تركيا تسعى لضم المنطقة الجغرافية الواقعة من حلب السورية إلى مدينة كركوكالعراقية أردوغان يخطط لتدشين "المنطقة الآمنة على أراضي سوريا لضمان استمراره فى منصبه -------------------------------------------------------------------------------------------------- لم يكتف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بما فعله بسوريا طوال السنوات الماضية من شن عمليات عسكرية وهجمات تحت اسم محاربة الإرهابيين وهي في الحقيقة محاولات من أجل الاستيلاء على الأرض وتحقيق حلم تركيا الذي تسعى إليه منذ العشرينيات من القرن العشرين الماضي، وأعلن أردوغان مجددًا عن نواياه بإطلاق عملية عسكرية جديدة في سوريا قريبًا بحجة إقامة "منطقة آمنة" على طول حدود تركيا الجنوبية مع سوريا. وعاد الجدل مرة أخرى بين تركياوالولاياتالمتحدة حول المنطقة الآمنة التي ترغب تركيا في إنشائها بعمق يتراوح بين 20 و30 كيلو متر، مما يعني مواجهة حتمية بين الجيش التركي وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن. وتشهد سوريا حاليًا تحركات من 4 دول، هي تركياوالولاياتالمتحدةوروسياوإيران، عنوانها محافظة إدلب شمال غربي سوريا، التي تعيش على وقع تصاعد في المعارك بين قوات الجيش السوري مدعومة من روسيا ومسلحين. أعطت الأزمة السورية منذ أن اندلعت في 2011، فرصة مواتية للأتراك في لعب أدوار كبيرة بدأت من استغلال ملف اللاجئين السوريين وابتزاز الاتحاد الأوروبي، ثم فتح المعابر الحدودية لمرور مئات المتطرفين من الأراضي التركية إلى الداخل السوري. كما تطلب ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي تشكيل تحالفا دوليا بقيادة الولاياتالمتحدة للقضاء عليه، وفيما دعمت واشنطن قوات سوريا الديمقراطية كقوة عسكرية كردية لمواجهة تنظيم "داعش"، اعتبرت أنقرة هذه القوات خطرًا عليها فقامت بالدخول إلى الأراضي السورية وفرض أمر واقع في مدينة عفرين، وذهبت أنقرة إلى تعيين حاكم تركي على المدينة، ورفعت علمها على مؤسساتها. وتسعى تركيا إلى المنطقة الآمنة بالتفاهم مع الولاياتالمتحدة كمدخل للتوسع الجغرافي الذي يؤمن فيه القوميين الأتراك، وتقتضي الخطة التوسع داخل تراب سوريا وفرض منطقة آمنة مؤقتة كتكتيك مرحلي نحو توسع يشمل تسع محافظات سورية (حلب والحسكة ودير الزور والرقة وحماة وحمص واللاذقية وإدلب وطرطوس)، في حين تشمل خارطة التوسع في العراقمحافظات (الموصل ودهوك، وأربيل، والسليمانية، وكركوك، وصلاح الدين). ويراهن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على استخدام ورقة المنطقة الآمنة خلال خطاباته الانتخابية التي ستركز على الأبعاد القومية لكسب أكبر قدر من الشعب التركي الذي سيكون أمام خطابات قومية من جميع المتنافسين سواء أردوغان أو غيره ممن سيعملون على استقطاب الناخب التركي. وتحدث أردوغان عن "تركيا الكبرى" في إشارة إلى نوايا التوسع الجغرافي التي تعتزم تركيا زيادة التحرك فيه خلال المرحلة المقبلة باتجاه المنطقة الآمنة والتي ستحمل عدة عناوين منها مكافحة الإرهاب وتوفير ممرات للاجئين. وسبقت خسارة أردوغان للانتخابات البلدية تراجعا اقتصاديا شمل معظم القطاعات، وسجلت الليرة التركية تراجعات تاريخية أكدت فشل سياسات أردوغان وضغطت على حزب العدالة والتنمية ودفعت بالناخبين الأتراك للتصويت لمصلحة القوميين على حساب العدالة والتنمية. وتمثل الخسارة الانتخابية نقطة تحول تهدد مساعي الرئيس أردوغان السياسية، ونتيجة الأزمات الحادة سواء مع الولاياتالمتحدة بشأن صواريخ إس 400 أو السجل الحقوقي الذي يقف حائلا أمام انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وكذلك أزمة التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، أخرج الرئيس أردوغان من حقيبته ورقة المنطقة الآمنة في الشمال السوري. ومنذ العشرينيات من القرن الماضي طرح مؤسس تركيا الجديدة كمال أتاتورك خارطة "تركيا الكبرى"، وهي تشمل أجزاءًا من تركيا اقتطعتها سورياوالعراق بحسب الحلم التركي. وتمتد المنطقة الجغرافية من حلب السورية وحتى