الجاموسة «الفطيس» بألف جنيه بدلًا من 15 ألفًا.. والعجل ب500.. والأغنام ب 200 قيمتها 50 مليون جنيه شهريًا.. والشرقية وأسيوط والإسماعيلية تتربع على عرش المحافظات تسبب 250 مرضًا.. أخطرها السل والبروسيلا والدودة الشريطية والبايميا والديدان الحويصلية فى اللحظات الأخيرة قبل موتها بسبب المرض، أو حتى بعد موتها، يذهب بها صاحبها إلى أحد «الجزارين» ليذبحها كى يقلل من خسارته المالية، ويحصل على مقابل مادى بسيط، يصل إلى النصف أو أقل، ثم يبيعها الجزار إلى المستهلكين من المواطنين، ومحلات اللحوم والمطاعم، استغلالا لضعف الرقابة على سوق اللحوم ومجازر الدولة. هذا ما يحدث فى عالم ما يعرف بتجارة «الوقيع»، والتى يعرفها خبراء بيطريون بأنها المواشى، سواء البقر أو الجاموس أو الأغنام، التى توشك على النفوق «فيلحقها الجزار بالسكين»، ويختمها بأختام مزورة أو لا يختمها، خاصة فى القرى، ويوزعها على أنها لحوم سليمة لا ضرر بها. وتكشف «الصباح» فى هذا التحقيق عن مافيا تجارة «الوقيع» فى مصر، فتلقى الضوء على أسعار المواشى «الوقيع»، وطرق غش الجزارين، والقوانين الحاكمة لذلك، ودور الدولة فى مواجهة الأزمة. البداية بقانون وزارة الزراعة، الذى يحكم عملية الذبح الاضرارى وشروطه، رقم 517 لسنة «86»، حيث تنص المادة رقم 18 منه، على أنه فى حالة الذبح الإضطرارى خارج المجزر، فإن على صاحب الحيوان المذبوح إثبات حالة محضر فى أقرب قسم شرطة لمكان الذبح، وبعدها يُنقل الحيوان المذبوح إلى المجزر بكامل أجزائه، وتقديم طلب عن كل حيوان وإثبات حالة به». ويتابع القرار: «على إدارة المجزر إخطار مديرية الطب البيطرى المختصة فورًا لإيفاد لجنة من الأطباء البيطريين بالاشتراك مع طبيب المجزر؛ لتحديد مدى صلاحيته للاستهلاك الآدمى، وتختم هذه اللحوم بالأختام المناسبة لها، إضافة للختم الاضطرارى». سالم الشافعى، رجل فى الستين من عمره، تاجر مواشى بمحافظة الجيزة، ويملك معلفًا للمواشى، يقول: «أصيب أحد العجول بمرض يؤدى للموت السريع، ولم أجد وقتًا لاكتشاف سبب المرض، وبدأ العجل يفقد توازنه، فاتصلت بأحد الجزارين الذى يعمل بتجارة الوقيع، وجاء بسرعة شديدة، وذبح العجل فى اللحظة الأخيرة، واشتراه ب500 جنيه، فى حين أن سعره قبل مرضه يبلغ 7 آلاف جنيه». وروى سليمان محمد، أحد مزارعى قرية أم عزام، التابعة لمركز القصاصين بمحافظة الاسماعيلية، أنه كان يمتلك جاموسة «عشر»، وعند ولادتها أصيبت بحالة تسمم خطيرة فى الرحم والأمعاء، ولم تفلح معها أدوية الطبيب البيطرى، فساءت حالتها، فاضطر لاستدعاء أحد الجزارين وتجار «الوقيع»، وباعها له ب5 آلاف جنيه، فى حين أن ثمنها الطبيعى 11 ألف جنيه. قصة ثالثة وقعت فى مركز أبو صوير بالمحسمة، التابعة لمحافظة الاسماعيلية، مع رجل أربعينى، يدعى السيد فلاح، يملك عددًا من الأغنام، فيقول: «فى ظهر يوم شديد الحرارة، أصيب أحد الأغنام بمرض الدوار، وهو مرض خطير يصيب البهائم، ويؤدى إلى موتها، فبعتها لأحد الجزارين ب 300 جنيه، بدلا من 1200 جنيه، وبعد ذلك ذبحها، وباعها للمواطنين بأسعار لحوم الضأن العادية». ويقول أحد التجار بسوق القصاصين بمحافظة الاسماعيلية: إن تجار «الوقيع» يذبحون الحيوانات تحت السلم، وفى أماكن نائية بعيدًا عن الرقابة، وهم معروفون لأهالى القرى وفى الأسواق، وجنوا أموالا طائلة، موضحًا أن كيلو اللحم الميت أو الوقيع يصل إلى 60 جنيهًا، ويباع على أنه لحم بلدى طازج، وهو أغلى من اللحم المستورد، الذى يبلغ 45 جنيهًا، كما يقلدون أختام المجازر. وأضاف آخر أن سعر الجاموسة أو البقرة يتجاوز 9 آلاف جنيه، وعند إصابتها بأى مرض وبائى وقبل وفاتها بدقائق، يبيعها أصحابها للتجار المتخصصين فى شراء تلك الحيوانات، فيبلغ سعر الجاموسة الوقيعة أو المريضة ألف جنيه فقط، أما العجل فلا يتعدى سعره 500 جنيه. ويقول: «قد يزيد هذا المبلغ مع الفلاح والمزارع من أهل النفوذ والسطوة، فيحصل على 3 آلاف جنيه للحيوان الواحد، شرط ذبحه قبل طلوع روحه، وهذا أعلى سعر فى الحيوان الوقيع أو الفطيس». وكشف الخبير البيطرى، الدكتور لطفى شاور، مدير مجازر السويس السابق، أن هناك مسلكًا قانونيًا لأى حيوان يموت اضراريًا، وهو إثبات محضر بالحيوان المذبوح إضراريًا بأقرب محضر شرطة، والتوجه بعدها للمجزر، ويتم تشكيل لجنة ثلاثية، لتجرى كشفًا دقيقًا على الحيوان، وتحدد صلاحيته، والأجزاء التى يتم استئصالها من الحيوان حال عدم تأثيرها على باقى أجزاء اللحوم، وبعدها تختم بأختام المجزر، وأختام العوارض. وأوضح أن هناك غلطة حكومية تصب فى صالح تجار «الوقيع»، وهى عدم التأمين على المذبوحات، أى تعويض المتضررين حال إعدام المواشى بالمجزر لعدم صلاحيتها، وكذلك تضع عراقيل أمام المواطنين، بفرض رسوم قدرها 175 جنيهًا على الرأس الواحدة لكى تدخل المجزر ويتم الكشف عليها. وفى المقابل، يتوافر الطريق غير الشرعى عبر اتجاه المواطنين لتجار الوقيع، بدلا من الذهاب للمجازر، وتكاليف النقل والذبح والدخول. فى حين أكد الدكتور محمد سيف، الأستاذ بكلية الطب البيطرى جامعة بنى سويف وعضو النقابة العامة للبيطريين السابق أن هناك ما يقرب من ألف مرض بين الإنسان والحيوان، منها 250 تنتقل بين الإنسان واللحوم، من الممكن أن تنتقل من خلال الحيوانات «الوقيع»، وأبرزها السل والبروسيلا والدودة الشريطية واللحوم المحمومة، والبايميا «الخراج»، ودوران البولين فى الجسم، والديدان الحويصلية المائية. وأرجع «سيف» ظاهرة تجارة «الوقيع» إلى عدم وجود رقابة أمنية أو من جانب وزارات الزراعة والصحة والتموين، إضافة إلى عدم تجديد أختام الخدمات البيطرية بعد تزويرها، وهو ما يعطى الفرصة لتجارة اللحوم المحرمة. ونوه إلى أن هذه اللحوم تكون مختلفة عن الطبيعية، فتكون «مهرية»، ولتجنب كشفها يتم بيعها لمحلات الحواوشى والسجق، أى اللحوم المفرومة. وكشف مصدر بالهيئة العامة للخدمات البيطرية أن هذه التجارة تنتشر بجميع أنحاء الجمهورية، ولكن أشهر المحافظات فى هذا المجال هى الشرقية وأسيوط والإسماعيلية، لافتا إلى أن 60 فى المائة من الذبائح تذبح بالمجازر و40 فى المائة تذبح خارج المجازر، وتشمل الحيوانات الوقيع ولحم الحمير واللحوم التى بها مخالفات قانونية كالإناث الصغيرة والعجول البقرى الصغيرة. وأكد أن حجم هذه التجارة يزيد على 50 مليون جنيه شهريًا، بسبب الاعتماد الرئيسى للمصريين على اللحوم، وعدم وجود الرقابة الكاملة على المجازر والأسواق. من جهته، اعترف الدكتور حسن شفيق، رئيس الإدارة المركزية للمجازر، بالهيئة العامة للخدمات البيطرية، بوجود حالات مخالفة، وذبح ل «الوقيع»، مؤكدًا أن الهيئة تعمل على ضبط هذه المخالفات، وتحرر محاضر للتجار والمواطنين المخالفين وضبط اللحوم الفاسدة. وأضاف ل«الصباح» أن هذه الظاهرة لا تختفى بأى حال من الأحوال، وتنسق الهيئة مع الجهات المعنية، خاصة مباحث التموين؛ لمحاربة هذه المخالفات عن طريق فرق التفتيش التابعة للهيئة، والمشكلة من أطباء بيطريين متخصصين فى تحديد صلاحية اللحوم.