فرصة للشراء.. تراجع كبير في أسعار الأضاحي اليوم الثلاثاء 21-5-2024    مسئولة أممية أمام مجلس الأمن: الكلمات تعجز عن وصف ما يحدث في غزة    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    الاحتلال الإسرائيلي يشن غارات كثيفة شرقي مدينة رفح الفلسطينية جنوبي قطاع غزة    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    بعد اتهامه بدهس سيدتين.. إخلاء سبيل عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه    تفاصيل طقس الأيام المقبلة.. ظاهرة جوية تسيطر على أغلب أنحاء البلاد.. عاجل    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    وزير الصحة: 700 مستشفى قطاع خاص تشارك في منظومة التأمين الصحي الحالي    مفاجأة.. شركات النقل الذكي «أوبر وكريم وديدي وإن درايفر» تعمل بدون ترخيص    مساعد وزير الخارجية الإماراتي: لا حلول عسكرية في غزة.. يجب وقف الحرب والبدء بحل الدولتين    الصحة: منظومة التأمين الصحي الحالية متعاقدة مع 700 مستشفى قطاع خاص    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    اعرف موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة المنيا    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    «بلاش انت».. مدحت شلبي يسخر من موديست بسبب علي معلول    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    دونجا: سعيد باللقب الأول لي مع الزمالك.. وأتمنى تتويج الأهلي بدوري الأبطال    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    الاحتلال يعتقل الأسيرة المحررة "ياسمين تيسير" من قرية الجلمة شمال جنين    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    على باب الوزير    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الصعيدى الشهم » الذى تاه بين الصداقة والحرب
نشر في الصباح يوم 12 - 07 - 2014

تزامل مع ناصر فى الكلية الحربية والسودان وحرب فلسطين 1948.. وأسسا معا تنظيم «الضباط الأحرار» الذى قاد ثورة 23 يوليو
حُبّ عبدالناصر لعامر وعدم اقتناعه بأن المشير لا يصلح للقيادة جزء من مأساة 1967
العلاقة القوية بين الرجلين دفعت الرئيس للتراجع مع كل خلاف مع المشير لحرصه على الصداقة الشخصية بينهما
أمين رئاسة الجمهورية الأسبق: عبد الناصر قال عن عامر «إحنا صعايدة زى بعض.. وهو اللى علمنى السجاير»
كانوا يطلقون عليه سرًا اسم الرجل الأول «مكرر»..ارتبط اسمه برتبته العسكرية «المشير»، واختارت دائرته المقربة أن تناديه «يا ريس».. لكن نفوذه الأبرز ظل حتى النهاية مستوحى من صفته الأهم: صديق الرئيس.
وصداقة الرجل الأول فى بلادنا تعنى الكثير..كانا معًا فى كل مكان، الكلية الحربية فى القاهرة عام 1937، السودان عام 1941، حرب فلسطين 1948، إنشاء وتكوين تنظيم الضباط الأحرار الذى قاد ثورة 23 يوليو 1952.
مدنٌ وشوارع ومنازل لا تُنسى، التقت فيها مصائر الرجلين الأول و«الأول مكرر»، حتى انتهى الأمر بينهما بموتٍ مأساوى.
الفراق بين الصديقين حمل عنوانًا لافتًا: الحُبّ.. والحرب. وما بين الحُبّ والحرب حرف واحد.. وعلاقة من أخطر ما يكون.
الحُبّ كان اسمه برلنتى.. والحرب كان قناعها حرب السويس 1956 وجوهرها حرب يونيو 1967.
والأكيد أن ما أقامته الصداقة بين جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر فى سنوات، هدمته حرب يونيو 1967 فى ساعات. لقد ابتلعت الهزيمة العسكرية كل ما أمامها، وتدحرجت رءوس على مذبح السلطة.. وكانت رأس عبدالحكيم عامر أبرز تلك الرءوس التى أسقطتها حرب 1967.
وتبقى قصة المشير عبدالحكيم عامر مأساةً تستحق أن تُروى، فالصداقة القوية بين عبدالناصر وعامر دفعت الأول للتراجع فى أكثر من مناسبة كلما احتدم الخلاف مع المشير لحرصه على العلاقة الشخصية بينهما، الأمر الذى أعطى عامر حقوقًا يرى كثيرون أنها أكثر مما يستحق.
