كنز كبير تمتلكه مصر يتجسد في أكثر من 60 مزارًا أثريًا ظلوا آلاف السنين شاهدين على رحلة العائلة المقدسة التي مرت من خلالها إلى أرض محافظات مصر، ورغم ذلك فان غالبيتها تعاني الإهمال والتجاهل من الدولة، في ظل غياب كبير لهيئة تنشيط السياحة المصرية، واختزال كل ذلك في 5 مناطق فقط. الرحلة العظيمة والتي أقرها بابا الفاتيكان مؤخرًا ضمن مزارات رحلة الحج للأقباط ، تمثل مصدرًا هامًا مرتقبا لتنشيط السياحة المصرية، اذ جات العائلة المقدسة الى مصر هربا من بطش الملك هيرودس بأورشليم، وجابت أنحاءها بمسافات قاربت ال 2000 كيلو متر داخل محتلف المحافظات المصرية, ضمت السيدة مريم وابنها عيسى عليهما السلام ويوسف النجار، ومازالت تمثل تلك الرحلة قدسية كبيرة للأقباط والمسلمين في نفس الوقت، بعد أن تركوا بها آثارًا ليتبارك بها الجميع، ورغم أن اعتماد الفاتيكان للمزارات بمصر جاء بدون تحديد مكان معين بل اعتمد كافة مزارات العائلة ، إلا أن مسؤولي وزارة الآثار بقطاع الآثار الاسلامية والقبطية، كانوا قد أعلنوا منذ أشهر قليلة مضت عن تجهيز ملف حول مسار العائلة المقدسة في مصر يضم 5 مواقع أثرية فقط ، الأمر الذي يشير الى تهميش العديد من المناطق الأخرى التي أقامت في بعضها العائلة المقدسة عشرات الليالي. من جانبه قال اسحق الباجوشي ,الباحث الأثري في القبطيات وأحد المختصين بدراسة رحلة العائلة المقدسة بمصر , إن الدولة تجاهلت بشكل كبير عدة مزارات هامة للعائلة المقدسة ، إذ تُقدر المزارات بنحو 64 مزارًا تقريبًا، ما بين أديرة وكنائس ومخابىء بالجبل وآبار وأشجار وغيرها، بمسافة قطعتها العائلة قاربت الالفين كيلو متر، ورغم ذلك فان الدولة لم تعترف وتدرج إلا 5 مزارات فقط في ملفات المزارات التي اعتمدتها من اليونسكو، وهي , أديرة وادي النطرون بصحراء البحيرة ، ودير المحرق في أسيوط ' وجبل الطير في المنيا، وكنيسة أبوسدة في المغارة بمصر القديمة، وشجرة مريم في المطرية، مشيرًا إلا أنه من بين تلك المناطق التي تناستها الدولة مناطق عكفت بها العائلة المقدسة لأكثر من 40 يومًا وهي منطقة الأشمونين بمدينة ملوى بمحافظة المنيا، مستنكرا استمرار مسلسل التهميش وعدم الكشف عن تلك المناطق الهامة بشكل كارثي ، كما أنه يضيع على الدولة فرص استثمارية هائلة تساهم في دفع عجلة السياحة وتشغيل الشباب. وأضاف الباحث الأثري أن هناك عدة دراسات هامة تدور عن رحلة العائلة المقدسة بلغت نحو 50 دراسة بحثية ، بها أسرارًا هامة لا يعلمها الكثيرون ، وأن عدم نشر وزارة السياحة لتلك الدراسات والرسائل البحثية الهامة في مواقعها يعد أزمة حقيقية ، مطالبا بلجنة علمية تتولى ملف رحلة العائلة المقدسة والتعامل معه بذكاء وحسن إدارة ، موضحا أن الاهتمام بهذا الملف سوف يساهم فى استقدام أكثر من 5 ملايين سائح للمحافظات سنويا على أقل تقدير. وأكد "الباجوشي" أن محافظة المنيا , تعد أغنى المحافظات التي باركتها العائلة المقدسة برحلتها الى مصر ، حيث بها نحو 20 مزارًا تقريبا للعائلة المقدسة ، ولا يأتي اليها أحد بل لا يعلمها غالبية الأهالي باستثناء منطقتي دير جبل الطير بسمالوط وشجرة مريم البهنسا التي تقع في مركز بني مزار ، مصيفًا أن هناك كواليس كثيرة يجب أن تهتم بها وزارة السياحة والآثار خلال الاعلان عن تلك الرحلة على أرض مصر وعدم الاكتفاء بالمناطق التي أدرجتها الحكومة واعتمدتها من اليونسكو حتى