«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«عمارات الموت السريع»
نشر في الصباح يوم 30 - 10 - 2013

أصبح شيئا عاديا أن تستيقظ ذات يوم وتسمع عن انهيار عقار ما فى الإسكندرية، وتحديدا فى السنوات الثلاث الأخيرة.. عشرات العقارات المنهارة و158 قتيلا و69 مصابا هى حصيلة هذه الكوارث منذ 2011 فقط، والقادم قد يكون أسوأ، حيث إن الدولة وحتى هذه اللحظة لم تصل إلى الأسباب الحقيقية لانهيار العقارات ومن ثم معالجتها على الفور، كل هذه الأسباب دفعت «الصباح» لكشف هذه الأسباب التى عجزت الدولة عن الوصول إليها، لنضع هذا البحث الخطير والذى استمر العمل عليه لمدة عام كامل بين أيدى المسئولين.. ما اكتشفته الزميلة بسمة محمد أثناء إجراء هذا التحقيق الاستقصائى لا يتوقف فقط عند غش المقاولين فى مواد البناء أو بناء أدوار أكثر من المسموح بها فى التصاريح التى تصدرها المحافظة، بل توصلت أيضا إلى مادة كيميائية يستخدمها المقاولون للإسراع فى عملية البناء ورفع أكثر من عشرين طابقا فى أقل من شهر وهى مادة «أديكريت بى ڤ أف» والتى تستخدم أساسا فى البناء السريع للمبانى ذات الطابق الواحد أو الاثنين على الأكثر، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى نكشفها فى هذه المغامرة الاستقصائية لنوضح ما يدور فى عالم المقاولين منعدمى الضمير، وتقصير الدولة فى دورها الرقابى وعجز القوانين الموجودة عن التصدى للأمر.
دق جرس المنبه فى المنزل المكون من ثلاثة طوابق فى أحد الشوارع الرئيسية بمدينة الإسكندرية، لتستيقظ هالة على صوت والدتها الهادئ «اصحى يا هالة علشان تنزلى تجيبى الفطار لوالدك».. كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا، وهو الموعد الذى اعتادت «هالة» تلك الطفلة ذات العشرة أعوام على مغادرة المنزل لإحضار الإفطار لأسرتها المكونة من خمسة أفراد.
لم تكن الفتاة تعلم أن كلمات والدتها التى استمعت إليها قبل قليل ستكون آخر كلماتها، وأنها لن ترى أشقاءها الثلاثة ووالدها مرة أخرى، فما إن ابتاعت الفتاة متطلباتها من السوق، وعادت لمكان منزلها، حتى فوجئت بما لم تكن تتوقعه، فالمنزل الذى غادرته قبل نصف ساعة لم يعد موجودا فى مكانه، فلم يتبق منه سوى كومة من التراب.
اخترقت الفتاة أجساد العشرات من الناظرين بحسرة للعقار المنهار، فألقت بما فى يديها من أكياس تحمل داخلها مشترياتها التى كانت من المنتظر أن تتناولها الأسرة التى ترقد أسفل أنقاض العقار.
مهندسة رغم أنفى
إذا حدثت أى إنسان غير مصرى على كوكب الأرض عن بلدنا فأول صورة ستخطر فى باله هى صورة الهرم.. هذا البناء الحجرى العظيم صار رمزا لمصر عبر التاريخ لسبب واحد أنه ظل راسخا يتحدى الزمن لآلاف السنين.
لكن للأسف الآن فى بلد بناة الأهرامات نجد أن انعدام الضمير جعل أحفاد هؤلاء البناة العظام يقدمون على قتل الناس غدرا، كى يستطيعوا إنجاز بناية والحصول على بعض الأموال.
بكاء هالة ظل يرن فى أذنى طوال اليوم، وظللت أسأل نفسى عن السبب الحقيقى وراء سقوط العقار الذى لم يمر على بنائه عام واحد.. ظللت أتحرى الأمر وأتقصى المعلومات وسط المقاولين وبعض العاملين فى البناء حتى بلغت مسامعى همسات تردد جملة «البناء السريع».. لم أفهم ما المقصود بهذا المفهوم، وما قصة هذا البناء السريع.. بعدها بلغتنى المعلومة الغريبة: فى الإسكندرية بعد ثورة يناير، يمكنك بناء عقار يتكون من 20 طابقا فى أقل من شهرين!
بدأت السير فى شوارع الإسكندرية وأنا أنظر للعقارات التى تم بناؤها مؤخرًا أحاول التعرف على ما يستخدم منها هذا الأسلوب الجديد، ظللت أسير فى طرقات المحافظة وصراخ الطفلة يلاحقنى، وعندما سألت بعض القائمين على بناء العمارات من المقاولين والمهندسين عن هذا البناء السريع، وجدت بعضهم يؤكد استخدام نوع من المواد تسرع من عملية البناء، ولكنها تخاطر بسقوط العقار فى أقل وقت، ومنهم من قال: «أستغفر الله مش بستخدم الحاجات دى، انتى عايزة تموتى السكان، حد الله بينى وبين مواد الموت».