فى المقابل، يؤمن أنصار المشير عامر بأنه تحول إلى كبش فداء فى محرقة ما بعد حرب يونيو 1967، وأنه ليس المسئول الأول أو الوحيد عن تلك الهزيمة العسكرية لمصر والعرب. تنقل عامر بين أرفع المناصب السياسية، وقاد المؤسسة العسكرية لكى تكون درعًا للسلطة التنفيذية.
وإذا كان عامر قد نجح فى أن يصبح السند الأساسى والأمين للنظام طيلة السنوات الأربع عشرة التى قاد خلالها القوات المسلحة، فإن الأكيد بالمقابل هو أن ثمن ذلك كان باهظًا على تركيبة النظام وسمعته وأدائه.
يقول الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل إن المشير عامر لبعض الفترات ونتيجة للظروف كان أحبَ أعضاءِ مجلس قيادة الثورة إلى جمال عبدالناصر. ويرى هيكل أن جزءًا من مأساة 1967 كان نتيجة حُبِّ عبدالناصر لعامر، ذلك أن هذا الحُبّ حال دون أن يقتنع عبدالناصر بدرجةٍ كافية بأن عبدالحكيم عامر لا يصلح للقيادة.
وبكلماتٍ دالة، يقول هيكل: «إن عبدالحكيم عامر كان نصف فنان ونصف بوهيمى، ولطيفًا جدًا، ولكنه عسكريًا توقف عند رتبة الصاغ، أى أنه يستطيع أن يقود كتيبة لكنه لا يستطيع أن يقود جيشًا».
أسلم ناصر الجيش لموضع ثقته المطلقة المشير عبدالحكيم عامر، الذى توقفت معلوماته وتدريباته العسكرية عند رتبة «رائد»، وكان أن ترك الجيش لمدير مكتبه شمس بدران، وكانت النتيجة أن وقعت الهزيمة فى 1967 وسميت هذه المرة «النكسة».
وحملَ اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية أثناء حرب أكتوبر ومدير المخابرات العامة الأسبق، المشير عبدالحكيم عامر والرئيس جمال عبدالناصر مسئولية الهزيمة، مؤكدًا أن تعيين عامر الذى كان مجرد رائد رئيسًا للأركان رسَّخ عادة مصرية استمرت بعد ذلك، وهى تعيين أهل الثقة وليس أهل الخبرة.
وبالحرف الواحد قال اللواء نصار عن النكسة: «نعم.. عامر هو المسئول عنها. كيف يتحول رائد شاب إلى مشير بقرار واحد، وليكون قائدًا للقوات المسلحة.. عملية الترقية هذه كانت ذات دوافع شخصية كاملة».
لم تصمد الصداقة أمام نيران القصف الخارجى، فتحولت إلى قصف داخلى. ومن صداقةٍ أذهلت الجميع بقوتها ومتانتها، إلى نهاية غامضةٍ قيل إن سببها سمٌ داخل علبة جوافة.
إنها صداقة عُمرٍ ولدت عام 1937 وماتت عام 1967.. 30 سنة هى عمر تلك الصداقة التى جمعت بين الرئيس جمال عبدالناصر والمشير محمد عبدالحكيم عامر.
لم يتجاوز فارق السن بينهما عامين؛ إذ ولد جمال عبدالناصر فى 15 يناير 1918، فى حين ولد عبدالحكيم عامر فى 11 ديسمبر 1919.. غير أن شهر سبتمبر جمع بينهما عند الرحيل، فقد مات عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970، فيما فارق عامر الحياة فى 14 سبتمبر 1967.
كلاهما من أبناء الصعيد، الأول من بنى مُر، مركز الفتح بمحافظة أسيوط، والثانى من أسطال مركز سمالوط بمحافظة المنيا.. لكن القاهرة شهدت لقاءهما الأول، ومشهدهما الأخير.
صداقة ربما تكون ابنة واقع تكامل الشخصيتين: جمال الجاد القارئ والساحر بغموضه.. وعبدالحكيم المرح الدافئ والآسر للقلوب.
ويذكر أمين عام رئاسة الجمهورية عبدالمجيد فريد أن: «علاقته (أى عبدالناصر) مع المشير عامر علاقة خاصة وتحتاج إلى دراسة؛ لأنه هو الوحيد الذى كان تتميز علاقته مع الرئيس بحاجة خاصة، وقال لى مرة الرئيس فى جلسةٍ من الجلسات: «إحنا أصلًا صعايدة سوا، وطلعنا ضباط سوا.. وأخذنا شقة مع بعض فى القاهرة.. وهو اللى علمنى السجاير.. ورحنا سوا مع بعض فى منقباد وجه قبلى، وعبدالحكيم أنا الوحيد اللى أدخل بيته، وأدخل أسرته حتى لو ما كانش موجود.. والعكس عندى بييجى ويدخل عندى وعند أسرتى دون إذنى.. الوحيد.. فكانت علاقته مع عبدالحكيم علاقة خاصة جدًا».
