تسبب خطأ غير مقصود لإحدى القنوات القبطية الناطقة باسم الكنيسة الأرثوذكسية في إثارة حالة من الجدل داخل الشارع القبطي حول أزمة الطلاق في المسيحية وتفسير بعض آيات الإنجيل بشكل خاطئ، فبينما أكد عدد من النشطاء والرموز القبطية أن تعدد تفاسير نصوص الكتاب المقدس حول الطلاق يعد طاقة أمل جديدة لإنهاء أزمة كثير من متضرري الأحوال الشخصية في الكنيسة، رفض آخرون محاولة البعض التشكيك في تفسير جميع آباء الكنيسة عبر القرون الماضية حول مقولة البابا شنودة الشهيرة "لا طلاق إلا لعلة الزنا" . كانت قناة "ctv" الفضائية التي تبث من داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، قد نشرت بياناً عبر صفحتها الرسمية علي مواقع التواصل الاجتماعي، أكدت خلاله أن عبارة "لا طلاق إلا لعلة الزنا" التي اشتهر بها البابا شنودة الراحل تعتبر ترجمة عربية ضعيفة وغير صحيحة لقول السيد المسيح "وأقول لكم أن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني، والذي تزوج بمطلقة يزني" والترجمة الأخرى لهذا النص هي "إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني" وتابعت الصفحة: أدي هذا القصور اللغوي إلي حدوث التباس عند الناس في فهم شريعة الطلاق ومفهوم الزنا الوارد بالآية ، إلا أن الكنيسة منذ قديم الزمن كانت تعرف المفهوم الصحيح للآية لذلك كانت تسمح بالطلاق دون شرط الزنا الجسدي في لائحة 38 إلي أن جاء البابا شنودة وغير شروط الطلاق بأخرى تستند إلي التطبيق الحرفي بحسب الطبعة العربية "غير الدقيقة" مما تسبب في حالة من الاستياء بين طالبي الطلاق الذين استحالت معيشتهم وأدي ذلك إلى مهاترات قضائية وفضائح اجتماعية لإثبات جريمة الزنا حتى يتم الطلاق حيث كان يضطر الطرفان إلي التراشق بالخيانة والزنا" وفي نفس السياق سبق وطرح الأنبا نيقولا مطران طنطا وتوابعها للروم الأرثوذكس والمتحدث باسم الطائفة فى مصر، دراسة حول بطلان تفسير آية "لا طلاق إلا لعلة الزنا"، وعلق مطران طنطا علي هذه الدراسة قائلاً "إن ما طرحه ليس فكرة تفسيرية بل فكرة كتابية، لأن النص الأصلي للإنجيل باللغة اليونانية يؤكد عدم دقة الترجمة العربية لهذه الآية، مؤكدًا إنه قارن النص الأصلي باللغة اليونانية التي يجيدها بالترجمة العربية له وتبين وجود اختلافات". وأشار المتحدث الرسمي باسم كنيسة الروم الأرثوذكس، إلى أن هذه الدراسة كانت غائبة عن الكثير من الطوائف، لأنهم يستندون إلى الترجمة العربية للإنجيل مضيفًا: وفى كنيستنا نعمل بلائحة 37 19، التى تتيح 9 أسباب للطلاق تطابق النص الإنجيلى بينها الزنا والهجر وتغيير الدين والعنف ضد الزوجة، ونحن متمسكون بها لأن المحاكم تعتمد عليها فى الفصل بين المنازعات بين الزوجين، وليس لدينا أى خلافات أو تعارض مع قرارات المحكمة. وتابع: وجود عدة أسباب للطلاق لا يعنى تفريط فى الزواج وقدسيته، بل يعنى فتح الباب أمام الراغبين فى الطلاق، فهناك نساء تتعرض للعنف، وتكمل حياتها من أجل الأولاد، وهناك من ترفض ذلك فيصبح الطلاق حلاً لها، مشيراً إلى أن كنيسته كانت ضمن الكنائس التى اجتمعت للتشاور حول مسودة القانون، ولكنها لم توقع على شيء، ولم تتفق حتى اليوم. من جانبه قال الدكتور جرجس يوسف، المُتخصص فى الترجمة واللاهوت في تصريح له ،إن آية "لا طلاق إلا لعلة الزنا"، لم ترد في الكتاب المقدس، ولم ينطق بها المسيح، موضحاً أن الدقة فى النص فى اليونانية تتحدث عن "تسريح" وليس "طلاق"، لكن المشكلة لا تكمن فى وجود ترجمتين- علي حد قوله. وأضاف حين نبحث عن دقة النص الأصلي نجده مرتبطًا بالسياق التاريخي، فهي تلجأ على الفور إلى أكثر الأعمال رواجا تجاريًا وهى الدعارة والذي كانت تتجه إليه المرأة ، لتعيش