لا يترسخ لدى البعض بأن تلك هي المناطق التي جابتها العائلة المقدسة فقط، خاصة أنه كلما زادت الأماكن كلما زادت الأعداد الوافدة للزيارات ما ينعكس بالإيجاب على الحالة الاقتصادية للبلاد. وطالب الباجوشي بأن يتم استغلال المزارات الهامة بتلك الرحلة المباركة بعمل مراكز للأعمال اليديوية ، وإحياء الحرف التراثية التي أوشكت على الاختفاء ، ما يعود بالنفع على الشباب من أبناء تلك المناطق ويدفع عجلة التشغيل والتنمية، خصوصا أن أبناء الصعيد بارعون في تلك الحرف لكنهم يحتاجون إلى السوق الجيد لترويج أعمالهم. وقال الدكتور رجب عبد السلام مدير الآثار القبطية والاسلامية بمنطة آثار مصر الوسطى ، إن ادراج مزارات رحلة المقدسة بمصر ضمن زيارات الحج للاقباط يعد مرحلة جديدة للسياحة المصرية، لافتا إلى أن هناك عدة اجراءات تقوم بها وزارة الآثار لتطوير المناطق المدرجة للزيارات تتمثل في عمل الاستراحات وتمهيد الطرق وتوصيل المرافق بشكل كامل بما يليق مع المرحلة المقبلة. وناشد عبد السلام هيئة تنشيط السياحة ببذل مزيد من الجهد نحو مزارات تلك الرحلة الهامة، من خلال الدعايا خارجيا، واستهداف السفارات والوزارات والشركات السياحية الكبيرة، متوقعا أن تصل الزيارات العام المقبل عقب إدراج رحلة العائلة المقدسة ضمن مزارات الحج للأٌقباط، إلى خمسة ملايين زائر على الأقل.. وقال علاء الغمري الخبير السياحي ، وعضو لجنة السياحة الدينية بغرفة الشركات السياحية سابقًا ، إنه لا بد من النهوض بالسياحة الدينية خاصة ما يتعلق برحلة العائلة المقدسة بمصر، والتي نتوقع جذبها لملايين الزائرين سنويا،لافتا غلى أن هذا الأمر يحتاج لارادة سياسية كبيرة، ولكننا نفقتد ذلك في وزارة السياحة خصوصا تجاهلها إعداد برامج تنشيطية حقيقية قادرة على جذب السائحين من مختلف دول العالم وتسويق رسالتنا بحرفية شديدة، مستنكرا أن يكون كل ما أعلن عنه بخصوص هذا الشأن من إدراج رحلة العائلة المقدسة ضمن المزارات العالمية هو المؤتمر الذي تم عقده بالفاتيكان فقط . وأعرب الغمري عن استيائه الشديد من التفكك الذي يضرب اتحادات الغرف السياحية، بعد حلها واستمرار عملها بمجالس تسيير الأعمال منذ عام ونصف، وعدم تصديق الوزير على اجراء انتخابات لعودة مجالسها المنتخبة في وقت شديد الأهمية تحتاج فيه السياحة المصرية الى العودة بقوة وأن تتضافر جهود الشركات، متسائلا : لمصلحة من تدار الغرف السياحية والاتحاد الخاص بها بمجالس تسيير أعمال. يذكر أن رحلة العائلة المقدسة التي هربت خلالها من أورشليم بفلسطين إلى مصر في رحلة طويلة عبروا خلالها الصحراء ، بدأت من الصحراء الواقعة بين مدينتي العريش وبورسعيد ، ومنها إلى سمنود مرورا بوادي النطرون ثم المطرية بالقاهرة وعين شمس، ومنطقة مصر القديمة ، وبعد أن وصلت العائلة المقدسة المنطقة المعروفة ب " بابليون " بمصر القديمة انتقلت إلى محطة جديدة حتى وصلت العائلة للمعادي ، الموجودة فيها كنيسة العذراء حتى الآن ، والتي تشتهر بمنطقة " العدوية " التي عبرت منها العائلة المقدسة النيل إلى الصعيد خاصة في المنيا بعد أن ذهبت الى منطقة البهنسا وتركت بئرا أثريا هناك وشجرة استظلت تحتها، بعدها توجهت لدير جبل الطير الشهير ، واستمرت رحلة العائلة المقدسة، حتى وصلت إلى دير المحرق بأسيوط، وقضت السيدة مريم هناك 6 أشهر و10 أيام، وتعد هذه أهم المحطات التي استقرت بها العائلة المقدسة .