والثابت أن ما غلب على عامر من شعور طوال نحو ثلاثة عقود من العلاقة مع عبدالناصر - بمدها وجزرها- هو خليطٌ من إعجاب وولاء ومحبة، متراكبة مع بعض من غيرة، ومن سعى حثيث للندية.
صداقة تشبه اللغز!
الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين يقول: «فى تقديرى أن فك لغز شخصية جمال عبدالناصر الشديدة التميز والتفرد فى التاريخ المصرى، والعملاق الذى خرج من تراب مصر بعد قرونٍ من الرقاد كفرعون جديد جبار، لا يمكن أن يتم فهمه إلا إذا أمكن فك لغز علاقته بثلاث شخصياتٍ وصداقات كان لها أكبر الأثر فى حياته. علاقته ب«عبدالحكيم عامر» الذى سلمه الجيش بكامله، وانشق عليه وصار ندًا له دون أى ند منذ الستينيات، ومع ذلك ترك له كل هيلمانه وتأثيره فى أهم أحداث حكمه حتى النهاية المُرة». ويضيف بهاء الدين إلى عامر كل من أنور السادات ومحمد حسنين هيكل.
لقد لاحظ عبدالناصر بذكاء أن عامر يجيد مد جسور الصداقة بسرعة آسرة، وعززت ذلك قدرته الفذة على تجنيد أعضاء فى تنظيم الضباط الأحرار. كل هذه العوامل المبدئية كونت له فى نفس ناصر مساحة لم ينافسه فيها أحد. فى المقابل، أيقن عامر منذ بدء تقاربه مع ناصر أنه وجد ضالته فى عقل هادئ وقماشة قائد يضمه تحت مظلته ويعامله بتكامل لا تفاضل.
وإذا كان عامر شخصية وطنية تؤمن بالقومية العربية وتتسم بالأريحية ونزاهة اليد وتملك القدرة على كسب صداقة وولاء من حوله، فإن هناك من نظر إليه أيضًا على أنه رجل ملذاتٍ، يخلط العام بالخاص، منساق وراء عاطفته أكثر من عقله، يحيط نفسه ببطانة سيئة الخلق والسيرة، وينشغل بالشللية على حساب كفاءة الجيش.
وفى حديثه للكاتب الصحفى عبدالله إمام، رسم سامى شرف مدير مكتب الرئيس عبدالناصر لشئون المعلومات ملامح شخصية المشير عامر؛ إذ قال: «رؤيتى لشخصية المشير عامر أنه كان دمث الخلق، شهمًا، لطيف المعشر، ضاحكًا، حبوبًا، لا يرفض طلبًا لأحد. تلك هى الصورة التى كونتها عن عبدالحكيم عامر خلال ثمانية عشر عامًا كنت إلى جواره ومشاركًا فى جميع مهامه بالخارج كمستشارٍ له، ومتصلًا به كل يوم ربما أكثر من مرة، فقد كانت تعليمات الرئيس أن كل ورقةٍ تُعرَض عليه تُرسَل إلى المشير فى نفس اللحظة دون استشارة، والقرارات التى تصدر دون أن يكون شريكًا فيها يكون أول من يعرفها. كان عبدالحكيم هو الوحيد الذى يعرف تحركات الرئيس السرية».
وطوال فترة الدراسة فى الكلية الحربية، كان عبدالناصر مسئولًا عن عامر.
عن بدايات هذه الصداقة، نقرأ تفاصيل مهمة أوردها المؤرخ السويسرى جورج فوشيه فى كتابه «عبدالناصر وفريقه: بناء الجمهورية العربية المتحدة»؛ إذ يقول: «دخل جمال الكلية الحربية طالبًا لأول مرة فى 17 مارس 1937 مع الدفعة الثانية للضباط المستجدين، ومر بما يسمونه ب«فترة الاختبار»، وهى فترة لا تتجاوز خمسة أشهر، يُلَقن فيها الطالبُ مبادئ الحياة العسكرية، ويُراقَبُ سلوكه من الناحيتين الأخلاقية والرياضية.