كركوكالعراقية كمسافة طويلة تمثل عمق الامتداد التركي بحسب دستور 1920، وتشمل هذه المنطقة محافظتي الموصل وأربيل في شمال العراق. ولم يغب البعد التاريخي عن الأتراك في تاريخهم، حيث نشبت خلافات حدودية متواصلة مع الجارتين العربيتين الجنوبيتين لتركيا، فضلا عن خلاف مزمن مع سوريا حول لواء إسكندرون الذي ظل على مدار ثمانية عقود محل خلاف بين أنقرةودمشق. وبرغم أن أردوغان وصل إلى السلطة السياسية في 2003 على أكتاف الإسلاميين إلا أنه ظل وفيًا للقومية التركية، فالرجل الذي يجيد دائمًا استخدام الخطاب السياسي بين القوميين والإسلاميين في تركيا وجد في الأزمات السياسية العراقية والسورية فرصًا مواتية تم توظيفها للمشروع التركي الكبير. ومنذ سقوط النظام العراقي في أبريل 2003، تزايدت بشكل ملحوظ التدخلات العسكرية في شمال العراق بحجة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني، وعلى الرغم من أن الحكومة السورية كانت قد اضطرت إلى إبعاد القيادي الكردي عبدالله أوجلان، من أراضيها وتمكن السلطات التركية من القبض عليه في 1998، إلا أن تركيا لم تتراجع في تدخلاتها بشمال العراقوسوريا. وتسعى أنقرة إلى رفع مستوى تواجدها في شمال حلب لتعزيز موقفها الميداني والسياسي والقيام بدور مؤثر في رسم مستقبل الأزمة السورية، كما تسعى القوات التركية إلى السيطرة على المناطق الواصلة بين إدلب ومحافظة الإسكندرونة لبسط نفوذها على كامل الشمال السوري. وتجدر الإشارة إلى أن القوانين الدولية لا تسمح لأنقرة بإيجاد "منطقة آمنة" في شمال سوريا دون التنسيق مع الحكومة السورية، وفي حال قامت تركيا بهذا الإجراء من جانب واحد فإنها ستعرض الشرق الأوسط إلى مزيد من المخاطر الأمنية التي تواجهها المنطقة. ومن ناحية أخرى تعارض إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قيام تركيا بالضغط على أكراد سوريا لمنعهم من إقامة حكم ذاتي في مناطقهم، في وقت تصر فيه أنقرة على الحيلولة دون تحقق هذا الأمر لخشيتها من قيام أكراد تركيا بإقامة منطقة مشابهة في الجنوب وجنوب شرق البلاد في المستقبل. وتعارض حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، قيام منطقة آمنة في شمال البلاد، وتؤيدها في ذلك الدول والأطراف الحليفة لاسيما إيران ومحور المقاومة وتحديداً حزب الله. كما ترفض موسكو الحليف الاستراتيجي الآخر لدمشق التواجد العسكري التركي على نطاق واسع في شمال سوريا، وقد أعلن الكرملين مراراً بأنه يعارض أي تدخل خارجي في الشأن السوري دون التنسيق مع حكومة الرئيس بشار الأسد، ويرى في ذلك انتهاكًا واضحًا لسيادة هذا البلد. وكانت الجولة الأخيرة للرئيس أردوغان في المنطقة والتي شملت السعودية وقطر والبحرين تهدف للتخطيط لإنشاء "منطقة آمنة" في شمال سوريا، الأمر الذي ترفضه دمشق وطهران ومحور المقاومة وموسكو، والذي من شأنه أن يعقد العلاقات بين أنقرة وهذه الأطراف ويضعها في دوّامة من التجاذبات ويدخلها بالتالي في مستقبل مجهول يهدد الأمن والاستقرار في عموم المنطقة. وتعد منطقة إدلب السورية معقلًا للجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا، واتهمت روسياأنقرة مرارًا بعدم الالتزام ببنود مذكرة التفاهم التي تم الاتفاق عليها مع بلاده بشأن استقرار الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب السورية. وفي أبريل الماضي، أعلن الجيش السوري شن عمليات عسكرية مكثفة ضد أوكار المجموعات الإرهابية ومحاور تحركاتها وخطوط الإمدادات في قرى عابدين وكفر نبودة وكفر سجن بريفي إدلب وحماة، فيما تدور منذ أسابيع معارك عنيفة في ريف حماة الشمالي المحاذي لإدلب. وحققت قوات الجيش السوري تقدمًا ميدانيًا في ريف حماة الشمالي، إلا أن الفصائل الإرهابية المدعومة من أنقرة تشن بين الحين والآخر هجمات واسعة ضد مواقع النظام، تسفر عن معارك عنيفة، حيث وفرت سيطرة الجيش التركي على العديد من القرى في إدلب بيئة آمنة لتنظيمات إرهابية على رأسها "جبهة النصرة" فرع تنظيم القاعدة في سوريا، وفلول تنظيم داعش، وفصائل أخرى موالية لأنقرة.