الموت فى متناول الجميع
بعد بحث استغرق أياما وجدت عقارين الفارق بينهما شريط السكة الحديد بمنطقة سيدى بشر، فالعقار الأيمن يستخدم المواد المعجلة فيبنى طابقا جديدا كل يومين فهو فائق السرعة، والعقار الأيسر لا يستخدم هذه المادة فيبنى كل طابق بعد 10 أيام تقريبا من الذى يسبقه، ورغم أن أدوات البناء فى كلا العقارين متشابهة إلا أن النظرة بالعين المدققة لموقع العمل أكدت وجود مادة غريبة يستخدمها مهندس العقار الأيمن الذى يقوم بعمل صبة خرسانية كل يومين، فى حين ينتظر مالك العقار الأيسر أكثر من 10 أيام حتى يتمكن من إتمام الصبة الخرسانية للطابق الواحد.
فى اليوم التالى انتحلت صفة مهندسة مبتدئة ترغب فى شراء مواد تعجل من سرعة البناء لشركة هندسة معمارية بالقاهرة، ذهبت للمهندس المسئول عن العقار الأيمن وطلبت منه معرفة اسم المادة المستخدمة فى البناء فرفض، فعقدت معه صفقة بتصوير وتحليل عينات من الصبة والحصول على كمية من المادة المعجلة، وطالبته بكتابة جميع أسماء المواد المعجلة وكيفية الحصول عليها كل هذا بمقابل مادى مغرٍ، متعللة بأنى أريد أن أحقق النجاح بسرعة كمهندسة بعد تخرجى فى الجامعة فوافق على الاتفاق.
فى البداية شرح لى مهندس الموقع أن المادة بنية اللون.. هذه مادة «معجلة للشك» وأنه يضع كمية من مادة يطلق عليها اسم «أديكريت بى ڤ أف» فى برميل كبير مملوء بالمياه وهو ما يعجل زمن الشك خلال 48 ساعة. وهو ما يساعد على فك الشدة الخشبية بعد مرور 48 ساعة.
كنت أعلم أن «زمن الشك» هو الزمن الذى تحتاجه الصبة الخرسانية كى تجف تماما ويصبح فى الإمكان بناء طابق جديد فوقها.. ومن معلوماتى أن لا حيلة لأحد سوى انتظار مرور «زمن الشك» حتى يستأنف البناء، حتى لا يعرض متانة البناء وحياة السكان للخطر.. فكيف تختصر هذه المادة زمن الشك؟
أما لمعرفة زمن فك الشدة الخشبية فالمعادلة «طول البحر*2*2» يساوى زمن فك الشدة.
المهندس «أ. م. ال. م» أكد وجود العديد من المواد المعجلة لعملية البناء، منها مادة أديكريت بى ڤ أف، وهى تساعد على شك الخرسانة، ومادة أديبوند 65 مادة تستخدم فى أعمال البياض وأعمال الترميم والقضاء على الرطوبة، ومادة أديكريت بى ڤ أف التى تحسن قابلية التشغيل للخرسانة، وغيرها من المواد التى تساعد على صلابة الحديد والمواد ذات اللون الأبيض التى توضع فى الأعمدة حتى تعطيها مقاومة أعلى لتتحمل الرطوبة والتآكل.
لكن كل هذه المواد لا تزيد من سرعة عملية البناء التى كانت تسير بشكل غريب فى موقع العمل.. حيث يقوم المهندس ومعه رئيس العمال بجلب العمال والخلاطة ويضع فى الخلاطة ستة "غلق زلط" وثلاثة أجولة رمال وشيكارة ونصف أسمنت، ثم يحضر برميل كبير ويضع به كمية كبيرة من المادة «أديكريت بى ڤ أف» بدون أى معايير أو دقة، ثم يقوم بجلب خرطوم المياه ويضعه فى برميل به المادة المعجلة، ويأتى بإناء متوسط يملؤه ويصب خرسانة السقف.
واستمرت هذه العملية ساعات، ثم انتهى اليوم بعد صب الخرسانة وحين سألت المهندس: لماذا لا تضع بالمعيار فحينها اندهش لسؤالى قائلا: «اسألى الريس ز» الذى رد بمنتهى السخرية من كلامى قائلا: «يا مهندسة الخبرة بتحكم والعمال عارفين هيعملوا إيه. هو ده أول شغل ليهم؟ لو لقوا الخرسانة تقيلة يحطوا عليها مياه ولو خفيفة يسيبوها على ربنا، بس أهم حاجة تكون المادة موجودة علشان نخلص العمارة بسرعة علشان نشوف المصلحة اللى بعديها».
بعد يومين استيقظت على هاتفى يرن، وجاءنى صوت المهندس الذى أخبرنى أنه سيقوم بفك الشدة الخشبية وسيقوم بصب أعمدة الدور القادم بعد مرور يومين من صب السقف، والسبب فى ذلك أن المادة التى وضعها عجلت من زمن الشك وهو ما يعنى «تماسك السقف» بدون أن يقوم برش المياه على الخرسانة حتى يقوم بمعالجتها.
فى ذلك الوقت كان العقار على الجانب الأيسر أشبه بالسلحفاة فى حين يقفز العقار الأيمن قفزات أرنب لا تستطيع السلحفاة مجاراتها، حيث إنه يترك السقف من 7 إلى 10 أيام قبل أن يفك الشدة الخشبية ويصب الأعمدة، فقام ببناء 15 طابقا استغرقت 7 شهور، ويرجع سبب طول فترة البناء إلى رفضه وضع مواد تسريع جفاف الصبة فى الخرسانة، فإنه يرى أنها مواد لموت السكان ليس أكثر.