«وفى نهاية فترة الاختبار هذه أصدرَ مجلسُ الكلية قرارًا بصلاحية الطالب جمال للحياة العسكرية وقيد اسمه بالقسم الإعدادى بالكلية ثم بالقسم المتوسط.
ثم يضيف فوشيه فى كتابه: «وعلى الرغم من التحاقه بالكلية الحربية بعد مرور ثلاثة أشهر على بدء الدراسة فيها، أظهر من الكفاية العسكرية ما أهلَّه لأن يُنقل إلى القسم النهائى، ولأن يصبح «رئيس فريق» وأُسنِدَت إليه منذ أوائل سنة 1938 مهمة تأهيل الطلبة المستجدين.
«ومن الطلبة الذين استجدوا عندما كان جمال عبدالناصر رئيس فريق فى الكلية، الطالب محمد عبدالحكيم عامر، القائد العام للقوات المسلحة للجمهورية العربية المتحدة.
«وكان جمال مسئولًا عن تأهيله عسكريًا مع المستجدين الذين كان مكلفًا بإرشادهم إلى طريقة ارتداء الزى العسكرى على الوجه الصحيح، وتحية رؤسائهم والقيام بتدريباتهم العسكرية الأولى».
ويتابع جورج فوشيه قائلاً: «وتوثقت عُرى صداقةٍ حميمة بينهما، وكان الاثنان شغوفين بالمطالعة، وأطلق على عبدالحكيم اسم «روبنسون» لشغفه بقصص الأسفار وبالمغامرات الفذة كمغامرات روبنسون كروزو.
«كان عبدالحكيم عامر ورئيس فرقته جمال عبدالناصر من الطلبة المثاليين فى الجد والمثابرة، وفى احترام اللوائح والنظم العسكرية، وكانت الحياةُ العسكريةُ تروقُ لهما تمامًا.
«واشتهر فى الكلية باسم «الأومباشى جيمى» وكانت صداقته ل«روبنسون» معروفة، وكنتَ إذا رأيتَ «جيمى» فسرعان ما يظهر «روبنسون» والعكس بالعكس، وكانت مكتبة الكلية المكان المفضَل للقائهما».
على المستوى الإنسانى، نمت تلك الصداقة أكثر حتى أنهما سكنا لفترةٍ معًا فى شقةٍ واحدة قبل الزواج.
ويروى السفير عبدالعزيز جميل فى مجلة «صباح الخير» 28 مايو 1983 ذكرياته أيام كان ضابطًا مع عبدالناصر وعامر، فيقول إنه حدث ذات مرة أن دخل مع عبدالناصر وعامر مكتبة ليجد ناصر فيها كتابًا كان يبحث عنه، لكنه فوجئ بأن سعر الكتاب 120 قرشًا فى حين أنه لم يكن فى جيبه سوى خمسين قرشًا، فإذا بعامر يتسلل خارجًا من المكتبة ليعود إليها بعد قليل طالبًا شراء الكتاب بعد أن باع طربوشه «النسر» - وكان من أشهر ماركات الطرابيش- حتى لا يحرم صديقه ناصر من كتاب يريده.
وعندما قرر عبدالناصر الزواج من تحية كاظم فى عام 1944، كان عامر أول من يعلم بأمر هذا الزواج، وما لبث الأخير أن تزوج بعد ذلك بشهور من زينب عبدالوهاب. وبعد أن نمت العائلتان وزاد عدد أفرادهما، تزوج حسين شقيق عبدالناصر من آمال ابنة عامر، كما أطلق عبدالناصر اسم عبدالحكيم على أحد أبنائه، فى حين أطلق عامر اسم عبدالناصر على أكبر أنجاله.
ثم قامت ثورة 23 يوليو 1952، وفى 18 يونيو 1953، قرر مجلس قيادة الثورة تعيين الصاغ عبدالحكيم عامر قائدًا عامًا للقوات المسلحة. وهكذا نجح عبدالناصر فى ترفيع صديقه عامر لرتبة اللواء وتعيينه قائدًا عامًا للقوات المسلحة خلفًا لنجيب.
