في رحاب مبنى جامعة الدول العربية وتحت رعاية وحضور أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية بدأت اليوم أعمال المؤتمر السنوي السابع عشر "الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص أنماط جديدة للتنمية الاقتصادية" الذي تعقده المنظمة العربية للتنمية الإدارية وذلك في القاهرة خلال الفترة من 11 – 12 ديسمبر 2017. افتتح المؤتمر المهندس إبراهيم محلب – رئيس وزراء مصر السابق، والاستاذ الدكتور/ عصام شرف – رئيس وزراء مصر الأسبق، و الدكتور/ حميد القطامي – مدير عام – هيئة الصحة بدبي – دولة الإمارات العربية المتحدة، والدكتور/ ناصر القحطاني – مدير عام المنظمة العربية للتنمية الإدارية، والسفير/ سونج ايقوه – سفير جمهورية الصين بجمهورية مصر العربية، وقال الأمين العام في كلمته يُعقد مؤتمرنا هذا العام تحت عنوان مهم هو "الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص: أنماط جديدة للتنمية الاقتصادية" .. إذ لا يخفى أن التحدي الاقتصادي-التنموي هو الأخطر والأكثر الحاحاً من بين جملة التحديات الخطيرة التي تواجه بلادنا العربية.. فالتنميةُ هي الطريق الذهبي لتحقيق الأمن والاستقرار اللذين تنشدهما مجتمعاتنا وحكوماتنا العربية على حد سواء .. وقد أثبتت التجارب المختلفة، بما فيها بعض التجارب العربية الناجحة والمُبشرة، بأن تحقيق التنمية والازدهار الاقتصادي يزيد من مناعة المجتمعات ويحصنها في مواجهة تحديات الإرهاب والتطرف والفوضى. لقد رأينا في القرن المنصرم أن الطرق إلى التنمية شتى، وأن التجارب في الوصول إليها تختلف باختلاف المجتمعات، ودرجة تطورها وثقافتها.. وشهدنا صعود نماذج تنموية بعينها، واتساع رقعة جاذبيتها بين شعوب العالم المختلفة، ثم لم تلبث هذه النماذج أن كشفت عن عيوب خطيرة سواء في بنيتها الفلسفية وأساسها الفكري أو في تطبيقاتها العملية وفاعليتها في الواقع.. مما أفسح المجال لظهور نماذج جديدة تُعالج هذه النواحي، وتمزج بين التجارب المختلفة من الشرق والغرب. ولقد أخذت الدول العربية بنماذج تنموية متباينة، وأحرزت نجاحات متفاوتة اعتماداً على هذه النماذج .. ومنيت باخفاقات لا مجال لإنكارها سواء على صعيد تحقيق تراكم ملموس في النمو الاقتصادي، أو في الوصول إلى درجةٍ معقولة من التنمية الإنسانية والمُستدامة .. ولا مجال للتعميم هنا، فالدول العربية -كما نعرف جميعاً- متفاوتة من حيث الموارد والمستوى الاقتصادي، ومن ثمّ النموذج التنموي الذي تستلهمه وتطبقه. وفي السنوات الأخيرة، وجدنا العالم كله -شرقه وغربه- يُعيد التفكير في النموذج التنموي الأمثل ..ورأينا أن البحث في هذا الأمر صار عنواناً للكثير من الندوات الأكاديمية والمناقشات الفكرية والمجادلات السياسية، ذلك أن كثيرا ًمن النماذج التنموية القائمة والمستقرة أظهرت ثغرات خطيرة ونقاط ضعف ظاهرة.. وليس أدل على ذلك من أن الاقتصادات الغربية -باستثناءات معروفة- ما زالت تتعافى من الأزمة الاقتصادية التي ضربتها منذ ما يقرب من عشر سنوات .. وما زالت معدلات النمو في أغلب هذه الاقتصادات تدور حول ال 3%، مع نسب بطالة عالية للشباب، وثبات للدخول خاصة في الطبقة الوسطى.. وقد أشارت بعض الإحصائيات إلى أن دخول نحو 80% من الأسر في العالم المُتقدم لم تشهد أي زيادة خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. لقد أدت هذه الأوضاع كلها إلى مراجعات كثيرة