تحت عنوان "جيل من المثقفين العرب" صدر حديثاً كتاب للباحثة ليلى دخلي وعن دار نشر كارتالا باريس 2009، وهو كتاب يهتم بالمشهد الثقافي العربي بين الأمس واليوم، وتخص الباحثة بالدراسة الجيل الذي عرفته سوريا ولبنان خلال سنوات 1908-1940، كما يقول العنوان الفرعي للكتاب. تنقسم مواد هذا الكتاب بين ثلاثة أقسام رئيسية هي "جيل ثقافي 1908-1916" و "أمام الامتحان والانقسامات والنهوض 1916-1940"، والأخير بعنوان"عالم المثقفين الصغير، بين التميّز والمكانة الثقافية". ووفقاً لصحيفة "البيان" الإماراتية تبدأ نقطة الانطلاق في تحليلات المؤلفة من عام 1908 حيث تؤكد أنه كانت هناك ثورة تتفاعل في تلك السنة على أراضي الإمبراطورية العثمانية، واضطر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني تحت ضغط ضباط حركة "تركيا الفتاة" أن يعيد العمل بالدستور الذي كان معلّقا منذ عدة سنوات. وترافق ذلك مع تخفيف إجراءات الرقابة ومنح هامش من حرية التعبير. وتكمن أهمية هذا العمل من حيث أن مؤلفته تكرس جهدها لدراسة فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى وما بين الحربين التي لم يتم التعرّض لها كثيرا، خاصة باللغات الأجنبية، قياسا إلى فترة مرحلة النهضة بنهاية القرن التاسع عشر، وإلى فترة ما بعد الاستعمار. وتعتمد تحليلات هذا الكتاب مباشرة - وفق المصدر نفسه- على الأطروحة التي كانت المؤلفة قد دافعت عنها عام 2003 لنيل شهادات الدكتوراه حول موضوع "المثقفين السوريين واللبنانيين في النصف الأول من القرن العشرين. لكن من المقصود بأولئك المثقفين؟ إن الجيل الأول منهم برز بالتوازي مع نهوض أجيال شابة في تركيا العثمانية واستفاد من أجواء "الحرية" النسبية التي لم تكن متوفرة سابقا. ومع تزايد ضعف الإمبراطورية العثمانية ثم انهيارها انفتحت الأبواب أمام مختلف الخيارات، وفي مثل السياق أكّد "الجيل الثاني" من المثقفين السوريين واللبنانيين حضوره في نهاية عقد العشرينات. كان الجيل الثاني يتمتع بقدر أكبر من التخصص، وبدا أنه بمثابة ردّ موجه إلى "الجيل الأول الذي انجذب المنضوون في إطاره إلى أشكال من الصعود الاجتماعي أو إلى شعارات زعمت فرنسا أنها تجسّدها دون تطبيقها". وإذا كانت مؤلفة هذا الكتاب تؤكد على فكرة مفادها أن المثقفين السوريين واللبنانيين لم يستلهموا مرجعياتهم عن الحرية والتحرر من "المرجعيات الأوروبية" بل من الانتماء مع بقية النخب في العالم إلى ثقافة كونية "مشتركة"، فإنها تشير في أكثر من مناسبة إلى تأثرهم بأفكار عصر التنوير.