مخالفات بالجملة
خلال وجودى فى المنطقة الواقع بها العقاران وترددى على المهندسين المشرفين على العقارين، تبين أن العقار الذى يستخدم مادة «أديكريت بى ڤ أف» قام ببناء أكثر من 25 طابقا فى أقل من شهرين، ويقوم بصب الأعمدة وفك أخشابها بعد مرور يوم واحد، ويقوم بصب خرسانة أسقف الأدوار ويتركها لمدة 48 ساعة بدون معالجة.. وعندما سألته نصحنى المهندس بالذهاب لشركة كيماويات البناء الحديث التى ستقوم بمنحى ورقة توضح كيفية استخدام المادة بالطريقة الصحيحة.
كيماويات البناء الحديث
داخل مقر الشركة بحى الإسكندر إبراهيم، قدمت لى الموظفة ورقتين؛ الأولى بها مادة أديكريت بى ڤ بسعر 99 جنيها وكتبت أعلى الورقة «توضع على ربع شكارة أسمنت مع تقليل مياه الخلط»، الورقة الثانية مادة أديكريت بى ڤ أف وسعرها 162 جنيها، ثم كتبت الموظفة «توضع على نصف شكارة أسمنت مع تقليل مياه الخلط».
مادة «أديكريت بى ڤ أف» هى المستخدمة بالعقار المخالف الذى قام عليه التحقيق، ولم تساعدنى الموظفة على أى شىء آخر حتى لم تهتم بمعرفة إن كنت مهندسة أما لا، فحين كنت أريد أن أحصل على كمية من المادتين لجأت إلى المهندس (أ.م. أل. م) مهندس العقار المستخدم للمادة، وطلبت منه حينها أن يعطى لى بعض الكميات الضئيلة من المواد حتى أختبر خواصها فى معامل بالقاهرة، وبالفعل وافق وذهبت فى اليوم التالى إلى العقار، وحينها كان يصب الدور الرابع، فأعطى لى عبوتان زجاجيتان الأولى أديكريت بى ڤ إف والثانية أديكريت بى، ولكنه قال لى «المادة الأولى الأهم سيبك من المادة الثانية».
عدت إلى القاهرة، وذهبت إلى شركة الكيماويات البناء الحديث بالقاهرة بحى الهرم، وبدأت بتعريف نفسى منتحلة شخصية طالبة بكلية هندسة وأعمل دراسات فى المواد المعجلة ومعى المادتان، فأخذنى الموظف إلى مهندس كيميائى فتحدث معى المهندس عن نوعية دراستى فشرحت له أننى أقوم بعمل دراسات على المواد المعجلة، فأخذنى إلى معامل اختبار المواد الكيميائية المعجلة فتبين أن كل مادة كيميائية سواء توضع فى الأعمدة أو الخرسانة أو الدهان أو غيرها من أعمال البناء، لابد وأن تخضع للمواصفات القياسية الأمريكية كمادة أديكريت بى ڤ إف ومادة أديكريت بى.
فالمواد المعجلة الموجودة معى تطابق المواصفات القياسية الأمريكية فالخطأ ليس فى سوء التصنيع بل فى تنفيذها.
منحنى المهندس كتابا يشرح جميع أنواع الإضافات سواء إضافات تقليل المياه، إضافات إنتاج الهواء المحبوس، إضافات تأخير زمن الشك، إضافات تعجيل زمن التصلب، إضافات تقليل المياه مع تأخير زمن الشك، إضافات تقليل المياه مع تعجيل زمن التصلب.
وبحسب الكتاب فإن مادة أديكريت بى ڤ إف من إنتاج شركة الكيماويات البناء الحديث، وهى مادة تسرع معدل الشك ومعدل الوصول إلى إجهاد ضغط مبكر
على الخرسانة دون التأثير على حديد التسليح.
وأكد المهندس أن المادة أنتجت فى الثمانينيات ولكن استخدامها انتشر فى أعقاب ثورة 25 يناير، حيث يقوم أصحاب العقارات بشراء كميات كبيرة من المواد لتعجيل زمن جفاف الصبة، وأيضا هناك عقارات مشهورة استخدمت تلك المادة.
عقارات مشهورة فى خطر.
أثناء وجودى فى مقر الشركة استطعت الوصول إلى قائمة بالعقارات التى تم بناؤها بالمواد المعجلة، وخصيصا مادة أديكريت بى ڤ أف، لهذا فهى معرضة للخطر ونتمنى أن ينتبه القائمون عليها إلى هذا، منها مول العرب وسيتى مول وأكثر من كمبوند فى 6 أكتوبر.
وفى الإسكندرية تم بناء مدينة سيتى لايت، وفى القاهرة الجديدة تم بناء العقار العربى.
وأيضا تم بناء عقارات المنتصر بحى فيصل، وتم بناء عقارات الميريلاند بحى جسر السويس، وأيضا تم بناء عقارات الشارقة بحى حدائق الأهرام، وأيضا تم بناء عقارات المتحدة فى دولة الإمارات.
كل هذه العقارات تم بناؤها بالمادة أديكريت بى ڤ أف من شركة كيماويات البناء الحديث.
تحليل العينات
للتعرف على حقيقة العقارات المنهارة بالإسكندرية، فى البداية ذهبت لمعهد البحوث بالدقى لتحليل عينات من الخرسانة المخلوطة بالمادة، وتحدثت مع المسئولين الذين أخبرونى بضرورة جمع العينة فى قوالب ذات مواصفات خاصة، وبكميات معينة وبالفعل عدت مرة أخرى للإسكندرية واتصلت بالمهندس (أ. م. ال. م ) وأخبرته أن شركتى المزعومة وافقت على شراء المواد ومنحه المبلغ المتفق عليه، ولكنها تريد عينة من الخرسانة حتى تتأكد من مدى فعالية المادة، وبالفعل وافق وحدد موعدًا لمنحى عينات الخرسانة.
