ينطلق الدكتور عبد الرزاق النصيري لدراسة التاريخ الثقافي والسياسي للعراق بين 1908-1932 تلك الفترة التي شهدت ظهور النخبة المثقفة كقوة اجتماعية مؤثرة في العراق في الفكر والسياسة. ويفسر النصيري تسمية المجددين عنوانا للكتاب ومنهجيته التي بنيت عليه ان المثقفين المجددين هم الطليعة ومقياس التجدد هو آراؤهم وطروحاتهم الفكرية والسياسية ونظرتهم الى المجتمع من منظور حضاري. يرى المؤلف في فصول كتابه الأربعة ان هناك فكرا جديدا ظهر نقيض الفكر التقليدي السائد يدعو للاصلاح الجذري والثوري، ولكنه بقي محصورا بين المجالس الثقافية والمقاهي التي يرتادها المثقفون المتنورون، ويعزى ذلك الى أن الطبقة الوسطى لم تكن قد تبلورت بعد لتكون حلقة الوصل بين المجددين والشعب، والأجواء السياسية في العهد الحميدي في السلطة العثمانية وهرب المعارضون الى الخارج علما ان المجددين العراقيين لم يستهدفوا الا الاصلاح العثماني وليس الانفصال عن الحكم العثماني. وحققت النخبة المثقفة العراقية تطورها الفكري والسياسي بعد اعلان الدستور العثماني عام 1908، وتحول دورها للاندماج بالتيار الاصلاحي الاجتماعي بعده جزءا من من تيار التجديد في التعليم والصحافة. وعندما جاء الاحتلال البريطاني للعراق عام 1914 يرى المؤلف ان المجددين قبلوا الأمر الواقع بسبب خيبة الأمل بالسياسة العثمانية لكن سياسة الاحتلال جعلتهم يتجهون نحو الأفكار الديمقراطية والثورية، ومهدوا مع أبناء الشعب لقيادة ثورة العشرين. ومع التحولات السياسية الجديدة التي أعقبت الثورة برفض الانتداب أصبح للمثقفين المجددين دورهم وحضورهم الفاعل في الأحداث السياسية التي شهدها العراق في تلك المرحلة. وألتحق المجددون من النخبة المثقفة فيما بعد في العمل التنظيمي والحزبي لترتيب أولوياتهم وتجسيد أفكارهم على الواقع السياسي، فظهرت الأحزاب اليسارية والليبرالية والقومية ليعبر المثقفون عن رؤاهم الفكرية وطموحاتهم السياسية من خلال تلك الاحزاب في برامجها وصحافتها ومجالسها. هذا الكتاب ذو قيمة مهمة فهو بالأساس أطروحة دكتوراه نوقشت في قسم التاريخ بكلية الاداب بجامعة بغداد منذ اكثر من عقدين من الزمن، تلك الكلية العريقة في أجواء العمل الأكاديمي التاريخي العراقي والعربي، والتي تأسست عام 1947، وأصبح قسم التاريخ في صدارة أقسامها برموزه الفكرية والعلمية وضم الدكاترة عبدالعزيز الدوري وصالح احمد العلي ومحمد توفيق حسين وفاروق عمر فوزي وعبدالله الفياض وعبدالقادر اليوسف وحسين فاضل وسامي سعيد الاحمد وكمال مظهر وفوزي رشيد واخرون. والكتاب علميا واكاديميا وفكريا جدير بالقراءة، ويعد مرجعا مهما في التاريخ الثقافي والسياسي للعراق المعاصر في العهد الملكي يمكن أن يركن اليه القاريء العراقي والعربي بشكل عام لاسيما أنه اعتمد على وثائق وكتب عراقية وأجنبية أساسية.