كيف سيكون شكل التعامل بين الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب والعرب بعد تولى الأول منصبه رسميا؟ وكيف ستكون سياسته فى الشرق الأوسط؟.. ربما هذه الأسئلة هى محور المحللين فى مختلف دول العالم عامة وداخل إسرائيل خاصة باعتبارها العدو اللدود لمعظم البلدان العربية بغض النظر عن علاقتها الدبلوماسية بالبعض منها.. هذه الأسئلة حاول الإجابة عليها الباحث الإسرائيلي مردخاي كيدار في مقال له نشره موقع ميديا تحت عنوان "العالم الإسلامي يخشى ترامب" ،استعرض خلاله عددا من مخاوف المنطقة من سياسات الرئيس الأمريكي الجديد. وقال "كيدار" إن هناك ثمانية أسباب تمثل قاعدة للمخاوف العربية والإسلامية من ترامب، والتي تبدو واضحة على حد زعمه في وسائل الإعلام العربية، يتعلق إحداها بإسرائيل التي قد تنجح بواسطة الرئيس الأمريكي الجديد ليس فقط في إجبار العرب على معاهدة سلام، بل في فرض ما أسماه بمعاهدة استسلام. وأشار إلى أنه من يتابع وسائل الإعلام العربية يجذب انتباهه أن انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة يمثل للكثيرين كابوسا تحقق, كما يتزايد الرعب ويسيطر على الكثيرين منهم. ولفت إلى أن هناك محاولة لإخفاء الخوف من ترامب، لأن إبداء الخوف أمر مهين، لكن من ينصت جيدا لما يقوله متحدثون بلغات الشرق الأوسط لا يمكنه التخلص من الانطباع الذي يؤكّد أن الكثيرين يتحدثون انطلاقا من الشعور بخوف قوي وقلق عميق. وأوضح أن هذا الخوف ناجم عن عدة عناصر تزيد من حدته ،أهمها الشائعات حول تقارب الأفكار السياسية وحتى الشخصية بين ترامب والرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وقد أثبت الأخير بتدخله في سوريا أن ليس له قيود أو حدود ، ف "بوتين" ليس لديه مشكلة في قصف مدن بوحشية وسحقها على رؤوس سكانها أطفالا ونساء وشيوخا دون أن ينصت لأحد في العالم، وإن كان مجلس الأمن الذي تملك روسيا فيه حق النقض ومن خلاله تعرقل أي قرار يعارض الطريقة الوحشية التي تتعامل بها مع كل من يعترض طريقها. واستكمل "كيدار" بأن هناك مسألة أخرى هي الاتفاق مع إيران، فرغم أنهم في السعودية ودول الخليج وكذلك في إسرائيل يحدوهم الأمل في أن يلغي ترامب أو يعلق أو يعدل الاتفاق النووي الذي دفع أوباما القوى الغربية إليه، فإنهم في دول الخليج قلقون من أن تكون الولاياتالمتحدة وحدها في هذا المضمار، بينما تواصل الدول الموقعة عليه، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين وألمانيا، تطبيقه وضخ الأموال لآلة الحرب والإرهاب الخاصة بنظام آية الله، ليحيدوا بذلك نوايا ترامب. وزعم "كيدار" أن الزعماء العرب في الخليج يخشون من إعلان ترامب نيته التركيز على الشئون الأمريكية، والامتناع عن التدخل في الصراعات بأنحاء العالم، وهو الإعلان الذي يسمح للإيرانيين بالاستمرار في أفعالهم بلا توقف، كتورطهم في اليمن والعراق وسوريا ولبنان ودول أخرى ،وتمثل الأقليات الإيرانية والشيعية بدول الخليج تربة خصبة لأنشطة تخريبية ضد سلطات تلك الدول. وأكد "كيدار" أن العرب ينظرون أيضا إلى نقل السفارة الأمريكية للقدس الذي يتحدث عنه ترامب كخطوة إشكالية للغاية في عيون الكثير من المسلمين والعرب، لأن أي تحسن في مكانة القدس تحت السيطرة الإسرائيلية ينطوي على فشل الدول العربية والإسلامية في محاولتها إخضاع إسرائيل، والقضاء عليها كما يتمنون, كما يخاف الجيران العرب والمسلمون من استقواء إسرائيل بشكل كبير ،إلى درجة أن تفرض على جيرانها معاهدة سلام أو بمعنى آخر معاهدة استسلام يضطرون بموجبها للاعتراف بطابعها اليهودي والاعتراف بفشلهم على مدى سنوات عديدة تخللتها الكثير من