تكشف محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، وتصفية رائد «الأمن الوطنى» محمد مبروك، أن جماعة الإخوان عادت لنهجها الدائم وهو الاغتيال، الطريق الذى رسمه سيد قطب عندما أنشأ «التنظيم الخاص» الذى قتل الخازندار وحاول اغتيال عبد الناصر من قبل. «الصباح» استطاعت إزاحة الستار عن الشكل الجديد للتنظيم الخاص حاليا، وتحديدا عن «وحدة الاغتيالات» التى يسيطر عليها «القطبيون»، ويوجهونها إلى «الأهداف» أى الشخصيات التى يريدون التخلص منها لتكون سلاح الجماعة للتخلص من أعدائها، فهى المسئولة عن سلسلة من أعمال العنف بداية من أحداث بورسعيد، وحتى استهداف ضباط أمن الدولة مؤخرا.
إنشاء الوحدة شهد «التنظيم الخاص» محاولة أولى للقضاء عليه، قام بها عمر التلمسانى المرشد العام الأسبق فى السبعينيات، الذى أنهى فكر الكفاح المسلح الذى انتهجته الجماعة وعلى الشكل التقليدى للتنظيم الخاص، لكن الجيل الجديد الذى تشبع بفكر سيد قطب وكانوا ضمن الفريق الذى أسسه اتفقوا على تأسيس وحدة سرية للقتل لخدمة التنظيم والدفاع عنه بعيدا عن عيون المرشد، وفى حماية مصطفى مشهور الذى أصبح المرشد التالى للجماعة، وقام بانتقاء عناصر جديدة وإضافتهم إلى الأعضاء الذين أسسوا وحدة الاغتيالات، حيث ضم خيرت الشاطر ومحمد مرسى والدكتور حسن هويدى ومحمد هلال ومجموعة كبيرة كان قد تعرف عليها وقت أن كان معتقلا، ومع وفاة مصطفى مشهور الذى كان يحمى المجموعة السرية تم إخفاء أمر تلك الوحدة عن المرشد الجديدة محمد مأمون الهضيبى. تنظيم العشرة ويحدثنا محمد الشريف، القيادى الإخوانى المنشق، عن هذه الفترة، ويقول إن الأمور تطورت ووصل القطبيون إلى حكم التنظيم الإخوانى، وتغيرت بعض القيادات داخل وحدة الاغتيالات وأصبح تنظيما أكثر تعقيدا عن السابق، بحيث أصبح يضم عشرة أفراد فقط هم من يتحكمون فى الوحدة ومنغلقون على أنفسهم بعيدا عن مكتب الإرشاد وباقى أمور الجماعة الإدارية ولم تكن معروفة لكل القيادات الإخوانية من مكتب الإرشاد أو مجلس شورى الإخوان، وقد عرفها البعض باسم تنظيم العشرة؛ لأن قيادتها لم يكونوا سوى عشرة أشخاص بعد تقليص عددهم بوفاة مشهور، والعشرة هم محمود عزت ومحمد بديع وخيرت الشاطر ومحمود غزلان ومحمود حسين وجمعة أمين ومهدى عاكف ورشاد بيومى ومحمد مرسى وإبراهيم منير. ويضيف الشريف أنه نتيجة ارتفاع الأصوات المطالبة بإلغاء تلك الوحدة المشبوهة تم الإعلان فى مؤتمر التنظيم الدولى للإخوان عام 2008 فى الأردن عن إلغاء التنظيم الخاص وإغلاق ملف وحدة الاغتيالات إلى الأبد، لكن يبدو أن التغيرات التى طرأت على الجماعة بعد ثورة يناير دفعتهم إلى اللجوء إليه مرة أخرى، خاصة مع عدم استقرار الأوضاع بينهم وبين المجلس العسكرى السابق أثناء فترة حكمه، فتارة تكون العلاقة بينهما تحالفا وتعاونا وتارة أخرى خلافا وصراعا بسبب البرلمان والانتخابات والدستور. وفى عهد المجلس العسكرى السابق كانت هناك مجموعة من الحوادث التى تركت وحدة الاغتيالات بصمتها عليها دون أن يعرف أحد، كأحداث بورسعيد والتى تم هندستها للضغط على المجلس العسكرى وإحراجه، وأيضا مجزرة رفح الأولى والثانية، فكل الأسماء المتهمة بالتورط فيها من داخل وحدة الاغتيالات. ومنذ هروب محمود عزت إلى قطاع غزة بدأ فى استحضار مجموعة كبيرة من شباب