لنماذج تنموية كانت قد اكتسبت -بواقع النجاح الذي حققته - ما يُشبه الحصانة من أي نقد .. وهناك اليوم من يُعيد البحث في مدى أهلية النظام الرأسمالي، بصورته التقليدية القائمة على المبادرة الفردية والنشاط الخاص، في التجاوب مع التحديات الصعبة التي تفرضها الثورة الصناعية الرابعة، التي قد يكون من شأنها تغيير مفهوم العمل ذاته من خلال القضاء على الكثير من الوظائف، ليس فقط تلك التي تعتمد على المهارات الدنيا، وإنما أيضاً ما يعتمد منها على المهارات المتوسطة.. وهناك من يشير إلى أن نحو نصف الوظائف التي نعرفها اليوم سوف تختفي في وقت قريب، لصالح الآلات، وأن 30% من المهارات المطلوبة للوظائف اليوم ستتبدل وتتغير خلال عامين لا أكثر. والحقيقة أن العالم العربي بدوره ليس بعيداً عن هذه التيارات العالمية، وهذه المراجعات والتساؤلات حول عناصر النموذج التنموي الناجح.. وبرغم الاختلافات الكبيرة بين الاقتصادات العربية، إلا أن ثمة سمات عامة وخصائص مشتركة تجمعها ..على رأسها اتساع مساحة الدور الذي تقوم به الدولة في المنظومة الاقتصادية.. وهو ما أفضى في أحيان كثيرة إلى تراجع في الحافز الفردي الذي يُمثل عصب أي ازدهار أو تقدم اقتصادي.. كما أدى إلى قدر لا بأس به من الترهل الإداري وتضاعف مشكلات العمالة وتضخمها بالنسبة لحجم الانتاج ... وكلها صارت -للأسف- صفات لصيقة بالكثير من الاقتصادات العربية. إن المرحلة الحالية تقتضي، من وجهة نظري، إطلاق شراكة حقيقية ومثمرة بين الحكومات والقطاع الخاص.. فدور الدولة وحضورها في المجال الاقتصادي لا غنى عنه في المنطقة العربية، إذ أن كثيراً من اقتصادات دول هذه المنطقة اعتمد تاريخياً على دور قائد للدولة .. غير أن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية رسم دور للدولة لا يؤدي لخنق القطاع الخاص ومزاحمته والقضاء على الحافز الذي يدفعه للنجاح والابتكار .. ويتمثل التحدي الثاني، وربما الأهم، في خلق علاقة ناجحة بين القطاعين، الحكومي والخاص، تؤدي إلى ازدهارهما معاً. إن الكثير من دول العالم العربي يشهد اليوم عدداً من المبادارات الضخمة التي تقودها الحكومات من أجل فتح آفاق جديدة للاستثمار .. وتعتمد هذه المشروعات على حشد هائل لموارد وطنية واستثمارها في البنية الأساسية والمرافق وإنشاء كافة التسهيلات التي تهيء الاقتصادات لاستقبال الاستثمارات الضخمة .. وهذه كلها مبادرات محمودة وتصب في الاتجاه الصحيح.. وينبغي أن تقترن بتغييرات جذرية في بيئة الاقتصادات العربية، بما في ذلك منظوماتها القانونية والمالية، لتصير أكثر جذباً للاستثمارات المحلية والأجنبية. إن التوازن الدقيق بين دور الدولة في قيادة هذه الجهود التنموية، وبين اتاحتها المجال للمشروعات الخاصة للعمل في بيئة تنافسية يُمثل التحدي الأكبر أمام كثير من الدول العربية .. ويقيني أن جلسات مؤتمركم ستتناول القضايا المتعلقة بكيفية تحقيق هذا التوازن من زوايا مختلفة.. وهو موضوع مهم ويحتاج إلى نقاشات مطولة من أصحاب الخبرة في الاقتصاد والإدارة في عالمنا العربي. وأود في هذا الصدد أن أشير إلى واحدة من القضايا التي أراها ذات أهمية محورية في المرحلة القادمة.. إن بعض مناطق العالم العربي تشهد اليوم عدداً من الصراعات الخطيرة التي أفضت إلى هلاك الإنسان وخراب العمران بصورة غير مسبوقة.. وكلنا نُشاهد، في ألم وأسى، ما صارت إليه بعضٌ من أزهى الحواضر العربية