قبل الذهاب لجمع العينات زرت كلية هندسة جامعة الإسكندرية، وأوضح لى مدير المعمل أنه لابد وأن تكون القوالب بحجم 15*15 حتى نصل فى النهاية للنتيجة السليمة، ولابد أيضا أن تكون ثلاثة قوالب. وحين رأى فيديوهات صب الخرسانة التى سوف أحصل منها على العينة أخبرنى أننى لابد وأن أحصل على عينة من الخرسانة التى يصبها فى الموقع وبنفس الشكل، حتى يتم تحليلها بالعيوب الموجودة فيها ومعرفة تأثيرها على العقار.
ذهبت مرة أخرى للبناية التى تسابق الزمن، وأخبرت الريس (ز) أننى أريد قوالب لعينات وسوف يحصل على ما يريده، وبالفعل طلب من أحد عماله (ف) أن يأخذ منى مبلغ 300 ج مقابل أن يذهب إلى الحداد، ويقوم بعمل قوالب قياسية بحجم 15 * 15 عنده، وفى النهاية حصلت على ما أريده: ثلاث عينات مازالت سائلة.
وحدث، ونحن ننتظر القوالب حتى تتماسك، أن مر بالمكان رجل فى الثلاثين من عمره تحدث معى بعنف قائلا: «أنتو عايزين الناس تموت؟ ليه بتاجرى بأرواحنا؟ أنتى مهندسة فاسدة مش حرام تبنى كل 48 ساعة.. الغش ملا قلوبكم»، فسارع المهندس بإبعاده قائلا: «راجل مجنون عايز يوقف حالنا وبس».
نتائج العينة:
أظهرت نتيجة العينات الثلاث فى معمل كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية أن مساحة العينة الأولى تبين أن مساحة المقطع 187.5 سم2 ووزن المكعب 6.050 كجم، وحمل الكسر 38.5 كيلو ومقاومة الضغط 20.93 كجم/سم2، وتبين أن العينة الثانية وزن المكعب 5.800 كجم ومساحة المقطع 187.5 سم2 وحمل الكسر 39.8 كيلو ومقامة الضغط 21.64كجم/سم2، أما العينة الثالثة فلم تحلل، فالنتيجة متوسط مقاومة الضغط =21.29 كجم/سم2 أى عشر مقاومة الضغط، وهو ما يعنى بوضوح أن العينة «غير صالحة للبناء».
لم أكتف بذلك وقمت بإعادة التحليل مرة أخرى ولكن بعد مرور 48 ساعة، ذهبت إلى معمل التحليل مرة أخرى، وطلبت من مدير المعمل الحصول على اسم شركة أحصل منها على قوالب جديدة ذات مواصفات قياسية، وبالفعل حصلت على هاتف المهندس «أمجد» مدير شركة أدوات هندسية بالإسكندرية وذهبت إليه، وقمت بشراء قالبين، بمقاس 15*15 بلاستيك أسود اللون وبه فتحة هواء صغيرة من الأسفل وهو على شكل مكعب به أربعة أضلاع وقاعدة، وأخذت معهما أداة لمزج العينة، ثم ذهبت إلى ميكانيكى سيارات وأخذت منه عبوة زيت شحم، وظللت أنتظر صب سقف الخرسانة للطابق 25 والأخير فى العقار الشبيه بالأرنب.
كان المهندس يصب باكرا فى السادسة صباحا خوفا من الحكومة، أخذ العامل القالبين ودهنهما جيدا، ثم حصلت على جزء من عينة وقمت برجها، ثم وضعت جزءا آخر حتى نهاية القالب وقمت برجه وكررت الحركة مع القالب الآخر، وتركتهما لمدة 24 ساعة، بعدها ذهبت للمعمل لتحليل العينات بعد مرور 48 ساعة.
تبين أن وزن المكعب الأول 7.200كجم ومساحة المقطع 225سم2 وحمل الكسر 169.6 كيلو ومقاومة الضغط 77.0كجم/سم2 ووزن القالب الثانى 6.950كجم ومساحة المقطع 202.5 سم2 وحمل الكسر 191.9 كيلو مقاومة الضغط 97.0كجم/سم2.
نتيجة التحليل الثانى كشفت أن متوسط مقاومة الضغط 87كجم/سم2 أى 100 نسبة الضغط، مع العلم أن مقاومة الضغط الموجود داخل كتيب الإضافات الخرسانية، إذا كانت خلطة بالإضافة لمرور ال48 ساعة، لابد أن تصل إلى نسبة 260 كجم/سم2، وهو ما يعنى عدم مطابقة العينة للمواصفات أيضا، ويجعلها غير صالحة للبناء مطلقا.
