أثار التصريح الأخير لقياديى جماعة الإخوان عصام العريان ومحمد البلتاجى، حول تعرضهما لاعتداء جنسى داخل محبسها فى سجن ملحق مزرعة طرة، كثيرا من الشكوك حول مخطط الجماعة لتشويه مصر دوليا، ومحاولة عرقلة المرحلة الانتقالية، خاصة أن التصريحات جاءت أثناء محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسى، واختصا بها وسائل الإعلام الأجنبية، وربما قصدا الاثنان كسب التعاطف الدولى تجاه الجماعة، ولم يحسبا أن تلك التصريحات ستثير تلك الضجة، التى على أثرها أمر وزير الداخلية إحالتهما إلى النيابة التى قررت عرضهما على الطب الشرعى. روى العريان والبلتاجى رواية واحدة عن طريقة الاعتداء التى تعرضا لها، قائلين إن مصلحة السجون أدخلت عليهما مجندين، جردوهما من ملابسهما، واعتديا عليهما جنسيا، ولكن ما يثير علامات استفهام حول موقف القياديين المحبوسين، أن تصريحاتهما تلك لم يدليا بها إلى الصحفيين المصريين، واختصا بها وسائل الإعلام الغربية، وهو ما يؤيد وجهة النظر التى تؤكد أن الهدف من تلك التصريحات يأتى فى إطار خطة لتشويه صورة مصر دوليا. وسواء ما كانت واقعة الاعتداء الجنسى تمت بالفعل أو لم تحدث من الأساس ومجرد خيالات نسجها المحبوسان، حسب تأكيد مصادر أمنية، فإن اختيار «العريان» بالتحديد لإطلاق تلك التصريحات نيابة عن البلتاجى، لم يأت بالمصادفة، فالأول معروف فى الإعلام الدولى وبين النخبة المهتمة بشئون الشرق الأوسط، بكونه يمثل الإسلام الوسطى المعتدل، بسبب قيامه بدور المروج الدعائى للجماعة أمام الغرب، فمن خلاله بعثت الجماعة برسائل طمأنة للمجتمع الدولى، وطرحت نفسها كبديل وحيد لنظام مبارك. وسواء أدلى العريان بتصريحات للإعلام المحلى أو الغربى، ففى أغلب الأحيان تحمل تلك التصريحات رسالة بعينها للمجتمع الدولى، ومنها ما أثارت جدلا واسعا حولها، مثل تصريحه الذى دعا فيه يهود مصر الذين هاجروا لإسرائيل بالعودة مرة أخرى واسترجاع ممتلكاتهم، وهو التصريح الذى وضع علامات استفهام كبيرة حول طبيعة العلاقات بين جماعة الإخوان والكيان الصهيونى. أما عن رسالة الجماعة التى أرسلها العريان للغرب، فمغزاها أن عصر الحريات وحقوق الإنسان انتهيا بانتهاء حكم الإخوان، وعاد الاستبداد والقهر مع السلطة الانقلابية، ولا بأس من أجل توصيل تلك الرسالة من ادعاء واقعة تمس شرف المدعى شخصيا، وربما كان ذلك مباحا، تطبيقا لمبدأ «الضرورات تبيح المحظورات»، ولكن ربما لم يكن فى حساب «العريان» أن تصريحه لمراسل الوكالة الأجنبية ستلتقطه الصحافة المحلية وتنشره، وبعدها يصدر وزير الداخلية قرارا بعرضه هو والبلتاجى على الطب الشرعى، لتحديد ما إذا كان تعرضا لاعتداء جنسى أم لا. ولم يعد أمام «العريان» و«البلتاجى» سوى 3 أمور، الأول الامتثال لقرار وزير الداخلية وخضوعهما للكشف الطبى، وهو سيناريو ضعيف، والسيناريو الثانى أن يتراجعا عن تصريحاتهما، ولكن الأغلب حسب مصادر مقربة من الجماعة، أنهما سيرفضان الخضوع للكشف بدعوى أن مصلحة الطب الشرعى تابعة ل«نيابة الانقلاب»، مثلها مثل جميع مؤسسات الانقلاب التى يرفضون الاعتراف بها، ومنها القضاء الذى يقفان أمامه فى تهم تحريض على القتل، ولكن فى حالة حدوث السيناريو الأخير، فإن ذلك سيزيد من الشكوك حول مدى حقيقة الواقعة من الأساس، وربما تجبرهما النيابة على الكشف تنفيذا للقانون. اللواء محمد راتب، مساعد وزير الداخلية مدير مصلحة السجون، أكد أن كل الاتهامات التى قالها البلتاجى عارية تماما من الصحة، ونفى حدوث اعتداءات عليه، موضحا أنه مودع فى سجن ملحق المزرعة فى أحد العنابر التى تتميز بأنها لا تكفى سوى سجين واحد فقط وبه حمام خاص به، وهو يعامل معاملة حسنة مثله مثل جميع السجناء. وقال «راتب» إن إدارة السجن تتعامل مع أى شكوى بإحالتها للتحقيق، وفور تقدم البلتاجى بتلك الشكوى تم فتح التحقيق وإحالة الموضوع إلى النيابة العامة التى قررت إحالته للطب الشرعى. وبعيدا عن واقعة العريان والبلتاجى، فإن الحديث عن تعذيب الإخوان كان قريبا من الواقع أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، خاصة أن ذلك كان يحدث مع غيرهم من المعارضين، وتم توثيق وقائع عديدة من لسان الذين تعرضوا لها، ولا يزال عدد كبير منهم على قيد الحياة، لكن الحديث عن اعتداء جنسى تعرض له أعضاء من جماعة الإخوان، لم يذكره أحد سوى السيدة زينب محمد الغزالى الجبيلى، التى ولدت فى 2 يناير 1917 فى قرية ميت يعيش مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، ووالدها من علماء الأزهر، إذ ألفت كتابها الشهير «أيام من حياتى» تسرد فيه تجربة اعتقالها 6 سنوات فى سجون عبد الناصر، وقالت إن المعتقلين من جماعة الإخوان كانوا يتعرضون للاعتداءات الجنسية. وتعرفت زينب الغزالى على الاتحاد النسائى الذى كانت ترأسه هدى شعراوى وتوثقت العلاقة بينهما، وأصبحت من عضوات الاتحاد البارزات، وفى تلك الفترة خاضت مناظرات ومجادلات مع عدد من الأزهريين المناهضين للاتحاد النسائى ذى التوجهات التحررية، وطالب بعض الأزهريين بمنعها من الوعظ فى المساجد، بدأت صلتها بجماعة الإخوان المسلمين بعد تأسيس جمعيتها «السيدات المسلمات» بأقل من عام، واقترح عليها الإمام حسن البنا، مؤسس الجماعة، ضم جمعيتها إلى الإخوان، وأن ترأس قسم الأخوات المسلمات فى الجماعة، لكنها رفضت فى البداية ثم عادت إلى التنسيق مع الإخوان بعد عام 1948 وأصبحت عضوة ناشطة بالجماعة. وكلفها البنا بدور مهم فى الوساطة بين جماعة الإخوان والزعيم الوفدى مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر حينها، كما لعبت دورا مهما فى تقديم الدعم والمساندة لأسر الإخوان المعتقلين بعد أزمة 1954 مع قادة ثورة يوليو 1952. فى عهد الثورة رفضت مقابلة الرئيس جمال عبد الناصر، ورفضت أن تخضع جمعيتها لإشراف الاتحاد الاشتراكى، فصدر قرار حكومى بحل الجمعية ثم اعتقلت فى أغسطس 1965.