وتعرف كيف تنفق على نفسها وأولادها، وهنا حين تكلم المسيح عن لفظة "بورنيا" لم يكن يقصد الزنا بالمعنى الدارج اليوم، ولكنه كان يلفت الأنظار إلى قساوة القلوب التى كانت تبيح للزوج طلاق أو تسريح امرأته لأي سبب. وقال هاني عزت، مؤسس حركة منكوبي الأحوال الشخصية، إن الرابطة أول من انفردت منذ بداية حملتها فى 2009 بالتأكيد أن "لا طلاق إلا لعلة الزنى" هي عبارة وردت عن البابا شنودة ولم ترد في نصوص الكتاب المقدس، مضيفا أن الرابطة أعلنت بدراسات مستفيضة ومن تاريخ الكنيسة ومن الكتاب المقدس أن هذه المقولة هرطقة والمسيحية بريئة منها تماما، مؤكداً أن المسيح جاء بتعليم وليس بتشريع. وأشار إلى أن البابا شنودة الغى جميع اللوائح التي كانت تبيح الطلاق لأسباب بعينها مثل الجنون والشذوذ الجنسى والسجن واستحالة العشرة واستحكام النفور.. وتابع "مقولة لا طلاق إلا لعلة الزنا تثبت تماماً أنه تم الضحك على المسيحيين" مضيفاً أنهم صاروا ورائها كالقطيع دون قراءة سليمة للكتاب المقدس. وأوضح عزت، أن الآية الحقيقية هى "من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزنى"، موضحاً أن الترجمة الحقيقية لكتاب الطلاق الذي ذكر في الإنجيل فى الهجر، وفى أيام موسى النبي، هو كتاب عفة الزوجة، وليس معناه الطلاق. من جانب آخر أكد مصدر كنسي – طلب عدم ذكر اسمه- أنه لا يوجد أي أدلة تثبت ما يدعم موقف المدّعين بوجود خطأ في ترجمة نص الطلاق بالكتاب المقدس، مستنكراً محاولة البعض لإحداث فتنة بين الأقباط حول خطأ تفسير آيات الإنجيل. وقال إن جميع القواميس والترجمات الشهيرة بأكملها وبكل لغات العالم، وجميع مخطوطات الكتاب المقدس القديمة اتفقت على أن النص يحرم الطلاق إلا لعله الزنا.. موضحاً أن جميع آباء الكنيسة بلا استثناء على مدار العشرين قرناً الماضية وخاصة من كانت لغتهم الأصلية اليونانية ذكروا أن المسيح أكد أنه لا طلاق إلا لعلة الزنا، حتى الهراطقة على مر العصور لم يقترب أحد منهم لهذا النص ويفسره بأي شكل من الأشكال لغير الزنا. وأشار المصدر إلي أن باقي نصوص الكتاب المقدس تؤكد نفس المعني كنص بولس الرسول في رسالته لأهل كورنثوس (مدينة يونانية) حينما أكد على عدم فسخ الزيجة إلا للزنا فقط، مؤكداً أن هذا النص لم يرد فيه أي أسباب أخري للطلاق غير الزنا . وقال حتى الكنائس التي تمنع الطلاق تماماً كالكاثوليكية تعتمد في منعها على كتاب يسمى "الراعي لهيرماس"، الذي يقول ما مفاده أن الإباحة للطلاق في الزنا يمكن تجاوزها، أما الكنائس التي أباحت تعدد أسباب الطلاق فهي أيضا أوجدت لها مبررات للهروب من النص ولم تتحدث عن ترجمته نهائيا- علي حد قوله-. وتابع: أما ما تداوله البعض مؤخراً أن البابا شنودة "فسّر وترجم بالخطأ" ، فهم بكل تأكيد لم يقرأوا حرفاً واحداً في أي كتاب مسيحي في حياتهم، فلا يعلم هؤلاء أن تسليم الكنيسة منذ المسيح وحتى اليوم يؤكد أنه لا طلاق إلا لعله الزنا فقط وما ذكره البابا شنودة هو نقلاً عما قاله السيد المسيح. وعن موقف البابا تواضروس الثاني من هذه القضية، قال إن البابا تواضروس أكد أن الانحراف عن الأرثوذكسية "شعرة" هو خيانة، وبكل تأكيد فإن تجاهل معاني وكلمات وتفاسير قرون المسيحية لأجل إرضاء نزوات البعض هو انحراف عن الأرثوذكسية، لذا فمن المستحيل أن يتطرق قداسته إلى هذا الأمر أصلاً. ووجه المصدر رسالة إلي متضرري الأحوال الشخصية قائلاً "احتوى الكتاب المقدس على حلول لكل المشاكل الزوجية، أهمها المحبة والتواصل، وطلب تدخل الله لحل المشكلة، لذا فإن المجهود الذي يبذله البعض لتأويل النص والبحث عن الطلاق بالباطل لغير العلة، يمكنهم استثماره في الصلاة والتصرف لطلب تدخل الله لحل المشكلة".