لم تعد تجارة السلاح بالشكل الذى اعتدنا عليه فى الماضى والذى كنا نشاهده فى الأفلام، حيث كان هناك دائما «وسيط» هو غالبا مسجل خطر بين المشترى والبائع، وكانت نسبة الفشل فى إتمام الصفقة أعلى من نجاحها، ففى الآونة الأخيرة تطورت هذه التجارة مع تطور وسائل الاتصالات الحديثة، حيث انتقلت إلى العالم الافتراضى، وانتشرت على الإنترنت مواقع متخصصة فى الاتجار بالسلاح، حتى أصبح فى متناول الشخص العادى شراء «مسدس» مثلا بعد الاتصال بأحد الأرقام المدونة فى الموقع الإلكترونى! «الصباح» خاضت تجربة البحث والتعرف على تفاصيل هذا العالم المثير، وسعت من خلال المواقع لإتمام الصفقة حتى النهاية للتعرف على المراحل التى تمر بها، وهل هناك مخاطرة أم أن الأمر أشبه بطلب وجبة طعام من أحد المطاعم الشهيرة؟ البداية كانت مع الصفحات المنتشرة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، حيث قمنا بزيارة أكثر من 160 صفحة متخصصة فى هذا المجال، وبالبحث فى صفحة باسم «جميع أنواع الأسلحة» وجدنا صورا ل«مسدس» عيار 9 مللى مدونا عليه المواصفات الخاصة به، إضافة إلى رقم تليفون محمول للتواصل مع البائع، وصور أخرى لتشكيلة من البنادق الآلية وبنادق الصيد والقنص. وعلى الفور اتصلنا بصاحب الرقم لنتعرف منه على تفاصيل أكثر حول هذه التجارة وبيانات عن الماركات التى يعرضها وأسعارها، والأهم إتمام الصفقة حتى النهاية، وعلى الطرف الآخر كان شخص يدعى (إسلام.ج)، وهو صاحب الرقم المدون فى الصفحة، وكان يتحدث بمنتهى الهدوء والثقة كأنه يعمل فى سوبر ماركت! قال «إسلام»: «الاتفاق على السعر أساس التعامل بيننا ولكنى سأشرح لك أولا مواصفات السلاح الذى ترغب فى شرائه»، فأخبرناه أننا نسعى لامتلاك مسدس 9 مم، فأكد أن عنده جميع أنواع الأسلحة ومن بينها «فرد روسى» صناعة محلية، وفرد خرطوش، وبندقية آلية سريعة الطلقات ورشاش متعدد. وقال البائع: إننا بعد أن نتفق على السعر سيكون مكان التسليم فى «عزبة الهجانة» بمدينة نصر وسيكون تحديد التوقيت بمعرفته، واستمرت المكالمات بيننا على نفس الشاكلة، وكان الأمر فى غاية السهولة وكأننا نشترى سيارة معروضة للبيع أو أسهل من ذلك بكثير. أما (محمد.س) الذى أجرينا معه اتصالا هاتفيا آخر فقال إنه متخصص فى بيع الطبنجات الحلوان والفرد الروسى فقط، ويبدو أنه يشجع المنتج الوطنى لأن الاثنين صناعة محلية، وبعد أن اتفقنا على طبنجة حلوان ثمنها 8 آلاف جنيه قال البائع: إن مكان التسليم سيكون فى «عزبة أبو حشيش» بحدائق القبة. وسألنا محمد عبدالغنى، أحد أعضاء صفحة «السلاح المصرى» عن الطريقة التى يكمن أن نقتنى من خلالها سلاحا آليا «كلاشينكوف»، فأجاب: «عن طريق الدليفرى ولكن هذه الطريقة تجعل سعر السلاح يزيد فوق ثمنه الأساسى بألف أو ألفى جنيه، حيث يتم توصيل السلاح إلى منزلك ولا تحتاج إلى مقابلة البائع. أما إذا أردت التوفير فعليك مقابلة البائع ولكن فى هذا الأمر مخاطرة خاصة إذا تنقلت به من محافظة إلى أخرى». وبسؤاله عن إمكانية رصد الأمن لهذه الصفحات العاملة علنا فى تجارة السلاح غير المرخص بشكل غير مشروع، وإمكانية تتبع تلك الصفقات رد قائلاً: «مستخدمو السلاح الذى يباع على المواقع لا خوف منهم فهم لا يستخدمونه إلا للدفاع عن أنفسهم أو ممتلكاتهم ولأعمال التأمين، أى أن مسألة استخدامه فى أعمال إرهابية مستبعدة تماما». ومن جهة أخرى، يقول صلاح السيد، صاحب محل أدوات صيد ومسدسات صوت، عن تأثير هذه المواقع على تجارته: «تلك المواقع لابد أن تغلق فهى غير مرخص لها بالاتجار فى السلاح وأدوات الصيد، ولذلك فهم لا يدفعون ضرائب مثل التى ندفعها، وبالتالى الأسعار التى يقدمونها للمشترى أقل من أسعارنا مما يؤثر علينا فى النهاية». ومن جانبه، أكد مصدر أمنى رفيع المستوى بوزارة الداخلية ل«الصباح» أن جرائم تجارة السلاح غير المرخص عبر الإنترنت لم تكن يوما بعيدة عن أعين أجهزة الأمن، مشيرا إلى أن «المواقع المتخصصة فى هذا المجال معظمها مواقع للنصب، فبعد أن يتم دفع المبلغ المطلوب فى السلاح، يجد المشترى أن من كان يتحدث معه على الإنترنت ويبيع له السلاح هو شخص وهمى». وأوضح المصدر أن مباحث الإنترنت بوزارة الداخلية تلقت العديد من بلاغات النصب تتعدى 50 بلاغا كلها نصب فى مبالغ مالية تتعدى ال200 ألف جنيه، بدعوى شراء السلاح، وتمكنت أجهزة الأمن من ضبط أكثر من 5 تشكيلات عصابية نصبت على مواطنين، حيث يقوم المتهمون بإنشاء موقع وهمى متخذين من إحدى الشقق مأوى لهم، يقيم بها فردان للتعامل مع كل المترددين على الموقع، ثم يهرب الجميع من المكان بعد الإيقاع بالضحايا، معتمدين على أن يسعى لشراء سلاح غير مرخص لن يجرؤ على إبلاغ الشرطة. وأضاف المصدر أن هناك تجار أسلحة حقيقيين يقومون بالترويج لنشاطهم بالفعل عبر الإنترنت عن طريق أحد الأشخاص الذين يثقون بهم يقوم بتصميم موقع لهم، ويتركون له التعامل مع العملاء. وعند الاتفاق على السعر المطلوب يتم تسليم السلاح المتفق عليه للعميل، وهنا تكمن الخطورة فى أن سهولة ترويج السلاح عبر الإنترنت تجعل من السهل حمل السلاح، ولكن هذه المواقع الجادة قليلة جدا ومعظمها يتم ضبطه بمعرفة الشرطة، خاصة أن مباحث الإنترنت تضع نصب أعينها تجار الأسلحة الذين يروجون أسلحة حقيقية، وقد تمكنت من ضبط 3 تجار سلاح خلال الشهر الماضى وحده فى منطفتى الزاوية الحمراء وحدائق القبة بالقاهرة.