الانهيار يدق الأبواب:
ساعدنى كثيرا فى الانتهاء من هذا التحقيق د. علاء الشرقاوى، الأستاذ بكلية الهندسة جامعة القاهرة، د. علاء كان معى منذ بداية التحقيق منذ عام فكان ينصحنى دوما فى كل ما فعلته باعتباره المستشار العلمى للتحقيق، وهو من طلب منى تحليل العينة مرة أخرى، وتسجيل وتصوير زمن فك الشدة للعقار، وعندما حصلت على هذه الأوراق ورأى نتيجة التحليل أخبرنى بأسف أن نتيجة التحليل تبين أن العقار سوف ينهار، فالآن يوجد داخل العقار شروخ داخلية تبين انهيار العقار فى أقرب وقت ممكن، فحدوث الشروخ وارد مع الأحمال فى البداية، فالسقف يحمل الأعمدة والأحمال الزائدة والواصلات بين العقار والعمود، فمن الممكن أن يسقط العقار بداية من السقف.
ومن ضمن المواد الإضافية التى لها دور فى الحصول على مقاومة عاجلة هناك ما يطلق عليه «البناديق»، وهى مواد توضع بترتيب معين ممدود لمعرفة جودة المنشأ وخواصه، أما المواد المستخدمة فلابد أن يتم التعرف على صلاحيتها وتتصل بالمجسات الواقفة عليها طوال عمرها، فلابد أن يضع فى الاعتبار مهندس العقار عند صب وفك الشدات أن تصبح مناسبة مع أطوال العمدان وخواص المواد المستخدمة.
المواد الإضافية لابد أن تزيد من إجهاد الخرسانة ولكان هذا لم يحدث فى ذلك العقار، ففك الشدة الخشبية بعد مرور 48 ساعة ونتيجة التقرير المأخوذة من هذا العقار تدل على إجهاد مقاومة ضعيف جدا مع وضع زيادة الأحمال الحية فى الاعتبار، فهذا يؤدى فى النهاية إلى ضحايا بالآلاف على الرغم من أنه تم إنشاؤه قريبا» ولكن سقوطه أقرب.
المهندس ماجد خلوصى، نقيب المهندسين بالقاهرة، انزعج من نتيجة التحليل، واعتبرها كارثة بكل المقاييس، فعندما يكون نتيجة تحليل عينة خرسانية بعد مرور 48 ساعة بهذا الرقم وفكه للشدة عقب يومين هذا من المستحيل أن يكون مهندسا فهو تاجر موت، فأخطر ما يواجه المهندسين أنهم هم الرقابة، فليس هناك رقابة على هذه العقارات وبالتالى يتيح له فعل أى شىء، ومن المفترض أن تكون الرقابة متمثلة فى مهندس استشارى مشرف على المقاول والمهندس، فإذا كانت العقارات تبنى بمهندس الحى تحت بند الرشوة المقنعة، فلابد عند بناء العقار أن يكون به 7 مهندسين على الأقل مختلفى التخصصات، فالمقاول الحرامى ليس من المفترض أن يغش فى الحديد والأسمنت فقط، ولكنه من الممكن أن يستخدم مكونات الخرسانة والأعمدة أقل من المواصفات المتفق عليها بالكود، وبالتالى ينتج له نفس النتيجة السلبية الخطيرة، مثلا من المفترض أن تصل بعد يومين بنسبة 180 سم ولكن بمقارنة بنسبة 87 سم فهذا يدل أنه يعتمد على أن الخرسانة سوف «يطرح فيها البركة» بمعنى أن معدل الأمان خارج مصر يضع 9 أطنان حديد فقط، ولكن فى مصر فمعدل الأمان الضعف فالكود ينص على ذلك، والسبب لأنه معروف أن شغل المهندسين والمقاولين لا يتم على معيار سليم، فهذا العقار لم يسقط حتى الآن، لكن إذا جاءت عاصفة هوائية كثيفة سوف تسقطه، فالعقار الآن يلقى أحمال الأعمدة السيئة على الحوائط، لهذا فإذا تم الطرق على أى حائط من حوائط العقار فسوف ينهار العقار على الفور حتى ولو كان ذلك الحائط فى عقار مجاور للعقار السيئ، مع العلم أن زيادة المادة المعجلة فى الخرسانة تساعد على شك الخرسانة قبل صبها بمعنى أنها أصبحت عبارة عن» كلاكيع» فتصبح غير صالحة للاستخدام، والخطأ ليس على المالك فقط، فالخطأ الأول فى القانون سيئ السمعة قانون 119 الخاص بقانون البناء، فالقانون نفسه يشجع المهندس على السرقة، ونص على أنه لابد أن يرسم التصميم المهندس، ثم يذهب به إلى الحى، والحى يرفض أن يعطى له الرخصة، لأنه لم يرسم التصميم، فالمالك يذهب مقررأ أن يبنى العقار دون رخصة أساسا.
وأيضا عدد الأوراق المطلوبة لصدور الرخصة حوالى 56 مستندا، وكل ورقة من مكان معين، ثم يقرر القانون أن أى مهندس من أى تخصص من حقه التوقيع على رسوم تصميم العقار، بمعنى أن مهندس بترول من الممكن أن يقوم بتصميم عقار للبناء، وبالتالى يرسم المالك التصميم مع أى مهندس ثم يأتى للنقابة ويدفع 500 جنيه لأى مهندس حتى يقوم بالإمضاء على التصميم!!
نقيب مهندسى القاهرة يرى أن الحلول لبناء سليم هى تخفيض الإجراءات الحكومية على المالك، وزيادة أجور المهندسين حتى لا تغريهم المتاجرة بأرواح المواطنين، مع تفعيل القانون الرادع، والتوسع فى تدريب المهندسين.