بدا أن هدف عبدالناصر هو إبعاد كل أعضاء مجلس الثورة - وليس فقط نجيب- عن القوات المسلحة وتسليم كل مقاليدها لعامر؛ ليكون القناة الوحيدة للاتصال بها. لم يكن هناك أجدر من عامر لتأمين القوات المسلحة سياسيًا، فهو الأقرب والأوثق إلى عبدالناصر وهو الأكثر شعبية بين الضباط وخصوصًا متوسطى وصغار الرُتب. كان عامر بلا أدنى شك هو أشد الرفاق وفاءً لشخص عبدالناصر، وأكثرهم بعثًا للطمأنينة فى نفسه بأن (خطرًا ما) من ناحية القوات المسلحة مستحيل أن يأتيه، ما دام بقى على رأسها هذا الصديق.
على مضض، وافق الرئيس محمد نجيب على هذه الخطوة على الرغم من عدم اقتناعه بصواب التعيين، وذلك لحرجه أمام صفيّه عامر، ولعدم قدرته - عند تقدير موازين القوى- على رده.
ويحكى خالد محيى الدين عن اختيار عبدالحكيم عامر قائدًا للجيش، فيقول: «كان اختيار عبدالحكيم عامر قائدًا للجيش مثارًا لمعركة صامتة بين الزملاء فى مجلس الثورة، فبغدادى اعتبرها مناورة من عبدالناصر لتعزيز نفوذه الشخصى فى مواجهتنا جميعًا، فعامر صديقه الحميم، ولا بدَّ أنهما معًا يستقويان ببعضهما البعض ضد الجميع، وربما كان هذا هو ما حدث فعلًا فيما بعد».
ويتابع حديثه قائلاً: «كذلك أحدث تعيين عامر حالة من عدم الرضاء بين قادة القوات المسلحة فكيف لضابط أن يقفز من رتبة الصاغ إلى رتبة اللواء دفعةً واحدة ليقودهم جميعًا؟!
«وبدأ الإعراب عن عدم الرضا هذا باستقالة حسن محمود قائد سلاح الطيران، الذى أكد لنا جميعًا أنه يحترم عبدالحكيم عامر، لكنه يستقيل لأنه يعتبر أن رتبة اللواء رتبة محترمة وأنه لا يجوز التلاعب بالرتب العسكرية، والقفز عبرها بهذه السهولة. وحدثت استقالات مماثلة، وأدى ذلك إلى قلقٍ مضاعف لدى محمد نجيب فقد كان يعتمد فى علاقاته بالجيش على هذه القيادات التقليدية، وخاصةً أن غيابها سيتيح ل«جمال» و«عامر» أن يحلا رجالهما محل المستقيلين»!
ويضيف خالد محيى الدين فى كلامه عن عامر: «صديق قديم وعزيز أيضًا، ولعل الخطأ الأول فى حق عامر هو أنه عُين قائدًا للجيش، لقد فعلها عبدالناصر لأنهما كانا صديقين حميمين، فأراد أن يضمن به (أى عامر) ولاء القوات المسلحة، لكن عامر لم يكن رجلًا من هذا النوع، فهو «عُمدة» طيب القلب يحبُ أن يقيم علاقاتٍ حسنة مع الناس، وأن يتباسط معهم، وهو لا يهتم كثيرًا بالضبط والربط، فحياته ذاتها لم تكن منظمة، فقد كان يسهر كثيرًا ويصحو متأخرًا.
«لقد ظلموه عندما عينوه قائدًا للجيش، فهو شخصٌ «جماهيرى» ولو أنه كان قد عُينَ نائبًا لرئيس الجمهورية وتفرغ مثلًا لهيئة التحرير لكان قد حقق نجاحاتٍ مبهرة فهو شخصٌ مرحٌ وطيبٌ وقادرٌ على إقامة علاقاتٍ شخصية حميمية، وآخر ما كان يصلح له هو أن يتولى مسئولية الضبط والربط، وأن يتابع عمليات قيادة القوات المسلحة البالغة التعقيد والحساسية، وأن يتابع معها التسليح وتطور الأسلحة والتدريب وما إلى ذلك.
«ولعله لم يهتم بهذا كثيرًا، بل غلبت عليه روحه الطيبة وشخصية العنيدة، فكان سخيًا على الضباط، وكسب حبهم إلى درجةٍ كبيرة، ولكن النتائج النهائية لم تكن مفيدة لأحد، لا لمصر، ولا للجيش، ولا له هو شخصيًا».
كان هذا هو المدخل إلى كوارث عسكرية ونهاية مأساوية لتلك الصداقة.. ولحياة المشير عبدالحكيم عامر، فى ظروف مازالت تثير الجدل والغموض والتساؤلات حتى اللحظة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.