في رحاب مسجد الحسين ، يقف رجل خمسيني داخل ورشة تمتلئ جدرانها بالأعمال الصدفية البديعة التي تضفي على المكان مزيداً من الأصالة، ممسكاً بين يديه علبة من الخشب يقوم بتطعيمها بقطع من الصدف التي تحولها من مجرد علبة خشبية إلى تحفة فنية بديعة. يضع عم أحمد حسين قطعة إلى جوار قطعة من الصدف، ويقول لنا: "بدأت العمل في صناعة الصدف منذ خمسة وثلاثين عاماً، من يومها وأنا أعيش مع الصدف، وأصنع قطعاً فنية تبهر من يراها". يمسك الرجل بعلبة خشبية قبل بدء العمل فيها وأخرى انتهى من تطعيمها بالصدف، قائلاً بفخر: "من يصدق أن هذه العلبة الخشبية العادية، يمكن أن تتحول إلى تحفة فنية مثل هذه"، ثم يضيف بثقة "الصدف عامل زي الكريمة اللي بتحلي التورتة". ينظر الرجل في مرآة مرصعة بالصدف ويتنهد تنهيدة طويلة، وهو يردد "الشيء الأصلي كلما يتقدم به الزمن يرتفع ثمنه، لكن في زماننا هذا، أصبح الشيء الأصلي نادراً جداً، الناس في الأزمنة الماضية كانت تبحث عن التحف والفن، لكن الآن يبحثون عن الأرخص". مراحل العمل يشرح لنا عم أحمد المراحل المختلفة للتطعيم بالصدف، قائلاً: "يمر الصدف أولاً بعملية صنفرة لكي يصبح أملس، ثم مرحلة تقطيع ليصبح قطعاً صغيرة يطلق عليها مبرزة، ثم تأتي مرحلة وضعه على الخشب، وهنا قد تحتاج القطعة لرسم عليها بالقلم الرصاص، لكي يتم وضع الصدف وفقاً لشكل هندسي معين، أو يقوم الصدفجي بارتجال وابتكار أشكال متناسقة مثلما أفعل، حيث أبدأ من منتصف القطعة الخشبية التى أعمل عليها ثم أتدرج إلى أطرافها، وأقوم بتثبيت الصدف بالصمغ، وبعد تثبيته أقوم ببرده بالمبرد حتى تصبح كل الأصداف على مستوى واحد، بعدها أمسحها بورقة "سمادش" حتى تصبح ناعمة، ثم أدهنها بزيت معدني حتى تصبح لامعة لأطول فترة ممكنة". المهنة تنقرض يرفع عم أحمد نظره إلينا، ويضيف "المهنة لم تعد كما كانت في الماضي، فالخامات أسعارها ترتفع كل يوم، ولا يوجد صنايعية جدد يتعلمون صنعة تطعيم الصدف، وهناك الكثير من أصحاب المهنة تركوها ليعملوا بمهن أخرى توفر لهم دخلاً أعلى". ثم لحظة كمن يبحث عن مبرر لما يقوله، ثم يواصل "الصناعة تنقرض بسبب ما نمر به من كساد منذ سنوات، فأغلب الزبائن كانوا من السياح، ومع قلة عددهم بدأت المهنة تعاني الكثير من الأزمات". يحكي لنا عم أحمد عن عائلته "لديّ ثلاث بنات في مراحل التعليم المختلفة، كل حلمي أن أصل بهن إلى بر الأمان، حتى لو أكلت بملح أنا وأمهم، فالحياة الآن صعبة، ولم تعد كما كانت في الماضي". بين الفن والصنعة يقف عم أحمد الصدفجي على باب الإبداع، ليحفظ فناً إسلامياً حافظ عليه مئات السنين، إلا أنه مهدد بالانقراض برحيل هذا الجيل من مبدعي هذه المهنة.