الجماعة الذين عملوا معه لسنوات طويلة، وقام بالإشراف على تدريبهم مع كتائب القسام خلال الأيام الماضية داخل القطاع، ومن بينهم عناصر شاركت بالفعل فى عمليات إرهابية تمهيدا لتنفيذ مسلسل الاغتيالات الذى لن تتوقف عنه الجماعة إلا بعد انتهاء قائمة أهدافها، والتى تضم مجموعة من ضباط المخابرات العامة والأمن الوطنى والمخابرات الحربية، وكل هذا تحت مسمى خطة «التطهير» اعتقادا منهم بأنه لابد من تطهير ملفاتهم لدى تلك الجهات حتى لا يكون هناك دليل إدانة عليهم». تشكيل الوحدة تتشكل وحدة الاغتيالات من 100 عضو، تم انتقاؤهم بواسطة لجنة العشرة بشرط أن يكون ولاؤهم الأول والأخير لصالح القيادات وليس لصالح الجماعة، وهم غير معلومين ولا معروفين إلا من خلال تلك القيادات التى تمتلك قائمة بها أسماء عناصر الوحدة. تم تدريبهم فى قطاع غزة عن طريق إرسالهم مع لجان الإغاثة الطبية أيام مبارك تحت إشراف الدكتور جمال عبدالسلام مدير لجنة الإغاثة الطبية من عام 2005 إلى 2008، وفيما بعد عن طريق الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح مع فريقه الطبى الذى تنقل ما بين اليمن وأفغانستان وغزة، ويتم تمويلهم عبر صناديق خاصة تم إنشاؤها للإنفاق على العمليات التى يقومون بها. تواصل وحدة الاغتيال مع القيادات الإخوانية المسجونة يتم عن طريق متعاونين مع الإخوان يعملون داخل مصلحة السجون منذ عهد مبارك، وهم من العساكر أو الضباط أصحاب الرتب الصغيرة عن طريق رسائل مشفرة عبارة عن أرقام وحروف لا يفهمها إلا العاملون داخل وحدة الاغتيالات، وأحيانا يتم استخدام محامى الجماعة، بينما لا يتم استخدام الهواتف نهائيا لأنها تكون مرصودة من قبل الجهات الأمنية. سعى محمود عزت خلال الأيام الماضية لإثبات قدرته على إدارة الأمور والحفاظ على ثبات التنظيم، خاصة أن بوادر الانقسامات بدأت تضرب كلا من التنظيم الدولى والتنظيم الأم فى مصر، وبالتالى لم يجد وسيلة إلا استخدام أسلوب العصا والجزرة وإظهار مدى قوة التنظيم عن طريق استحضار وحدة الاغتيالات، واضعا خطة يهدف من ورائها إرهاب الحكومة وأيضا إرهاب بعض القيادات التى بدأت تلوح بالانشقاق أو القبول بالتفاوض مع الدولة. شركات الأمن الخاص والفكرة كانت إخفاء نشاط وحدة الاغتيالات المشبوه تحت ستار عمل «شركات الأمن الخاص».. لهذا أنشأت الجماعة ثلاثا من شركات الأمن (مقرها فى مدينة الرحاب) بشكل صورى مع تشغيل عناصر الوحدة من خلالها، بحيث يتولى أعضاؤها حماية القيادات الإخوانية وعندما يكلفون بعملية اغتيال أو إحداث فوضى تكون تجهيزاتهم كاملة. لهذا السبب قدم عصام العريان طلبا إلى مجلس الشعب السابق يطالب فيه بسن قانون يمنح من خلاله شركات الأمن حق امتلاك السلاح، فقد كانت هناك مشكلة فى بداية إنشاء هذه الشركات خاصة فى ظل حكم المجلس العسكرى، وهى منع حيازة السلاح، ولكن مع وصول الإخوان إلى الحكم قدم العريان طلبا إلى مجلس الشعب يطالب بمنح خلاله شركات الأمن حق امتلاك السلاح، ولولا هجوم الإعلام على هذا الطلب المريب لتم تمرير القانون. الشاطر وضباط أمن الدولة نظراً لأن خيرت الشاطر كان صاحب الكلمة الأولى داخل تنظيم الإخوان فقد رأى بأن ضباط أمن الدولة هم أول خطر يداهم الجماعة، فلديهم سيل من المعلومات قد يؤدى بالقيادات إلى السجن مرة أخرى، فوضع الشاطر خطة