قبل ساعات فقط من تنصيب دونالد ترامب رئيساً رسمياً للولايات المتحدة. نشرت بعض المواقع الإخبارية تصريحات له يؤكد فيها من جديد التزامه بتنفيذ وعوده بنقل السفارة الأمريكية إلي القدس فور توليه منصبه. والحقيقة أن ترامب لم يتوقف. منذ ترشحه للرئاسة. وبعد فوزه بها عن ترديد هذا الوعد. ولا يفوت مناسبة إلا ويكرر التزامه بنقل السفارة من تل أبيب إلي القدس. والواضح. أنه جاد في ذلك. كما ذكرت في مقال سابق في هذا المكان. وحتي كتابة هذه السطور. لم يكن قد أقيم حفل تنصيب الرئيس الأمريكي لتولي مهام الرئاسة الامريكية. ولا أدري إن كان قد تطرق في الحفل إلي مسألة نقل السفارة أم لا. وهناك كثير من المحاذير والمخاوف التي يثيرها المراقبون حول إقدام ترامب علي هذه الخطوة التي تمثل تحولا دراميا في سياسة الولاياتالمتحدة ورؤسائها. إذ سبق لكثير من الرؤساء تأجيل نقل السفارة "لاعتبارات تخص الأمن القومي الأمريكي والمصالح الأمريكية بوجه عام". وبخلاف ما قد يمثله نقل السفارة. كقنبلة موقوتة تهدد بتفجير الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط ووربما اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة وبغض النظر عن احتمالات استهداف المصالح والمواطنين الأمريكيين بأعمال إرهابية في أماكن شتي من العالم. هناك أمور أخري كثيرة قد تترتب علي مثل هذه الخطوة وتضر بمصالح أمريكا وعلاقاتها الدولية. وبحسب تصريحات منشورة لمصادر إسرائيلية. فمن المرجح الإعلان عن نقل السفارة الأمريكية إلي القدس في هذا الاسبوع. حيث ذكرت هذه المصادر "إن طاقماً أمريكياً تفقد الموقع المخصص لإقامة مبني السفارة". ولو صح ما يتردد ويقال. ولو تم الاعلان بالفعل عن نقل السفارة. فلا شك في أن هناك عددا من المشكلات التي ستتفجر نتيجة لذلك. يأتي في مقدمة هذه المشكلات. إضافة إلي تفجر العنف في المنطقة. أن نقل السفارة معناه تضحية الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بعلاقاتهما مع دول الخليج. وهي. بلا شك علاقات تعاون استراتيجي لكلا الطرفين.. فدول الخليج تبحث عن مظلة الحماية الأمريكية. وأمريكا تريد أن تحافظ علي مصالحها في المنطقة. باعتبارها كنز الطاقة العالمية. حتي وإن قل اعتماد أمريكا علي البترول الخليجي. بعد توسعها في مشاريع استخراج الزيت الصخري لديها. وربما الانتخابات التضحية بالعلاقات مع الدول الخليجية تتسق مع رؤية ترامب في ضرورة الحد من دور أمريكا باعتبارها حارس الأمن العالمي. والدليل علي ذلك هو إفساح مجال لروسيا لتلعب دوراً أكبر في قضايا المنطقة. ولكن ذلك قد لا يتفق مع الاستراتيجية الأمريكية طويلة الأجل. ويشير بعض المحللين إلي أن أي قرار يمس المدينة المقدسة سيصب في صالح إيران وحلفائها.. وكلنا نعلم موقف ترامب "المعلن" تجاه الاتفاق النووي مع إيران. حيث وصفه بأنه أسوأ الاتفاقيات وهذا يعطي الفرصة لإيران وحزب الله وغيرهما لصب مزيد من الزيت علي النار وتأجيج جذوة الصراع مع إسرائيل. في الوقت نفسه. تثور المخاوف من أن إقدام ترامب علي نقل السفارة للقدس يعني. بل ويؤكد. تخلي أمريكا عن مبدأ "عدم جواز ضم الأراضي بالقوة العسكرية" لكن الواضح أن التخلي عن هذا المبدأ معمول به من قبل - دون الإعلان عن ذلك صراحة - فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وفيما يتصل بجزيرة مقدونيا التي ضمتها روسيا بالقوة من أوكرانيا. واحتفاظ إسرائيل بهضبة الجولان حتي اليوم. المحتمل أيضاً. حسبما يري بعض المحللين. أن هناك أضراراً كبيرة ستلحق بعلاقات إسرائيل مع كل من مصر والأردن. وهما الدولتان الوحيدتان في المنطقة اللتان وقعتا اتفاقا للسلام مع إسرائيل. ولاشك في أن هذا سيؤثر كثيراً علي وضعية إسرائيل في المنطقة وعلي سعيها للاندماج فيها. وبغير شك فإن الإدارة الأمريكية وإسرائيل تدركان هذه الاحتمالات ويري بعض المحللين - خروجاً من المأزق - أن يكتفي ترامب ببناء مقر السفارة مع تأجيل نقل الدبلوماسيين الأمريكيين إليها حتي إشعار آخر. وبذلك ينزع فتيل هذه القنبلة المدمرة. ولو بصفة مؤقتة.