لاشك أن التاريخ لن يتجاهل ما حدث عقب ثورة يناير بكل الأحداث والتفصيلات الخاصة به، ولقد كانت تحية اللواء محسن الفنجري للشهداء أثناء إلقاء البيان الثالث للقوات المسلحة أهم تلك التفصيلات التي ظلت حديث المصريين والثوار في كل مكان، ولقد حقق اللواء الفنجري شهرة واسعة بين الشباب المصري وكان هو أول شخصية عسكرية تحظي برضا الجماهير ويتم عمل الصفحات الخاصة له وكانت مجموعة من محبي اللواء محسن الفنجري قد صمموا صفحة له علي الموقع الاجتماعي ال«فيس بوك» حملت اسم "اللواء محسن الفنجري" واعتبروه رمز التفاؤل الذي تحمل إطلالته علي الشاشة الكثير من الخير حيث استبشروا خيرا بما يحمله لهم في بيانات الجيش التي يلقيها من أخبار مطمئنة ومريحة ومحققة لطموحات وآمال وتوقعات أبناء الشعب المصري من مؤسستهم العسكرية، وظل اللواء الفنجري محط اهتمام وتقدير كبيرين ولم تنقطع أخباره طوال الشهور الأولي التي أعقبت ثورة يناير، وعندما تم التفكير في إنشاء صندوق لرعاية مصابي الثورة لم يجد الثوار أفضل من اللواء الفنجري رئيسا لهذا الصندوق فهو الرجل الذي قدم التحية العسكرية للشهداء وهو صاحب البيان الخطير في ليلة العاشر من فبراير وقبل التنحي بساعات عندما أعلن أن المجلس في حالة انعقاد دائم، لكن ومع تطور الأحداث اختفي اللواء الفنجري فجأة وسط تساؤلات مثيرة عن سر هذا الغياب وهل هناك من استشعر أن نجومية الفنجري قد زادت عن حدودها المعقولة؟!.. ورغم أن الغياب لم يمنع من تواجده في ضمير الثورة إلا أن العودة للظهور والتي أعقبت مليونية 18 سبتمبر صاحبها الكثير من غضب الثوار ومصابي الثورة، وتحولت الجماهيرية الكاسحة للواء الفنجري والتي كادت تجعله قديسا إلي حملات هجوم كاسح، فلقد كان اللواء الفنجري رافضا لفكرة الاعتصام ودافع عن الشرطة التي هاجمت ميدان التحرير وقال إن الانتخابات البرلمانية لا يجب أن تتعطل وأن هناك قوي بعينها تحاول عرقلة مسيرة الثورة التي تبدأ أولي خطواتها الديمقراطية، لكن تلك التصريحات قوبلت بهجوم حاد من ثوار الميدان ومصابي الثورة، وتحول الفنجري من قديس الثورة إلي شيطان وتم عمل صفحات علي ال«فيس بوك» لتهاجم الرجل الذي ظل بجوار الثورة محاولا حمايتها من أصحاب الأغراض السياسية. وإذا كان اللواء الفنجري قد أدلي بتلك التصريحات القوية التي أعلن فيها عن وجود محاولات مدفوعة من الخارج والداخل لإشاعة الفوضي في مصر، وانتقد بكل وضوح منظمات المجتمع المدني، قائلاً في لهجة تعجب: "ما هو دور هذه المنظمات في المجتمع المصري؟!".. مشيراً إلي أنه من الواجب أن تساعد هذه المنظمات القوات المسلحة والحكومة في توعية المصريين بأهمية الانتخابات البرلمانية وحثهم علي المشاركة لكي تصل إلي انتخابات حرة ونزيهة. ورغم أنه يعلم أن تصريحاته تلك قد لا تجد قبولا وسط الكثيرين إلا أنه لم يهتم بشعبيته أو جماهيريته وأعلن أن الانتخابات البرلمانية في موعدها مهما كانت التحديات وأن الاعتصامات لا تفيد وأن الاعتداء علي مؤسسات ومنشآت الدولة خط أحمر. ولاشك أنني ومهما كنت مختلفا مع المجلس العسكري ومع اللواء الفنجري نفسه إلا أن هذا الموقف يجعلنا جميعا نعيد النظر إلي مواقفه، فلقد كان بإمكانه أن يحافظ علي جماهيريته وشعبيته الكبيرة وسط المصريين عموما، وكان بإمكانه أن يظل بعيدا مكتفيا بتلك الجماهيريته الواسعة لكنه في الوقت المناسب اختار أن يظهر بالوجه العسكري حتي يضبط إيقاع الشارع ويمنع الفوضي واختار أن يخسر الجماهيرية في مقابل أن تسير خطوات الثورة في مسارها الصحيح بإجراء الانتخابات البرلمانية، وبالطبع لم تلق تصريحاته أي قبول لدي المتظاهرين في الميدان فتحول في ساعات قليلة من قديس الثورة إلي شيطان!!.. وهذا عيب خطير في تعامل الثوار مع عدد من الشخصيات التي تبرز علي السطح، حيث يتم نسيان مواقفها بسرعة كبيرة ولا يتم ذكر أي مواقف طيبة لتلك الشخصيات، ولكن يتم رجمها وتحويلها إلي شيطان كما قلنا، أتمني من الله عز وجل أن نتوقف عن تلك الطريقة وأن ننظر إلي المواقف نظرة موضوعية، فاللواء الفنجري لم يكن يوما ضد الثوار ولا يجوز أن يتحول إلي عدو بعد أن كان هو الأقرب إلي قلوب الثوار.