يبدو أن حال البلد قد صعب على النخبة السياسية و لم يجدوا حلا سوى البكاء فدموع السياسيين كانت ولاتزال سلاحًا ذو حدين، فبينما أخرجت بعضهم من حلبة المنافسة تمامًا عندما أوحت لناخبيهم بعدم قدرتهم على تحمّل المسؤولية، قربت آخرين من قلوب الجماهير فازدادت تأييدًا لهم. وإن كانت المواقف التي يذكرها التاريخ لبكاء السياسيين ترتبط بتأثرهم حيال اتهامات وجهت إليهم أو خلال اعتذارهم عن أخطاء وقعوا فيها أو حزنا على ضحايا الحروب والكوارث، إلا أن الأمر في مصر حاليا مختلف، فدموع السياسيين من الحكومة والمعارضة، التي صافحت المواطنين مؤخرًا عبر شاشات التلفاز، أتت جميعها في سياق "الحزن على حال الوطن"، الذي يمثلون هم القوى الفاعلة فيه. الرئيس المصري محمد مرسى كان أول الباكين، عندما استشهد وهو يتحدث في حوار مباشر على الهواء بطفل فقير ممن "يستأجرون" للمشاركة في أعمال العنف الاحتجاجي التي شهدتها مصر مؤخرا، وضعت أمه شهادة ميلاده في جيبه قبل خروجه حتى إذا قتل تتمكن من استرجاع جثته. في المقابل، أجهش القيادي بحزب النور السلفي والمساعد السابق للرئيس مرسي خالد علم الدين في فبراير الماضي بالبكاء أمام الكاميرات في مؤتمر صحفي لإحساسه بأن الرئيس "غدر به" حين أقاله من منصبه، بالتزامن مع تناثر أنباء تتحدث عن سوء استغلال علم الدين للنفوذ. أما أحدث الباكين فهو رئيس حزب غد الثورة المعارض، أيمن نور، والذي بكى على الهواء مباشرة خلال استضافته قبل نحو أسبوع في برنامج "أنا المصري" بقناة الحكمة الفضائية الإسلامية، وهو يستعرض أحداث العنف الاحتجاجي الأخيرة، قائلاً "أقسم بالله مصر تموت، والبلد دي بتخلص (تنتهي) واحنا مش حاسين (شاعرين) بنعمل إيه، كل يوم أسأل نفسي لماذا يموت هؤلاء الأولاد؟" وفي تصريح خاص لمراسلة الأناضول، يقول نور "مقدم البرنامج محسن عيد صديق قديم، زارني في محبسي في عهد الرئيس المخلوع مبارك، وقبل بث الحوار دار بيننا حديث أعاد إلي ذكريات تلك الفترة المؤلمة، ما هيأني نفسيًا للحظة الشجن تلك حينما تذكرت حال مصر". وحكم على نور بالسجن المشدد 5 سنوات العام 2005 بتهمة تزوير توكيلات لإنشاء حزب "الغد" المعارض في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، والذي نافسه نور في أول انتخابات رئاسية تشهدها مصر في العام نفسه، في وقت سابق على الحكم. ويشدد نور على أنها "كانت لحظة شجن أكثر منها بكاء، وعندما أتى ذكر مصر تذكرت كيف يتقاسمها الفرقاء في هذه الآونة". ويرى أن مصر مثل "الأم التي تحتضر وتنادي على أبنائها الذين لن يحضروا إلا في سرادق العزاء، وأنا أشعر أن أمنا مصر لن نتقابل إلا في عزائها ولحظة تقسيم إرثها"، مضيفا "هذا الشعور الذي دفعني للبكاء". أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، محمد المهدي، يعتبر من جانبه بكاء السياسيين بشكل عام "حالة صحية وإيجابية، ونوع من المشاعر الإنسانية الراقية، لكن سلوكيات صاحبه هي التي تعكس هل هي دموع حقيقية أم خادعة".