وأكد «خلوصى» أن دور الرقابة يقتصر على الضبطية القضائية التى من المفترض أن تلقى القبض على المخالف وتقوم بمعاينة الموقع، فجهاز التفتيش له دور الرقابة الذى لا يقوم بها، والسبب أيضا فى عجز المهندسين لديه، فخلل المنظومة لا يجعل هناك رقابة- حسب قوله.
الشركة: نحن غير مسئولين
أكد المهندس وصفى توفيق، الاستشارى بشركة كيماويات البناء الحديث، أن الشركة غير مسئولة عن سوء تنفيذ المهندس، لأن الشركة تبيع هذه المادة منذ عشرات السنين لأسباب واستخدامات متعددة وتخضع لمواصفات أمريكية قياسية، ويوجد فى بند تعريف المادة أنها لابد من عمل فرمة قياسية حتى تصل فى النهاية إلى عمر إجهاد الموجود داخل تصميم العقار، والذى غالبا ما يكون عمر إجهاد الخرسانة 250، فلابد أن يحصل على عينة من الخرسانة ويقوم بكسرها عقب 12 يوما، وإذا تبين له النتيجة المنصوص عليها فى الكود 203 يستكمل على ذلك، ولكن إذا اتضح نتيجة سلبية مثل هذا التحليل لابد أن يعاد بناء العقار، حتى يصل إلى عمر الإجهاد المنصوص عليه.
الشركة اعتبرت نفسها غير مسئولة عن المخالفات التى تحدث، وقال الاستشارى توفيق إنه ليس من اختصاصهم أن نذهب مع المهندس إلى الموقع ونشرح له كيفية استخدام المادة، فهذه المادة لابد أن توضع بمعايير قياسية فى مواقع قياسية، واختتم بقوله: «مادة أديكريت بى فى أف لا يتم بيعها فى شركة كيماويات البناء الحديث فقط، بل يتم تداولها أيضا فى شركة سيكا العالمية الأمريكية والإنجليزية وشركة نوزروك وشركة ماستر بلورز وشركة ماستر كيميكال وشركة mcc».
وأيضا الإسكندرية تعانى من عيوب خطيرة تساعد على انهيار العقارات وهى الأبخرة التى تخرج من البحر وتؤدى لتأكل العقارات، فالأفضل استخدام مواد كيميائية فى الدهان حتى تقاوم تآكل أبخرة البحر.
القانون يحمى القتلة:
أكد د. نبيل عبدالبديع، أستاذ القانون بجامعة القاهرة، والمشرف القانونى بنقابة المهندسين، أن قانون رقم 119 لسنة 2008 الخاص بإصدار قانون البناء ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية رقم 74 لسنة 2009، يجبر المهندس على الاتجار بأرواح البشر، فهو يحصل على راتب 380 شهريا مقابل التعرض لبلطجة المقاول والنصابين.
أما الكود المصرى لتصيميم وتنفيذ المنشآت الخرسانية 2007، الباب السابع الخاص بالإضافات وفك الشدات، ينص على أن يتم خلط الإضافات طبقا للكميات المحددة بالخلطات التصميمية ويجب أن تقاس قياسا دقيقا.
وفى حالة استعمال الشدات أو الفُرم ذات الطابع الخاص يجب تنفيذ الرسومات التصميمية والاشتراطات الخاصة بهذا النوع ويتم الرقيق عليها قبل البدء فى رص صلب التسليح، فى حالة الفرم الخشبية ترش الأسطح الملاصقة للخرسانة قبل الصب بالمياه لمنع امتصاص الأخشاب لماء الخلط.
أما بند فك الشدات والفرم، فتؤثر درجة الحرارة وطول البحر ونوع الأسمنت ورتبة الخرسانة وأسلوب المعالجة فى الحمل الذى سيتعرض له المنشأ، فيجب أن يصل فك الفرم الخشبية إلى قدر كاف من الأمان بشرط ألا ينتج عن الفك حدوث عدم اتزان للمنشأ أو ترخيم أو شروخ غير مسموح بها.
هذه التجربة كانت محاولة لملاحقة ما حدث وما سوف يحدث بمحافظة الإسكندرية، فمعظم عقارات الإسكندرية تُبنى بهذه الطريقة، بمعنى استخدام مواد الموت الذى لا يوجد خطأ فى تصنعيها ولكن الخطأ فى سوء الاستخدام وبيع الضمائر، فى محاولة منا لمواجهة المتاجرين بأرواح البسطاء.
سماسرة الموت
اللواء عبد الخالق زين العابدين، رئيس حى الجمرك بالمنشية، أكد لى أن المواد المعجلة تعنى تجارة الموت، فالمنظومة الفاسدة أنه يبنى دون تراخيص، ولم يتبع الإجراءات القانونية، كما لم يجر أى اختبارات على التربة، وفى غياب كل أوجه الرقابة يكون الناتج النهائى هو انهيار العقار. اللواء زين العابدين على ثقة من أن السبب الرئيسى لسقوط العقارات هو المواد المعجلة، واعتبر أن المحافظة تعانى من خطر كبير يجعلها معرضة لكارثة كبيرة، فالإسكندرية من الأساس مبنية على مياه جوفية، ولا تتحمل الارتفاعات العالية، بخلاف أن المخالفين لا يتبعون أى إجراءات للحفاظ على سلامة المبانى، وفوق كل هذا يضعون مواد معجلة للأسمنت تجعلهم يقومون ببناء أكثر من 25 طابقا فى أقل من شهرين.
