لماذا ابتعدت عن الإعلام طوال الفترة الماضية؟ - ابتعدت عن الصحافة منذ قيام ثورة 25 يناير بسبب انتشار عدد من الصحف غير المسئولة، تنتهك أعراض الناس، نعم هناك إيجابيات كثيرة للصحافة، وهى سلطة رابعة، ولا يمكن إنكار ذلك، ولكن هناك من يعمل على ترويج الشائعات، ولذلك فضلت الابتعاد. وماذا عن دورك باعتبارك رجل دين، ولماذا التزمت الصمت تجاه الأحداث التى مرت على مصر منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن؟ - طوال الفترة الماضية كنت فى منزلى بفضل الله سبحانه وتعالى، ودورى فى الحياة أمران، وهما الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إذا كان المجال يسمح بذلك، أما إذا كان المجال لا يسمح، فإن الصمت فى تلك الحالة أفضل، فسيدنا محمد، (عليه الصلاة والسلام)، قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»، وقد ألفت كتابًا بالكامل عن الصمت، وسميته «فقه الصمت»، وفى زمن الفتن لابد من الصمت؛ لأن الوقت لا يسمح بالجدل أو الدخول فى مسائل تفصيلية، وهكذا فعل الصحابة (رضى الله عنهم) فى حادثة الإفك؛ إذ لاذوا بالصمت والتزم بعضهم بيته، لدرجة أن بعض الصحابة لم يكن يخرج لصلاة الجماعة حرصًا على عدم القيل والقال، فالصمت يكون أبلغ من الكلام فى أوقات كثيرة، وأحيانًا يكون تكليفًا إلهيًا، أو إرادة إلهية؛ لذلك فالصمت جهاد ومجاهدة، ومن استطاع الصمت فهو يجاهد نفسه ويحفظ لسانه، والنبى قال لمعاذ: «أمسك عليك هذا -وأخرج لسانه-، فقال: وهل يؤاخذ الناس بما يقولون يوم القيامة يا رسول الله؟، قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبّ الناس على وجوههم فى النار إلا حصائد ألسنتهم»، لذلك أعتقد أن الكلمة فى زمن الفتنة أبشع من الحرب وأشرس من القنابل، فالاحتجاج الصامت أبلغ وسائل الدعوة إلى الله عز وجل، والأمر الأخير أنى لا أومن باختلاط الدين بالسياسة، أو العكس. ولكن ماذا عن حرمة الدم.. هل ينفع معها صمت؟ - وهل تعتقدون أن الذين أراقوا الدماء كانوا فى حاجة إلى آية تذكرهم بحرمة الدم، وهل حرمة الدم تحتاج إلى آية أو حديث. لنفترض أن هناك إنسانًا ملحدًا، هل تعتقدون أنه لا يؤمن بأن للدماء حرمة، وأن للكرامة الإنسانية والنفس مكانتها. أتعجب أن يأتى شخص ويقول: قل للناس لا يقتلون بعضهم البعض. من الذى يحتاج إلى خالد الجندى أو مفتى الديار المصرية ليخبره أنه لا يجوز يا فلان أن تقتل أخاك، فحرمة الدم مصانة فى الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والمذاهب الوضعية، ولكن الحقيقة أن الذى حدث انتهاك أخلاقى وليس جهلًا دينيًا، فنحن تخطينا مرحلة عدم معرفة الأحكام الشرعية إلى مرحلة عدم معرفة الواجبات الأخلاقية، وهذه هى الكارثة، وليعلم الجميع أن الأخلاق ليس لها دين. ماذا تقصد وراء العبارة الأخيرة؟ - الكفار الجاهليون الذين بُعث إليهم الرسول كانت لديهم مكارم أخلاقية، حتى إن النبى اعترف بذلك، وقال: إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق. ومعنى ذلك أن هؤلاء الناس كانت لديهم مكارم أخلاقية شبه تامة، وعندما اجتمع عدد منهم لقتل الرسول، وقفوا بسيوفهم أمام بيت النبى، ولم يجرؤ واحد على كسر الباب أو التلصص، وهذا يدل على أن هناك سدًا أخلاقيًا لا يجوز انتهاكه حتى فى حالة العداوة والحروب، فأين ذلك الآن من عصر اللصوصية والتجسس الذى نعيشه، وعصر التربص والفضائح. وعلى الرغم من شدة عداء أبى لهب للنبى، فإنه لم يقل عليه إنه يصاحب النساء أو يدعى أنه يشرب الخمر أو لص أو يأكل أموال اليتامى، بل كانوا يقولون عنه الصادق الأمين؛ لأنهم هم أيضًا صادقون فى عدائهم. هل هذا يحدث اليوم؟ - الحقيقة التى يجب أن ندركها أن للدعوة مظلة لا تعمل إلا تحتها، فالدعوة كالفرخ يحتاج إلى جناح من القوة وجناح من العدالة، حتى يستطيع الداعية أن يتكلم، فإذا لم يوجد هذان الجناحان: القوة والعدالة، سيُنتهك عرض العالم، وقد سمعنا عن علماء ينزلون من على منابرهم، وآخرين يُضربون ويُرشقون بأقبح الألفاظ أو يطعنون فى دينهم. ولماذا اختفى دور العلماء والأئمة؟ - الأزهر مكتظ بالعلماء، ولكن لا يوجد عالم يأمن على نفسه، وليست من وظيفة العالم أن يقوم بمهام انتحارية، والأئمة العظام أمثال الشافعى، ومالك، وأحمد بن حنبل، وأبى حنيفة، كانوا موجودين فى أشد أوقات المعاناة فى الدولة الإسلامية، ولكنهم استطاعوا أن يتركوا لنا هذا الكم من العلم والمجلدات والكتب؛ بسبب تفرغهم لدعوتهم وعلمهم، فكانوا يعيشون أوقات الفتنة، ولكن الفتنة ماتت بأصحابها وبمن رفعوا السيوف فيها، وبقى العلماء؛ لذلك فالعلماء موجودون، ولكن لا يظهر صوت لهم فى أوقات الفتن، وهناك على الساحة دعاة وعلماء، والدعاة كثيرون، وأغلبهم غير متخصصين، وأساءوا للدين أكثر مما أحسنوا إليه، وأفسدوا الدعوة أكثر مما أصلحوها، ونشروا أفكارًا غير مسئولة تسببت فى تردى الأوضاع الدينية الموجودة فى المجتمع، ولكن أطمئن الجميع، فالعلماء موجودون، وانتظروا الوقت القادم لعلماء الأزهر. برغم أنك صاحب مقولة أن الأزهر قلمت أظافره؟ - نعم الأزهر قُلمت أظافره بالفعل، ولكن العلماء موجودون، فالأزهر ينام ولا يموت، ويسكت ولا يخمد، وسيظل موجودًا بفضل الله عز وجل، فقد مرت على الأزهر أعاصير من الفتن طوال السنين الماضية، ولكنه يصمد ويقوى بمرور السنين ويقف ليؤدى دوره بقوة وثبات. وماذا عن الأخونة والسلفنة التى تعرض لها خلال العامين الماضيين؟ - عرقلت ولم تجهض، فخطوات الأزهر تعثرت فى الوقت الراهن بسبب تحويله إلى مؤسسة حكومية فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وأخونته وسلفنته فى عهد الإخوان، ونحن ننتظر الآن مرحلة «الأزهرة»، وأعتقد أن هذا ما يسعى إليه شيخ الأزهر حاليًا، أعانه الله على ذلك، بشرط ألا ينشغل بالأمور السياسية، فالأزهر تمت عرقلته يوم أن مارس دورًا سياسيًا. إذاً.. ترى المبادرات والمصالحات التى قام بها الأزهر كانت سببًا فى عرقلته؟ - كل المبادرات التى قام بها الأزهر عادت عليه بالخسارة وليس بالنفع، وجعلت منه خصمًا سياسيًا لأحد الفرقاء السياسيين، وأصبح بسببها ندًا سياسيًا، وهذا غير مقصود؛ لأن الأزهر ليس ندًا لأحد، بل هو المظلة الآمنة التى يأوى إليها الجميع، فالأزهر من الشعب وإلى الشعب، ويقصد بالشعب الشعب المسلم فى جميع بقاع الأرض، وليست مصرية الأزهر هى الحل، فالبعض يريد أن يحجم الأزهر داخل مصر، ونحن نرفض ذلك، ونقول إنه ملك الأمة الإسلامية، ولا يملكه المصريون فقط، وبالتالى لابد ألا يتأثر الأزهر بسياسات واتجاهات الحكومة المصرية. وماذا ينقص الأزهر حتى يقوم بدوره فى تخريج دعاة متخصصين؟ - الكليات الشرعية تحتاج لدعم إضافى، فالمخصصات المالية لا تكفى لإخراج داعية، ولابد أن نرتفع بمجاميع تلك الكليات؛ لأنها لا تأخذ إلا أشباه الراسبين، فالنابغون فى الأزهر يذهبون إلى الكليات العلمية، ولا يذهبون إلى الكليات الشرعية، وتكون النتيجة تخريج دعاة غير مؤهلين للتصدى لعالم الدعوة الذى تطور تطورًا شديدًا فى هذه الآونة، بالإضافة إلى أن المعاهد الأزهرية جميعها آيلة للسقوط، وتحتاج لترميم وإصلاح، وانضباط من مدرسيها، فمستوى بعضهم يحتاج لإعادة نظر، ونلاحظ جميعًا أن المناهج الأزهرية لا يتم شرحها فى التليفزيون كدروس الثانوية العامة والإعدادية، كأن هؤلاء الطلاب على رأسهم ريشة، وطالب الأزهر هو من سقط المتاع الذى لا قيمة له فى المجتمع. هل تعتقد أن الكليات العملية كالطب وغيرها هى التى أثرت على كليات الشريعة؟ - الأزهر مؤسسة شرعية، وليس مؤسسة علمية، فنحن نحتاج إلى دعاة متخصصين يأخذون بأيدى الناس، وأقترح ضم هذه الكليات العلمية لجامعة القاهرة أو عين شمس أو أى جامعة أخرى، وأن يتفرغ الأزهر لرسالته الشرعية، وأن يرجع لدوره الحقيقى، ولابد أن يكون هناك تطوير فى المستوى الجامعى، يعتمد على العناية بطلاب القمة، وهم الشيوخ والأئمة والدعاة، فالأزهر ترك أبناءه مهملين تأكلهم السباع كالأيتام على موائد اللئام، وأكبر دليل على ذلك نشأة ما يسمى بموائد إعداد الدعاة، قامت بها جمعيات خيرية وغير خيرية، أى جمعيات مشبوهة أخرجت دعاة بثوا السم فى العسل، وتسببوا فى بعض المهازل التى نعانى منها حتى الآن، وبالتالى ظهر بديل آخر، صنعته أيدٍ مشبوهة، لا تريد شيئًا إلا النيل من الأزهر، وهو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين. كيف ترى دور الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، وما الغرض منه ودور القرضاوى؟ - هم مجموعة لها أغراض سياسية وليست علمية، ولذلك لم يعتنوا بنوعية العلماء والدعاة الذين انضموا إليهم، فضموا العاطل والباطل من أجل إقصاء الأزهر وطرح أنفسهم كبدلاء، وليس هناك مطعن فى الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين أكبر من أن يرأسه القرضاوى، لأنه عندما يرأس مجموعة ما، فلابد أن نعلم أنها مجموعة مشبوهة وتخريبية وليست مجموعة تقصد علمًا أو دينًا أو فقهًا؛ لأن القرضاوى رجل مخرب ليس له انتماء لا لوطن ولا لأحد من الناس، وسيحاسبه الله عز وجل على ما يفعله، وهو يحقد على الأزهر وعلى شيخه وعلمائه، هذه حقيقة لابد أن نعترف بها، هو رجل مخرب. وما الذى يدفعه للتخريب؟ - لعله كان يريد أن يخدم مشروعه الإخوانى، ولعله مدفوع من قوة صهيونية، هذا ليس بغريب، بعد مدحه للإسرائيليين وللأمريكان، لا نستغرب شيئًا على هذا «القرضاوى»، وعوارض الشيخوخة جاءته، وبالتالى أصيبت فتواه بالتلوث، فالقرضاوى أصلاً عالم كبير، لديه قدرات خاصة من العلم، وكنا نستفيد ونتعلم منه، إنما من الواضح أن لديه خرف شيخوخة يجعله يعلن حالة الجهاد، ليس للقدس إنما على مصر، ويأمر بسفك الدماء، ويصادق الحكام ثم ينقلب عليهم ويأمر بقتلهم وذبحهم. كيف ترى رسالة القنوات الدينية؟ - لا أستطيع التعليق غير أنهم قاموا بتسويق دعاة إلى أبواب جهنم، فالدعاة الذين قاموا بتسويقهم، معظمهم قاموا بحث الناس على أمور أبعد ما تكون عن الدين، فكانت النتيجة أنهم صنعوا قاعدة من الفوضى الدينية قامت على ازدراء علماء الأزهر وتعظيم بعض الدعاة غير المؤهلين، ونشر بعض الفتاوى الضالة التى أدت إلى نتائج أضرت بالبلاد والعباد، ونشروا الجهل والبذاءات والسباب والشتائم والفتاوى المغرضة والنظرة الأحادية للفقه وزرعوا الفتنة والتعصب والتشدد فى قلوب الناس، وجعلوا الدين محصورًا فى مظهر وهيئة، وضموا إليهم العاطل والباطل، ومؤخرًا قبل إغلاقها استضافت بعض الإعلاميين وبمصاحبة بعض العاملين فى المجالات العامة، ولذلك ثبت أن الذين قاموا على هذه القنوات هم مجموعة من التجار الذين لم يكن لهم فى الإخلاص نصيب، ولذلك أرى أنها أضرت بالدعوة أكثر مما نفعت إذن أنت مع إغلاقها؟ - لست مع إغلاقها، أنا مع توجيهها وإرشادها، ومع وضع ميثاق شرفى يحترم فيه العلم ويلتقى فيه الدعاة، ويُتفق فيه على ما يقال وما لا يقال، ولذلك أنشأت قناة أزهرى، محاولة للتصدى لهم، ونجحت فى ذلك بعض الوقت، ولكن للأسف الشديد الشريك الليبى الذى كان ينفق على القناة، قام بالتزوير فى أوراقها، ولم أعد مسيطرًا عليها، منذ أكثر من سنة ونصف السنة تقريباً، وأسأل الله أن أنجح فى استعادتها مرة أخرى. هل المذهب الشيعى عرف طريقه للنور فى مصر؟ - لا أعتقد، فمصر لم تتأثر بالمذهب الشيعى، وهى تحت الاحتلال الفاطمى لمدة قرنين من الزمان، فهل ستتأثر اليوم لمجرد أن أتى شخص شيعى بذىء ليسب أم المؤمنين عائشة والصحابة، لا أظن أن الشيعة سيمثلون ولو أنفسهم فى مصر، لأن مصر دولة تحترم آل رسول الله، وتحترم الأولياء والصالحين. ما رأيك فى القرار الذى اتخذته وزارة الأوقاف بغلق الزوايا التى تقل مساحتها عن 80 مترًا؟ - وزير الأوقاف بهذا التصرف أثبت أنه عالم يعى الشريعة، ويعرف الأحكام الدينية، فإذا كانت هناك زاوية، وكان هناك مسجد جامع، يجب أن تُغلق، وهذه التجربة تمت منذ أكثر من عشرين عامًا فى منطقة وادى حوف، ورأيت هذا الكلام بنفسى، وهذا الكلام منطقى؛ لأن هناك عجزًا حقيقيًا فى الدعاة، وكثرة إنشاء الزوايا من غير وجود دعاة مؤهلين يعتلون المنابر أدى إلى أن انبرى البعض من غير المؤهلين للصعود على المنابر، وتسببوا فى فتن كثيرة وخلافات، وتمت مناقشة الأمور السياسية داخل المساجد، وقامت صراعات، وزاد على ذلك تسمية المساجد بأسماء معينة، مثل السُنية والمتصوفة، وغير ذلك من الأسماء، فتلك فوضى عارمة فى إنشاء المساجد، والذى فعله وزير الأوقاف نشد فيه على يده وندعمه، ونقول هذا هو الصواب، وهذا هو الدين. كيف ترى المجتمع المصرى الآن؟ - المجتمع يطوق إلى الأخلاق الفاضلة، هذه كلها طفرات وفتن، ولكن المجتمع المصرى له خصوصية فريدة، وهى احتفاظه بالخلق السامى والراقى والقيم المصرية التى نُحسد عليها فى جميع أنحاء العالم، وتتمثل فى شهامة المصرى وجدعنته وبشاشته وظرفه وخفة دمه وعلمه الغزير وترابطه وتعاطفه وتراحمه، وهذه صفات لم تخرج عن المصريين أبداً، ولن تتركهم بأى حال من الأحوال، لكن المصريين اليوم فى حاجة إلى تنظيم أمنى وقوة أمنية صارمة، تعيد تنظيم الشارع المصرى، وتضرب على يد المخطئ ضربًا شديدًا مبرحًا يجعله عبرة لغيره، ونشجع المصلح، وأعتقد أن مصر ستكون أفضل بإذن الله من عهدها السابق بمئات الأعوام، وستبلغ ذروة المجد فى الأعوام القليلة القادمة، فالمصريون سينفضون غبار هذه الفتنة أسرع مما نتصور، وأنا أعتقد أن ثورة 30 يونيو كانت ثورة لتطهير الإسلام، فالذى حدث هو خلط الإسلام بالسياسة فتم تلويث الإسلام، وسفكوا الدماء باسم الدين، وأكلوا أموال الناس وأرهبوهم باسم الدين، وتم فتح الحدود المصرية بفساد سياسى باسم الدين، وتم أخونة المجتمع المصرى والطعن فى الأزهر، وإقصاء المسيحيين، والاعتداء على الكنائس باسم الدين، فكان لزامًا أن تقوم ثورة لحماية الدين ورده إلى مكانه الطبيعى، وهو علاقة الإنسان بخالقه، العلاقة الخاصة التى تحفظ لكل إنسان كرامته وحريته، نحن كنا فى حاجة إلى جراحة، والشعب الآن فى مرحلة النقاهة.