من تدمير وتخريب .. وهناك من يُقدر كلفة إعادة إعمار هذه المدن بنحو تريليون دولار.. أعلم أن المدافع لم تصمت بعد، غير أن علينا الاستعداد لمرحلة إعادة الإعمار من اليوم.. إن جهود إعادة الإعمار قد تكون فرصة مثالية لجهد عربي متكامل من أجل بناء ما خُرب وجبر ما انكسر .. وتجارب التاريخ شاهدة على أن مثل هذه العمليات الكبرى لإعادة إعمار المدن التي دمرتها الحروب كثيراً ما حملت للمجتمعات والبلدان التي جرت فيها فرصاً للنمو الاقتصادي والتنمية. لا يخفى أن هناك في الخارج من يتأهب للانقضاض على هذه المكاسب المحتملة ...ولكن لا ينبغي أن يبني مدن العرب سوى العرب.. إن إدارة عملية إعادة الإعمار بصورة رشيدة ومخططة وتكاملية من شأنها ضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصادات العربية .. سواء في القطاعات الحكومية أو القطاع الخاص .. وبما يفتح الباب لشراكة مُثمرة بينهما لإدارة عمليات على هذا القدر من الضخامة والاتساع. أخيراً أقول إن الاقتصادات العربية تنطوي على إمكانيات هائلة وفرص لا محدودة للنجاح والتفوق.. غير أن الأمر يحتاج إلى تبني النموذج التنموي السليم الذي يلائم ظروفنا ويلبي حاجاتنا ولا يخاصم -في الوقت ذاته- المستجدات والتحديات التي يفرضها عصرنا. إنني أرجو لأعمال مؤتركم كل النجاح والتوفيق، وأتوقع أن يشهد اسهامات معتبرة وبناءة في النقاش العام في العالم العربي حول النموذج الاقتصادي الأمثل، وكيفية صياغته وتطبيقه. وقال ناصر القحطاني مدير عام المنظمة العربية للتنمية الإداريةيدور موضوع هذا المؤتمر حول الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص من أجل تنمية اقتصادية فاعلة ومستدامة. ومن خلال هذا العنوان، يمكن الإشارة وبعجالة إلى عدد من النقاط، أهمها: أن التنمية الإدارية الفاعلة شرط أساسي لتحقيق أهداف التنمية الشاملة. أن أداء الأجهزة الحكومية أو القطاع العام يؤثر على الاستقرار والأمن والسلم الاجتماعي. يرى كثير من المراقبين أن الكثير من المؤسسات الحكومية العربية تعاني من تدني في مستويات الأداء وغير قادرة على تحقيق الأهداف المرجوة منها. أن الجهاز الحكومي أصبح ملاذاً للبطالة المقنعة وعبئاً اقتصادياً كبيراً على الدولة حيث يستهلك الباب الأول ما بين 80 إلى 90% من الموازنة في الكثير من المؤسسات والوزارات العربية. أن ما يقرب من 70% من القوة العاملة تعمل في القطاع العام أو الحكومي. في ظل وضع كهذا، أصبح الهدف من هذه المؤسسات الحكومية هو استيعاب أكبر قدر من الموظفين وبالتالي تحول الجهاز الحكومي إلى مؤسسات ضمان اجتماعي و مصدر رزق ومصدر دخل للعاملين فيه...أي أن الوظيفة لخدمة الموظف وليس المواطن والمستفيد ولا حتى خدمة الأهداف التي أنشئت من أجلها المؤسسات الحكومية! نتيجة لذلك، تدنى مستوى الخدمات، بل لم تعد الكثير من المؤسسات الحكومية قادرة على تقديم خدماتها مما انعكس على مستوى رضا المواطن والمستفيد عن أداء الحكومات . ولعل الوضع العربي الراهن خير شاهد على الأقل في بعض الدول العربية.