وأكد «زين العابدين»، والأسف يكسو ملامحه، أن الحى أصدر أكثر من 7 آلاف قرار إزالة فى أعقاب ثورة 25 يناير، تم تنفيذ 1000 قرار فقط، وفشل الحى فى تنفيذ الباقى بسبب تعدى الأهالى على المهندسين أثناء تنفيذهم قرارات الإزالة.
نتيجة التحليل تقرير طب شرعى:
أكد د. خالد يسرى، نائب رئيس مجلس إدارة المركز القومى للبحوث والإسكان بالقاهرة، عندما رأى نتيجة التحليل أنه كارثة بكل المقاييس، فعندما يتم بناء عقار لابد وأن يكون معه لوحة التصميم التى تحدد عمر إجهاد مقاومة الخرسانة (السقف)، ولابد أيضا أن يأخذ عينات من كل صبة على الأقل، ولكنه مثلما يصب يتم تحليل العينة فإذا صب الخرسانة وتركها 48 ساعة يتم تحليلها بمقدار نفس وقت فك الشدة الخشبية، فإجهاد المقاومة يبين وقتها إذا كانت الخرسانة سوف تتحمل الأعمدة والأساس أم لا؟، ونتيجة التحليل الموجودة تبين أنه لابد على الفور من تنكيس المنشأة، ففى بعض الأحيان تكون الأعمدة بحاجة إلى التدعيم، فيتم علاجها، وبعد علاجها يتم تحليلها، فإذا تبين نتيجة أقل من مقاومة الإجهاد المفروض عليها يتم إزالة العقار على الفور.
د. يسرى أوضح أن الخرسانة العادية تبلغ نسبة كثافتها 150 كجم/سم2 والخرسانة المسلحة 200 كجم/سم، 2 وهذه النسبة تعبر عن مقاومة الضغط للخرسانة بعد اختبارها عقب 28 يوما، لكن بعد يومين تصل الخرسانة إلى نفس النسبة تقريبا، لأنه إذا كانت الخلطة قياسية تكتسب مقاومتها عقب صبها ب24 ساعة، فمعنى هذه النتيجة أنها لم تصل إلى عمر الإجهاد المنصوص عليه، فهذا يبين أن الخلطة المستخدمة فى العقار غير صالحة للبناء.
نائب رئيس مجلس إدارة المركز القومى للبحوث أوضح أن الأخطر هو فك الشدات بعد 48 ساعة، فهذه تعتبر كارثة بكل المقاييس، وهذا يؤكد أن هناك احتمالا كبيرا لانهيار العقار، مثلما حدث فى أكاديمية الشرطة فقاموا ببناء 25 طابقا باستخدام مواد معجلة ثم قاموا بفك الشدة عقب 48 ساعة حينها سقط البناء وذهب ضحيته ثلاثة أفراد، موضحا أهمية الالتزام بالأكواد القياسية الموجودة فى كتاب الكود المصرى لتنفيذ المنشآت الخرسانية «كود203»، ثم سأل مستغربا: أليس من المعقول أن يسكت الحى على بناء عقار مثل هذا؟ وهذا يحدث بالقاهرة أيضا وأكثر الأماكن الطريق الدائرى وحى فيصل، حيث يقومون بالبناء السريع ويبنى أكثر من 20 طابقا» ولكن لا يسكنه أحد.
المهندس حسن علام، رئيس الجهاز التفتيشى الفنى على البناء بمصر بمعهد البحوث والإسكان، أكد أن هذا العقار مخالف بكل المقاييس، بداية من الأوراق الرسمية وحتى التفاصيل الفنية، فالخلل جاء من المنظومة الحكومية لعدم وجود هيكل تنظيمى ينظم عمليات البناء، لأن عدد المهندسين المنوط بهم أن يقوموا بالإشراف والمراقبة داخل الموقع أقل بكثير مقارنة بالعدد الكافى.
علام أوضح أن ثورة 25 شجعت هؤلاء المخالفين على ما يفعلونه استغلالا لغياب الرقابة والانفلات الأمنى.
العقار كما قال المهندس علام، يتضح أنه مخالف من الرخصة نفسها، فالرخصة عبارة عن رسومات معمارية ورسومات إنشائية ونوتة حسابية ومجسات، والنوتة الحسابية تعنى مساحة العمود والسقف والمجسات تعنى أن التربة التى سوف يقوم بالبناء عليها سوف تتحمل العقار أم لا؟، ثم يتم دراسة كل هذه الأوراق ويتم استخراج الرخصة، ومشكلة الإسكندرية أن تربتها ضعيفة، الرخصة معناها أنه تم مراجعته إنشائيا ومعماريا وله نوتة حسابية ومجسات تدل على تحمل التربة، وهذا أدى إلى تكليف المهندسين بحيث أن يكون لكل مهندس التفتيش على رخصة 5 أماكن حتى يحصل على راتبه، فيقوم المهندس بالنزول إلى الموقع ويتأكد أنه يتم تنفيذ البنود المنصوص عليها بالرخصة، ثم يقوم الجهاز بعمل تقرير شهرى يكتب فيه ملاحظاته، ويرفع التقرير لوزير الإسكان ووزير التمنية المحلية، ثم محافظ الإقليم، فرئيس الحى. وإذا كان هناك مخالفة جنائية أو إدارية يقوم الجهاز برفعها إلى النيابة ومن خلال تنفيذ هذه المنظومة تم التفتيش على 187 رخصة من إجمالى 67 ألفا، وهذا لا يتعدى ال0.06 فهذا ضئيل جدا»، ولكن هذا المهندس الذى قام ببناء 25 طابقا فى أقل من شهرين يعتبر خارج السيطرة القانونية، لأنه ليس معه رخصة من الأساس، ففى النهاية لابد من اتحاد كافة الهيئات الخاصة للبناء حتى نعد للمواطن الإسكان الشرعى وليس إسكان الموت.. أدركوا البلد.. «إسكندرية كمان سنة سوف تصبح مقبرة»، إذا تم بناء كل العقارات هناك بنفس الطريقة، ثم قام المهندس حسن بتصوير نتيجة تحليل العينة حتى يكشف لقيادات وزارة الإسكان كمية حجم الموت الذى يدق على بوابات الإسكندرية.

