*تكية «أبو الدهب».. أول مدينة جامعية فى مصر يحتلها الباعة الجائلون *تكية «السليمانية» مسجلة كأثر إسلامى ويسكنها الأهالى منذ زلزال 1992 ب «وضع اليد» كثيرًا ما تصل إلى مسامعنا هذه العبارة الشهيرة «هو أنا فاتحها تكية؟!» فما هى «التكية» وما التكايا الموجودة فى مصر؟ وماذا حدث لها؟ و«التكية» لغويًا تعنى مكانًا لإيواء فقراء المسافرين، والبعض يرجعها إلى الفعل العربى «اتكأ» بمعنى استند أو اعتمد، خاصة أن معانى كلمة «تكية» بالتركية تعنى الاتكاء أو الاستناد إلى شىء للراحة والاسترخاء، والبعض الآخر مثل المستشرق الفرنسى «كلمان هوار» يرجح أن الكلمة أتت من «تكية» الفارسية بمعنى جِلد، ويعيد إلى الأذهان، أن شيوخ الزوايا الصوفية كانوا يجعلون جلد الخاروف أو غيره من الحيوانات شعارًا لهم. والتكايا من العمائر الدينية المهمة التى ترجع نشأتها إلى العصر العثمانى، سواء فى الأناضول أو فى الولايات التابعة للدولة العثمانية، وقد أنشئت لإقامة المنقطعين للعبادة من المتصوفة واستضافة عابرى السبيل، كما أنها مكان يسكنه الدراويش ممن ليس لهم مورد الكسب، ولذا سمى محل إقامة الدراويش والتنابلة «تكية»؛ لأن أهلها متكئون أى معتمدون فى أرزاقهم على رواتبهم فى التكية. وتعيش «التكايا» الأثرية فى مصر الآن مأساة حقيقية، فبعضها آيل للسقوط، والبعض الآخر استولى عليه الأهالى ليسكنوه بدلًا من منازلهم التى تهدمت فى زلزال 1992، والبعض الآخر مهجور وهو خارج حسابات المسئولين بوزارة «الآثار». ولهذا أصبحت التكايا فى حالة يرثى لها، فبعد أن كانت مكانًا لإيواء الفقراء والضعفاء، أصبحت هى التى تحتاج من ينفق عليها ويعتنى بها، وعلى الرغم من تبعية بعضها لوزارة الآثار والبعض الآخر لوزارة الثقافة، ومنها التكية المولوية الدرويشية التى تم تجديدها وافتتاحها مؤخرًا، إلا أن البعض الآخر ما زال يعانى بسبب الإهمال. ومن أهم التكايا، تكية «محيى الدين والعزى» التى تقع بجوار دار المحفوظات، على يمين قلعة الجبل، وكان يشغلها مدرسة عرفت باسم «سيدى شاهين الابتدائية»، ثم أهملت رغم قيمتها الأثرية وأصبحت مكانًا مهجورًا منذ عام 2001 بسبب عدم تسجيلها ضمن الآثار الإسلامية. وهذه التكية أنشأها الخديو عباس حلمى الأول بن طوسون بن محمد علي الكبير عام 1850. وهى تحتوى على قاعة كبيرة للذكر، ومطبخ، وقبتان يرقد تحتهما فى الواجهة الجنوبية الغربية الشيخ محيى الدين الرفاعى والأخرى للشيخ محمد الأرغول العزى، وفى خارج التكية توجد حديقة صغيرة ذات «فسقية» للوضوء. ويقول عم محمد، عامل بالتكية، إنه يحب التكية ويعمل على تنظيفها وخدمتها، وأن وزارة التربية والتعليم حولتها منذ عام 1948 إلى مدرسة واستمرت تؤدى وظيفتها هذه حتى عام 2001، حينما قررت الوزارة إغلاق فصولها لشكوى البعض من ارتفاع نسبة الرطوبة داخل حجراتها التى تهبط عن سطح الأرض من ناحية القلعة بما يقرب من 4 أمتار ما يهددها بالانهيار. وبعد إلحاح وشكاوى عديدة تحرك المسئولون ليكتشفوا انفجار ماسورة المياه الصاعدة إلى القلعة والتى أدت إلى إمالة الجدران الخارجية للتكية وحدوث تصدعات وتشققات كبيرة بها. أما تكية «أبو الدهب»، التى تقع فى منطقة الأزهر، فلها وجهتان، إحداهما تطل على ميدان الأزهر، والثانية تقابل الجامع، وفى نهايتها مدخل آخر يشبه المدخل الرئيسى، وهى أحد المواقع الأثرية التى ترسم ملامح الحضارة الإسلامية فى العصر العثمانى، وقد شرع الأمير محمد أبو الدهب فى إنشائها عام 1774م، وأتم البناء فى العام نفسه. ويقول محمد سعيد، صاحب أحد المحلات المجاورة للتكية، أن «تكية أبو الدهب هى أول مدينة جامعية فى مصر، حيث تم استخدامها فى إقامة الطلاب الوافدين من أجل التعلم بالأزهر، وكانت تحتوى على العديد من الغرف لمئات الطلاب، بالإضافة إلى دورات المياه، إلا أنها أصبحت مهملة الآن ولا أحد يهتم بتنظيفها أو ترميمها رغم أهمية وقيمة هذا المكان الأثرى، والذى يمكن استغلاله فى تنشيط السياحة. وبعدما كان هذا المكان يسكنه كبار علماء الأزهر، أصبح مثالًا للخراب والإهمال، حيث تحتل جدرانه العناكب والحشرات، وأصاب الصدأ أبوابه، فضلًا عن أن مدخلها الرئيسى أصبح ملجأ للباعة الجائلين». أما المبنى فهو فى حالة إهمال تام، فتجد العديد من الأبواب الخشبية منفصلة عن الجدران تنتظر أى لمسة لكى تنهار، وبعدما كانت تفوح بروائح العطور، أصبحت الروائح الكريهة والقاذورات تفوح من الحمامات المهملة، على الرغم من أنها تخضع لإشراف وزارة الأوقاف. ونأتى إلى «تكية السليمانية» التى تقع فى منطقة الدرب الأحمر، وقد عرفت باسم مدرسة سليمان باشا، وهو أمير عثمانى بناها عام 950ه - 1543م، وبها ضريحان من القرن العاشر، أحدهما للشيخ إبراهيم القادرى، والآخر للشيخ عبدالرسول القادرى، وهى مسجلة كأثر إسلامى، والغريب أن هذه التكية يسكنها بعض الأهالى ممن هدمت منازلهم فى زلزال 1992 حتى هذه اللحظة ب «وضع اليد»، ويروج بعضهم أن هذه التكية قد ورثوها أبًا عن جد!