الحروب. وقال الكاتب إن حضور رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو حفل تنصيب ترامب ينظر له في العالم العربي والإسلامي كصداقة عميقة بين اثنين من أعداء العرب والإسلام، وهي صداقة لا يمكن أن يحدث بفعلها أي شيء إيجابي، لكل من يريد أن يرى انهيار إسرائيل. وأضاف أنه بشكل مواز لما يحدث في الشرق الأوسط، هناك أيضا مخاوف لدى المسلمين المقيمين بالولاياتالمتحدة، من المواطنين والمهاجرين الذين لم يحصلوا بعد على الجنسية،حيث يتخوفون من أن تصبح الحياة في الولاياتالمتحدة أصعب خلال فترة ترامب،و يخشى الكثيرون من المسلمين الذين يعيشون في الولاياتالمتحدة بسلام وسكينة من عودة الدين الإسلامي إلى قائمة الأشياء المشبوهة التي يتعين التحقق منها في جميع وكالات التحقيق الفيدرالية والمحلية، كما يخشون من أن يزج بالناس في السجن أو يطردون خارج البلاد إذا ما كتبوا فقط أو قالوا في وسائل الإعلام والاجتماعية شيئا يمنح الأذرع الأمنية الأمريكية سببا للنيل منهم. وأوضح أن الكثير من المسلمين في الولاياتالمتحدة يتخوفون من زرع أجهزة تنصت واستماع في مساجدهم وبيوتهم، وتعقبهم في الشوارع وتفتيش أعمالهم التجارية، ومن التحقيق في تبرعاتهم والشكوك التي ستوجه إليهم كشركاء للإرهاب، فقط لأنهم يصلون خمس صلوات يوميا، ويأكلون "الحلال" ولا يحتسون الخمور. وأشار إلى أن مخاوفهم الكبرى تكمن في تنامي الأجواء المعادية للإسلام التي تتطور بسرعة في الشارع الأمريكي، والتي يؤججها ترامب من وجهة نظرهم, وأضاف أن هذه الأجواء ستهينهم وتذلهم، ويمكن أن تؤدي أيضا إلى اندلاع عنف ضد المسلمين، لا سيما من قبل قوميين أمريكيين متطرفين متمثلين في منظمات مثل "كو كلوكس كلان"، التي استمد أعضاؤها زخما كثيرا من فوز ترامب ووفقا ل "كيدار" يتحدث كثير من المسلمين عن خوف الناس منهم، ورفضهم الإقامة بجوارهم، وعن تمييز فج ضدهم في كل ما يتعلق بالقبول في العمل. وقال الكاتب إن ملايين المسلمين في إفريقيا وجنوب ووسط أمريكا ممن أملوا في الوصول خلال مرحلة ما من حياتهم إلى "الأرض الموعودة"، أي أمريكا، قلقون الآن،حيث يدركون أن حديث ترامب عن تقليص الهجرة الإسلامية للولايات المتحدة يعني أنهم سيظلون إلى الأبد في بلدانهم التي تسير بصعوبة في أفضل الأحوال، وفي الأحوال العادية تشكل ساحات للدم والنار، يعاني أهلها من العنف، والحروب والإهمال وانعدام الأمل والحياة الطبيعية. وأشار إلى أن إغلاق أبواب الهجرة الإسلامية للولايات المتحدة يسبب إهانة كبيرة، لأن من خابت آمالهم في الهجرة، يشعرون أن أمريكا تعاملهم كبشر أقل شانا وخطرا. وزعم "كيدار" أنه حاليا يوجد في قلوب بعض الحكام العرب من أصحاب "البترو-دولارات" الوفيرة مثل أمير قطر، شعور بقلق بالغ من تراجع قدرتهم على شراء سياسيين أمريكيين والتأثير على اتخاذ القرارات بالولاياتالمتحدة من خلال أموالهم الكثيرة. وشدد الكاتب على أن احتفالات الإخوان المسلمين ضمن طاقم البيت الأبيض ووزارة الخارجية على وشك الانتهاء، وكل المسلمين الذين أحاطوا بالرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما وطاقمه سيضطرون للبحث عن طرق أخرى، ربما سرية، للإمساك بالخيوط السياسية ومحاولة التأثير على قرارات ترامب. وتوقع "كيدار" شكوى الكثير من المسلمين في الولاياتالمتحدة من "الإسلاموفوبيا"، وربما نرى أيضا رحيل مسلمين من هناك إلى دول صديقة أكثر لهم أمانا كبريطانيا وكندا. وأوضح أن ترامب، حتى قبل دخوله البيت الأبيض، نجح في تعكير الأجواء لدى الكثير من المسلمين والعرب الذين ينظرون إلى الأربع وربما الثماني سنوات المقبلة مثل كابوس ستكون توقعاتهم بانتهائه كبيرة وعميقة، وتشمل الكثير من المجتمعات في الشرق الأوسط وما وراؤه. وتساءل كيدار كيف سيؤثر كل ذلك على إسرائيل؟ وأجاب بشكل عام، عندما يخشى العرب والمسلمون شيئا ما، فإن ذلك الشيء مفيد لإسرائيل. يكفي أنهم سيبدأون في التعامل مع الولاياتالمتحدة على محمل الجد، الأمر الذي أنهاه أوباما، ليتحسن وضع إسرائيل. وقال إن العرب والمسلمين يخشون أن يبيع ترامب السلاح والتكنولوجيا المتطورة لإسرائيل، ويدافع عنها فيما يتعلق بالقضية النووية، ويؤيد السيطرة، وربما حتى الوحشية الإسرائيلية، ويردع أعداء إسرائيل ويميل إلى اعتبارهم إرهابيين وأعداء للولايات المتحدة. وتابع حديثه: كل هذه الخطوات تضع إسرائيل في مكانة عالية للغاية في عيون المتآمرين ضدها. وتساءل هل لهذا الأمر ثمن يدفعه العرب وأجاب بأنه بالطبع نعم, وفي هذا الإطار ،إذا قلنا أن أكبر كابوس يزعج العرب حاليا هو نقل السفارة إلى القدس ،فيجب أن نعلم أنه في البداية عين ترامب المحامي ديفيد فريدمان سفيرا للإدارة في إسرائيل، والأخير لمن لا يعرفه ليس معاديا للعرب فحسب، بل هو معاد لكل من يخالفه الرأي من اليهود، حتى أنه اتهم جماعة "جي ستريت" اليسارية اليهودية بأنها تعاونت مع النازيين. وواصل الكاتب حديثه: "بعد ذلك، يأتي تمسك ترامب بفكرة نقل السفارة، ليؤكد على خطر انقلابه على السياسة التقليدية الأمريكية، في واحدة من تعهداته الأكثر إثارة للخوف والقلق"، وإلى جانب قضيتي السفير والسفارة، انعكست حالة الشد والجذب بين الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة أوباما يناير, والحالية برئاسة ترامب على ضوء قرار مجلس الأمن الجديد حول وقف الاستيطان،وهومشروع القرار الذي كانت تقدمت به مصر لوقف الاستيطان في الأراضي المحتلة، ثم سحبته ، ثم عاد وطرح للنقاش مع دعم كل من السنغال وفنزويلا وماليزيا ونيوزيلندا، وتم إقراره بموافقة 14 دولة وبطبيعة الحال ضغطت إسرائيل لسحب القرار، وأعلنت رفضها له بعد إقراره. لكن اللافت كان ترحيب الإدارة السابقة برئاسة أوباما بالقرار، بينما هدد ترامب قائلا في تغريدة على تويتر إن "بالنسبة للأمم المتحدة، ستختلف الأمور بعد 20 يناير". وكان ترامب حث الإدارة الأمريكية على استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار. وإذا رجعنا بالتاريخ فإنه فيما يتعلق بمخطط النقل، فهو ليس جديدا في الواقع منذ تبني الكونجرس، في عام 1995، قرارا بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ووعد كل من بيل كلينتون وجورج دبليو بوش بحصول ذلك بمجرد تنصيبهما، ولكن لم يحدث ذلك. وفي المقابل، دأب الرؤساء على توقيع قرارات كل 6 أشهر من أجل تأجيل النقل، وهذا كان الحال مع باراك أوباما الذي اعتبر في ذلك حماية للمصالح القومية للولايات المتحدة، لكن ترامب يبدو أقل ميلا ممن سبقه إلى التراجع عن فكرته. فوفقا لما تقوله مجلة فورين بوليسي فإن ذلك سيكون خطأ قاتلا، ليس فقط للفلسطينيين ولكن لسمعة أمريكا ودبلوماسيتها، كما للأمن القومي الإسرائيلي. وواصل الكاتب حديثه:"كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية ما دار في الاجتماع المغلق بين مايكل فلين، الذي كان قد اختاره ترامب لمنصب مستشار الأمن، ورئيس الموساد يوسي كوهين، حيث نقل الأول رسالة مفادها أن ترامب جاد في نقل السفارة إلى القدس, كما نقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" عن المستشارة البارزة لترامب "كيلي-آن كونوي" ما قالته عن أن السفارة في القدس يعد أولوية كبرى للرئيس الأمريكي الجديد معلقة بأنه "كان واضح في حملته الانتخابية" حول ذلك، كما حول اعترافه بالقدس كعاصمة لإسرائيل.