لاشك أن مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى يحتاج صفحات ومجلدات لوصف الانتصار العظيم الذى حققه المصريون بإرادة قوية وصبر معروف عنهم فى الشدائد، لاشك أن كل كلمة وكل حرف جاء بهذا الحدث التاريخى يستحق الثناء والتقدير، ولكن هناك كلمة لم تحظ بحقها من الاجلال والتقدير وأقصد تلك الكلمة التى ألقاها محافظ البنك المركزى، فالرجل يعرف جيداً معنى وقيمة المؤسسة الكبرى التى يديرها، فمن خلال تلك البوابة ستعبر مصر أزمتها وتحقق جميع الأحلام المشروعة التى تم الإعلان عنها خلال المؤتمر ومن خلالها سيحدد المستثمر الكثير من حجم استثماراته،ومن هنا جاءت أهمية كلمة «هشام رامز» الذى وقف بثقة الفراعنة ليعلن للعالم كله أنه لا توجد سوق سوداء للعملة فى بلادنا حالياً ويؤكد أن البنك المركزى قام بفرض بعض القواعد التى قضت على السوق الموازية للعملة، والتى نسميها فى مصر السوق السوداء. وفى رسالة واضحة ومحددة لجميع الضيوف قال هشام رامز: إن البنك المركزى التزم بالوفاء بجميع المستحقات الخارجية فى موعدها بما فى ذلك أقساط نادى باريس ومستحقات أخرى، وقال إن القطاع المصرفى المصرى موجود وسيدعم كل المستثمرين، وضرب محافظ البنك المركزى المثل الأكبر حين اشار إلى أنه جرى جمع 64 مليار جنيه فى 8 أيام فقط، فى إشارة إلى شهادات الاستثمار فى مشروع قناة السويس الجديدة. وأعلن رامز أن مصر اتخذت خطوات شجاعة لضمان فاعلية السوق الأجنبية، كما خلقت مناخا ودودا للمستثمر، مشيرا إلى أن تقرير صندوق النقد الدولى الأخير اعترف بالخطوات الشجاعة التى اتخذتها الحكومة واتخذ قرارا بإعادة النظر فى تصنيف مصر. إن تلك الكلمات ورغم أنها جاءت وسط عشرات الكلمات المهمة والمؤثرة فى مسيرة المستقبل فانها تقدم خريطة مريحة للمستثمر الذى كان ينتظر معلومات واضحة حول (بنك الدولة) ورأسها فى قيادة المرحلة المقبلة، نعم جاء المستثمرون من كل بلاد العالم، ونعم تحقق الحلم الكبير بحضور غير متوقع لمختلف دول العالم،لكن يظل البنك المركزى هو الضمانة لكل هؤلاء، ومعدلات استقراره هى الحافز الأكبر للمستثمرين، فمن المعروف أن البنك أنشىء بقرار جمهورى عام 1961 ككيان مستقل وهو يمثل البنك الرسمى للحكومة المصرية ومن مسئولياته الأساسية ضمان تحقيق استقرار الأسعار وصياغة وتنفيذ السياسات النقدية والائتمانية والمصرفية وإصدار أوراق النقد وتحديد فئاتها ومواصفاتها إلى جانب إدارة احتياطات الدولة من النقد الأجنبى، وقد تكون المهام معروفة للجميع ولكن كيفية تفعيلها والسيطرة على السوق من خلالها كانت تحتاج رجلاً فى وطنية وإخلاص هشام رامز الذى أقدم على خطوة غاية فى الأهمية حين أصدر قراراً فى فبراير الماضى بوضع حد أقصى للإيداع النقدى «كاش» بالدولار الأمريكى ب10 آلاف دولار يوميا من الأفراد والشركات، وإجمالى الإيداعات الشهرية بحد أقصى 50 ألف دولار، وهو قرار تاريخى بكل معنى الكلمة حيث يعرف المتخصصون كم كان هذا القرار ضربة قاضية للسوق السوداء للدولار، ورغم الحرب الشرسة التى شنها البعض ضد الرجل إلا أنه خلال عشرة أيام فقط أثبت هشام رامز أنه كان على صواب وأن أصحاب المصالح من مافيا السوق السوداء وغسيل الأموال كانوا وراء الحملات الشرسة ضده، فقد دخل البنوك فى فترة العشرة أيام 1.2 مليار دولار زيادة على الوضع الطبيعى، والذى كان محدوداً، وكانت الرسالة واضحة:لا عودة عن القرار وسوف يستمر البنك المركزى فى اتخاذ القرارات التى تحقق المصلحة العامة لمصر. والحلول التى لجأ إليها هشام رامز لتطبيق هذا القرار التاريخى أكدت أنه صاحب رؤية ويمتلك الثقة الكافية لتنفيذ وتطبيق قرارات البنك المركزى، وهى حلول فنية وليست بوليسية أو أمنية،حيث تم التحضير إعلامياً واتخاذ جميع الاجراءات، واختيار التوقيت المناسب لإصداره، وحقق المستهدف منه، هذا بخلاف الآثار الايجابية على الاقتصاد المصرى ورفع التصنيف العالمى، فمن المعروف أن أى بلد فيه سعران للعملة يكون التصنيف سيئاً جدا وغير منتظم، والآن أصبح هناك سعر واحد للدولار، وتم عمل ذلك باسلوب محترف يفكر خارج الصندوق ويمهد التربة المناسبة للمؤتمر الاقتصادى.. كانت تلك الخطوات استباقية مثل الضربات الحربية وصدرت فى توقيتها المناسب، ولاشك أن الكلمات الواثقة التى تحدث بها هشام رامز فى كلمته صباح السبت الماضي (14 مارس) كانت حصيلة تلك الجهود التى بذلها أثناء الإعداد للمؤتمر، وهى تمثل الحجر الأساسى فى ثقة المستثمر الذى جاء إلى مصر تعبيراً عن احترامه وتقديره لها من ناحية وبحثاً عن أرباح ونجاحات لاستثماراته والتى لن تتحقق إلا بالثقة فى الجهاز المصرفى وقدرته على التحكم فى السوق وحماية المستثمر من المتلاعبين ومافيا السوق السوداء. أثلجت كلمات هشام رامز قلبى وجعلتنى أكثر ثقة فى اكتمال منظومة النجاح التى بدأت على أرض شرم الشيخ وستحمل الخير لمصروشعبها بمشيئة الله، ورأيت أن أقدم التحية لهذا الرجل الذى قدم للعالم كله نموذجاً محترماً فى كلمات بسيطة ومحددة كان لها مفعول السحر فى طمأنة كل ضيوف مصر وتجديد ثقتهم فى جهازنا المصرفى.. والحديث موصول عن هذا الرجل الذى تحدى جماعة الإخوان الإرهابية ولم يخضع للكثير من ضغوطهم والذى تحمل مسئولية الجهاز المصرفى فى أصعب لحظات يمكن أن يمر بها أى اقتصاد، ووسط تحديات صعبة، ومافيا تحاول السيطرة على سوق الصرف، وتحقيق أرباح خيالية، إن هشام رامز من هؤلاء الرجال الذين يعملون فى صمت ولا يبحثون عن شهرة أو نفوذ، والذى يحتاج مساندة من كل شرفاء مصر فى الفترة المقبلة كرمز للوطنية.. التحية لصاحب الدور الخفى فى مؤتمر شرم الشيخ وإلى حديث قادم عن أدوار مهمة قام بها هذا الرجل بعيداً عن الضجيج .