استهدف من خلالها ضباط أمن الدولة والبداية كانت مع إحداث تغيير على المحاضر التى تقدم بواسطة ضباط أمن الدولة بحيث يتم وضع اسم الضابط الحقيقى على المحضر وليس اسما مستعارا كما كان معمولا به فى السابق للتأمين، وذلك عن طريق الضغط على وزير الداخلية وقتها معللاً ذلك بأن هذا الإجراء يضمن مزيدا من الأمان لحقوق المعتقلين. ولم يتوقف الشاطر عند هذا الحد، بل وصل إلى الاستعانة بخلايا الإخوان النائمة فى شركات المحمول للحصول على قاعدة البيانات الخاصة ببعض الضباط العاملين بالقطاعات الحيوية، إضافة إلى زياراته التى لم تكن تتوقف إلى قطاع أمن الدولة رغبة منه فى الحصول على أسماء الضباط وعناوينهم وتحركاتهم، بمساعدة خلايا تم زرعها وقت حكم الإخوان عن طريق أشخاص من خارج الجماعة حتى لا يشك فى أمرهم وذلك للاستفادة منهم فى تسريب المعلومات عن أماكن تواجد بعض الضباط وأسمائهم الحركية ومعلومات أخرى إضافية. وفى نفس الوقت كان الشاطر يقوم بإعداد قاعدة البيانات وإرسالها إلى رئيس وحدة الاغتيالات محمود عزت الذى يقوم بإرسالها مرة أخرى إلى عناصر الوحدة المنتشرة على مستوى الجمهورية ليكونوا فى وضع الاستعداد لتنفيذ أى امر يرسل إليهم، مع حل مشكلة تسليح تلك العناصر بشكل قانونى لكونهم حراسا شخصيين للقيادات الإخوانية. المخابرات الأمريكية القيادى الإخوانى المنشق ثروت الخرباوى أخبرنا أن تنظيم الإخوان لا يستطيع التعايش مع الواقع الحالى دون اللجوء إلى وحدة الاغتيالات لتنفيذ مخطط العنف الذى يستهدف تعطيل الحياة والضغط على المسئولين، وأضاف أن نظرية «العنف المؤجل» هى خطة اعتمدها الإخوان قبل فترة زمنية طويلة، فليس بالضرورة أن تتم عمليات الاغتيال بمجرد تأسيس الوحدة، بل تترك لفترات زمنية قد تصل لسنوات قبل أن تنفذ أول عملية، فالتنظيم الخاص مثلا نفذ أول عملية له بعد سبع سنوات من الإنشاء، فالجماعة وقياداتها تؤمن أن استخدامها لم يحن وقته حتى جاءت الانتكاسات التى بدأت بعزل رئيسهم الإخوانى. ونفى الخرباوى استخدام تنظيم الإخوان لعناصر جهادية فى تنفيذ عمليات الاغتيال، موضحاً أن لديهم الكوادر التى تنفذ ذلك بأيديهم ولا تحتاج إلى الجهاديين إلا فى المساحات الواسعة كسيناء على سبيل المثال، وبالتالى فإن أصابع الاتهام تتوجه مباشرة إلى تنظيم الإخوان فى اغتيال ضابط الأمن الوطنى محمد مبروك، ويضيف الخرباوى: «مساندة الأمريكان لتنظيم الإخوان منذ سقوطه كان وراءه سبب قوى وهو عدم كشف التعاون الذى تم بين الاثنين من خلف ظهورنا، وأعتقد أن الإخوان تحالفوا مع المخابرات الأمريكية مرة ثانية فى تنفيذ عملية الاغتيال الأخيرة خاصة وأن الضابط كان بصدد إبداء شهادته فى قضية التخابر مع الولاياتالمتحدة المتهم فيها الرئيس المعزول، ولا يوجد مستفيد سوى الإخوان وأمريكا من وفاة الضابط». ويؤكد محمد الشريف الإخوانى المنشق أن هناك علاقة قوية بين ما يحدث من اغتيالات تنفذها وحدة الاغتيالات وبين عمليات التفاوض التى تتم الآن بين محمد على بشر وعمرو دراج والحكومة والمسئولين مضيفا: «أسلوب محمود عزت لم يتغير منذ كنا فى المعتقل معا فى التسعينيات، فهو يعتمد على الضغط المسلح، وعندما رأى أن مفاوضات المصالحة تسير فى الاتجاه الصحيح -وهو ما يضر نواياه- أمر بخروج وحدة الاغتيالات ليعكر صفو هذه المفاوضات.