أي أن هناك علاقة طردية بين مستوى أداء الجهاز الحكومي ومدى رضا المواطن عن الحكومة بشكل عام. صحيح، أن الحكومة تظل مسؤولة عن معالجة مشكلة البطالة ولكن ليس من خلال زيادة العبء على الجهاز الحكومي بل من خلال تفعيل دور القطاع الخاص- الشريك الرئيس في أي مشروع تنمية ناجحة. تشير الكثير من الإحصائيات إلى أن نسبة العاملين في القطاع العام بالدول النامية ما بين 70 إلى 80% من إجمالي القوة العاملة، بينما المعادلة الصحيحة يجب أن تكون على العكس من ذلك بحيث يشغل القطاع الخاص النسبة الأكبر. إذاً، حان الوقت لأن تعيد الحكومات العربية النظر في وضع الجهاز الحكومي وأن تُفعل الشراكة مع القطاع الخاص بما يحقق الأهداف التالية: 1-الحفاظ على مؤسسات الدولة وبدون اللجوء إلى الخصخصة. 2-تقديم خدمات ومنتجات بجودة أفضل، وبالتالي درجة أعلى من رضا المواطن والمستفيد عن هذه الخدمات وبالتالي عن الحكومات. 3-تحقيق عوائد وإيرادات بدلاً من الصرف على هذه المؤسسات. 4-ستبقى الحكومات قادرة – بحكم الشراكة – على التحكم في سياسات وممارسات هذه المؤسسات. إننا ومن خلال هذا المؤتمر، ندعو الحكومات العربية إلى النظر وبشكل جاد في الشراكة مع القطاع الخاص كخيار وتوجه استراتيجي بعد دراسة مُعمقة للخدمات المستهدفة والآليات المناسبة لمثل هذه الشراكة وذلك من أجل تنمية إقتصادية فاعلة ومستديمة. وقال دولة رئيس الوزراء ابراهيم محلب مما لا شك فيه أن مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص أهمية متنامية يوم عبد اللآخر – نظرا لعدم إمكانية الاعتماد على الانفاق الحكومي وحده في إقامة مشروعات الخدمات العامة والبنية الإساسية بكفاءة أكبر وتكلفة أقل- مما يساعد على رفع مستوى المعيشة وتحقيق معدلات التنمية المنشودة. عقد المؤتمر بمشاركة العديد من أصحاب المعالي الوزراء والمتخصصين وحضور مشاركين من السعودية ومصر والعراق والسعودية وقطر واليمن والصين ولبنان والإمارات وسلطنة عمان والسودان والأردن. يسعى المؤتمر السنوي السابع عشر "الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص أنماط جديدة للتنمية الاقتصادية" لإرساء آليات قوية تحقق مجموعة من الأهداف منها مساهمة القطاع الخاص بأعباء التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومسؤولية بناء المستقبل، وزيادة الاستثمار في بنية تحتية ذات مواصفات عالمية من أجل بناء اقتصاد ديناميكي ومتنوع، والعمل على خلق مناخ استثماري قادر على جذب الأموال والتقنيات الأجنبية وتشجيع الاستثمارات الوطنية، وتطوير أداء مشروعات الحكومة والقطاع العام بإدخال عناصر ذات فاعلية ديناميكية يتصف بها القطاع الخاص المدفوع بأهداف النجاح وتحقيق الأرباح، بالتزامن مع تطوير الأجهزة الحكومية لزيادة كفاءتها وتحقيق المزيد من الشفافية والمساءلة، وتغيير انماط نشاط الحكومة من التشغيل لمشروعات البنية الاساسية والخدمات العامة، لتركز على السياسات، ووضع الاولويات لأهداف ومشروعات البنية الاساسية ومراقبة مقدمي الخدمات وتنظيم الخدمة، وخلق بيئة اقتصادية منفتحة ومرنة قادرة على التنافس في عالم متغير، ومواجهة اشكاليات ضعف الاداء الحكومي في ادارة مشروعات الاستثمار وضعف الصيانة والتشغيل غير الكفوء، باعتماد حيوية القطاع الخاص وخبراته ومهاراته. يعقد المؤتمر بالشراكة مع مؤسسة شرف للتنمية المستدامة، وادارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأممالمتحدة، وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومركز كازرتا للتدريب في إيطاليا، والبنك الدولي، ووزارة الاشغال العامة – فرنسا، والجمعية الألمانية للتعاون الدولي، و منظمة الشفافية الدولية، والمؤسسة الاوروبية للتدريب، وشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية.