عبدة الشيطان». وهناك نظرية مفادها أن الديانة الإيزيدية من بين الديانات القديمة فى وادى الرافدين والهلال الخصيب، تطرح فرضية وجود قرائن وعلاقات متعددة الجوانب بين الديانات العراقية القديمة كالسومرية والبابلية والآشورية من جهة، وبين الديانة الإيزيدية من جهة أخرى، ويمكن حصر جوانب الصلة بين الإيزيدية والديانات المذكورة أعلاه فى نقاط مثل: بعض الطقوس والاحتفالات والأعياد وخاصة عيد رأس السنة الذى يصادف يوم الأربعاء الأول من شهر أبريل، وتحريم الزواج وكذلك العمل وغسل الملابس والجسم وحلاقة الرأس وحرث الأرض يوم الأربعاء، وتحريم الزواج فى شهر أبريل عند الإيزيديين كما كان الحال لدى البابليين، باعتباره شهر زواج الأنبياء والأولياء وشهر زواج الآلهة والملوك عند البابليين وقبلهم عند السومريين. وغالبية معتنقى هذه الديانة ينتمون إلى الشعب الكردى، ويخبرنا الكاتب والباحث الإيزيدى «درويش حسو» أن أصل الإيزيديين يرجع إلى النبى زرادشت، كانوا يسكنون فى منطقة اسمها (اليزد) وهى اسم لمنطقة فى إيران انتشرت فيها الديانة الزرادشتية، وقبل هذا كان اعتقاد الشعوب الآرية فى المنطقة بالإله الواحد وهم يسمون أنفسهم بالازداهيين، أى شعب الله وأتباعه المباشرين ومنذ ذلك الوقت يسمون بالعقيدة اليزدانية (الأزداهية). ويقوم «البير» وهو مسمى يطلق على إحدى طبقات رجال الدين عند الإيزيديين، بتعميد الأطفال بمياه مباركة، كما أنه وفى مراسم الزواج يقسم رغيف خبز إلى نصفين يعطى أحدهما للعروس والآخر للعريس، وترتدى العروس فستانًا أحمر وتزور الكنائس المسيحية. وفى شهر ديسمبر، يصوم الإيزيديون ثلاثة أيام قبل أن يشربوا الخمر مع «البير»، وفى الفترة ما بين الخامس عشر والعشرين من سبتمبر، يحج الإيزيديون إلى ضريح الشيخ عدى فى «لالش» شمال مدينة الموصل العراقية، حيث يؤدون هناك بعض طقوس الاغتسال فى النهر، وتقديم القرابين من الحيوانات، وعمليات الختان. ويعرف إلههم الأعظم باسم «ئيزدان»، ويحظى بمكانة عالية لديهم بحيث لا يمكن عبادته بشكل مباشر، ويعتبرونه صاحب قوة كامنة، فمع أنه هو خالق الكون إلا أنه ليس حارسه. وهناك سبع أرواح أخرى تنبثق عن هذا الإله، أعظمها هو الملك طاووس، المنفذ الفاعل للمشيئة المقدسة، وكان الطاووس فى المسيحية القديمة يرمز إلى الخلود، لأن لحمه لا يفسد، ويعتبر الملك طاووس عند الإيزيديين تجسيدًا لذات الإله ولا ينفصل عنه، لذا فإن هذه الديانة تعتبر من الديانات التوحيدية بالنسبة للباحثين. ويصلى الإيزيديون إلى الملك طاووس خمس مرات يوميًا، كما أن عندهم له تسمية أخرى هى «الشيطان»، لذا فإن ذلك ما جعلهم معروفين لدى الناس بأنهم «عبدة الشيطان». وفى كتاب الإيزيديين المقدس ويسمى «مصحف رش» أو «المصحف الأسود» رواية تشابه الرواية القرآنية عن رفض الشيطان السجود لآدم من حيث الظاهر، وتخالفها بشكل جذرى من حيث التفسير، تقول: «خلق الله طاووس ملك من سره العزيز نوره، لأول مرة قبل أن يخلق الإله الملائكة الستة الآخرين.. إنه مخلوق من نور ذاته.. فكان لا بدّ أن يتمسك بوصية (الله) وألا يسجد إلا له.. وبعد أن خلق الله الآلهة الملائكة الستة الآخرين وسلم أمرهم إلى طاووس ملك، حينها أمر الله طاووس ملك كى يهبط إلى الأرض ويجلب منها حفنة من التراب ففعل ذلك، ثم صنع الملائكة منه هيكلاً فنفخ الله فيه الروح وسماه آدم فسجدوا لآدم كلهم ماعدا طاووس ملك، حينها سأله الله عن سبب عدم سجوده فأجاب كيف اسجد لغيرك وأنت الذى أوصيتنى ألا اركع إلا لجلالتك ثم كيف اسجد لآدم الذى هو من تراب وأنا مخلوق من نورك». ويحج الإيزديون إلى وادى «لالش» فى شمال العراق، كما أن تعميد المولود الإيزيدى واجب، يتم فى ماء من منبع يسمى عين البيضاء، أو «كانى سبى» فى «لالش» مع التبرك ببركات الشيخ آدى أو عدى، وهى كرات صغيرة مصنوعة من تراب لالش مخلوطة بالحليب، وارتداء طوق خاص يسمى بطوق إيزى. ودفن الموتى عند الإيزيدية يشبه دفن الموتى عند المسلمين، على أن يكون وجه المتوفى موجهاً للشمس. والمحبب أن تكون القبور غير ظاهرة وغير مبالغ ببنائها. أما طقوس الدفن فهى تراتيل خاصة وعزف دينى على آلات دينية خاصة يؤديها رجال الدين القوالون فى دار المتوفى أو فى المقبرة الخاصة بالعائلة، بالإضافة إلى قراءات دينية اثناء الدفن. ويقول إيزديون إن الزنى والكفر والإلحاد والإشراك بالله وشهادة الزور وأكل لحم الخنزيز وشرب الخمر والكذب والغش والرياء والنميمة، كلها محرمات تشبه محرمات المسلمين، ما عدا الزواج من زوجة الأخ المتوفى، فهو محرم عندنا. أما الممارسات التى يختص بها الإيزيديون دون غيرهم، فهى الابتعاد عن ذكر كلمات الشيطان والشط والنعل، والامتناع عن أكل الخس والملفوف وغيرهما، وعدم حلاقة الشارب وارتداء الملابس البيضاء