الحكومة مذعورة بعد تحقيق الصباح الاستقصائي عن "عمارات الموت السريع ":
قيادت وزارة الاسكان تتبادل الاتهامات .. ولا أحد يلتفت للكارثة القادمة!!
رئيس جهاز التفتيش الفني: أعداد المهندسيين لا تكفي للرقابة .. والنقابة مسئولة
نقيب المهندسين: طالبنا حق الضبطية القضائية لكن وزير العدل رفض .. وجهاز التفتيش هو المخطيء
وزارة الاسكان: نحن غير مقصرين .. والجاني مفقود
كالعادة بدأت الحكومة تتحرك بعد فوات الأوان .. فعقب نشر الصباح لتحقيقها الاستقصائي المتميز "عقارات الموت السريع" في عدد الجريدة الماضي حتى بدأ الهلع يدب في الهيئات الحكومية المتعلقة بالمأساة، خاصة وزارة الاسكان التي باتت تبحث عن أي "كبش فداء" تلصق به تهمة المخاطرة بحياة آلاف الأبرياء المعرضين لأن ينهار عليهم العقار الذي يسكنوه في اقرب وقت.
الدكتور حسن علام، رئيسي جهاز التفتيش الفني بوزارة الاسكان، صرح لنا بأن دور الجهاز الرقابي يتم على العقارات المرخصة , لكن العقارات الذي يتم بناءها بدون رخصة تكون خارج سيطرة الجهاز, واعتبر ان العقار الأول الذي تم ذكره في تحقيق مخالف، لأنه تجاوز ال 25 دوراً وتم بناءه بطريقة غير سليمة وباستعمال مواد مخالفة للمواصفات القياسية الهندسية مثلما نبهنا في التحقيق, والتى ينص على استعمالها القانون 119.
علام برر التقسير الكبير الذي يتم يوميا بأن اى دولة في العالم يستحيل عليها ان تضع الرقابة على المهندسين الذين يقمون ببنا ء عقارات مثل هذا , فليس هناك قانون يمنح الحكومة حق الرقابة على ضمائر المهندسين, وقال ان أعداد المهندسين العاملة في الجهاز غير كافية للتفتيش على المواقع وطرق البناء وعلى الاوراق.
واختتم علام بان الجهاز ليس هو من يعطي عضوية النقابة مهندس مخالف مثل المذكور في التحقيق, وعلى من يريد الوصول لحلول عملية ان يلوم نقابة المهندسين التي تعطي عضويتها لمثل هؤلاء.
من جانبه صرح نقيب المهندسين "ماجد خلوصي" ان النقابة لا دخل لها في بناء مثل هذه العقارات، والجانب الذي يعطي السماح ببناء عقار مثل هذا هو "جهاز التفتيش الفني" , والذي من ضمن مهامه عند اكتشاف وجود عقار مخالف مثل هذا أن يقوم على الفور بأصدار قرار أزالة حماية للأرواح. واستنكر نقيب المهندسين ان جهاز التفتيش يسمح ان يراقب على موقع مثل الذي قام عليه التحقيق مهندس مناجم او مهندس فلزات او مهندس طبيب، فأى مهندس مهما كان تخصصه له حق الامضاء على اى رسم موقع.
خلوصي قال ان نقابة المهندسين طلبت اكثر من مرة ان تقوم هي بدور الرقابة على مثل هذه العقارات المخالفة التى تبني بدون رخصة، مع اعطاء المهندسين حق الضبطية القضائية, فرفض وزير العدل ذلك, على الرغم من ان هدف هذا الطلب هو مساعدة جهاز التفتيش على القيام بدور الرقابة على العقارات الغير مرخصة قبل ان تسقط على السكان, مثلما سيحدث في العقار الذي قام عليه التحقيق .
وزارة الاسكان تحاول تجاهل الكارثة المنتظرة، فهى تعتبر نفسها غير مقصرة، وصرح مصدر رفيع المستوي بالوزارة ان جهة اصدار التراخيص هى "جهاز التفتيشي الفني على البناء" فهو الذي يقوم بمراقبة عملية اصدار التراخيص والتاكد اتباع المباني للمصروفات, اما وزارة الاسكان فهي غير مسئولة عن هذه المخالفات، لهذا لن تقوم بإبداء رد فعل على تحقيق الصباح حتى يتبين لها الأطراف المخالفة.
ولازالت ردود الأفعال الحكومية تتوالى يوم بعد يوم، خاصة الانقلاب الذي حدث في محافظة الاسكندرية، والذي ستقرؤون تفاصيله في العدد القادم من جريدة الصباح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.