وزير الخارجية، موشيه دايان، بدأ يائسا في حديثه مع نائب الرئيس الامريكي، وولتر مونديل، الذي جرى في فندق الملك داود في القدس في 1978. "أنا مجرب في المفاوضات مع العرب منذ 30 سنة، بدون نتائج، باستثناء ان بعض اولئك الذين أدرنا معهم المفاوضات قتلوا"، . محضر الحديث بين الرجلين نشر اليوم في موقع ارشيف الدولة، الى جانب نحو 70 وثيقة من مئات الصفحات توثق محادثات السلام المباشرة بين اسرائيل ومصر، التي بدأت بعد زيارة الرئيس أنور السادات الى اسرائيل في تشرين الثاني 1977. النشر الكامل، تحت عنوان "بقلب أليم ولكن برأس مرفوع – من كامب ديفيد الى اتفاق السلام"، رفع على الانترنت بمناسبة 35 سنة على التوقيع على اتفاق سلام بين اسرائيل ومصر، في 1979. ويتضمن النشر وثائق من الغرف المغلقة للمباحثات السرية بين الطرفين، بما فيها البرقيات، الرسائل، تسجيلات المحادثات ومحاضر جلسات الحكومة وطواقم المفاوضات. وضمن أمور اخرى تكشف لاول مرة سجلات محادثات اعضاء الوفد الاسرائيلي التي سجلها بخط يده البروفيسور أهرون باراك، الذي كان في حينه المستشار القانوني للفريق الاسرائيلي المفاوض. ووثق باراك بعضا من اللقاءات الاهم، والتي لم يحضرها مسجل المحاضر. في قسم من الوثائق توجد مقاطع كاملة لا تزال محظورة النشر وخضعت للرقابة. "لهذه المحاضر، أهمية كبرى، كونها حتى الان لم تنشر وثائق أصلية من مؤتمر كامب ديفيد"، قالوا في أرشيف الدولة. الاطلاع على الوثائق، المكتوبة بالعبرية وبالانجليزية، بخط يد وبآلة طباعة، يبين ما الذي أدى برئيس الوزراء مناحيم بيغن الذي قضى في بداية الطريق بانه لا يمكن تصور اخلاء المستوطنات الاسرائيلية في سيناء، الى الموافقة على اخلاء المستوطنين حتى آخرهم والقول: "كل شيء سيكون على رأسي. اطلب من عيزر أن يحميني من غيئولا كوهين". وتبين الوثائق ايضا كيف نجح الرئيس الامريكي جيمي كارتر في نقل بيغن والسادات من تبادل الاتهامات الى الصداقة والثقة المتبادلتين؛ كيف وجد وزير الخارجية دايان، رجل "العمل" سابقا صعوبة في الموافقة على اخلاء المستوطنات من سيناء، ولكنه في النهاية صرح في الكنيست: "خير السلام بدون شرم الشيخ من شرم الشيخ بدون السلام"؛ وكيف أن زميله بالذات عيزر وايزمن، رجل الليكود صرح: "اذا كان بوسعي أن اصل اليوم الى اتفاق سلام، فاني مستعد لان أذهب الى بتحات رفيح وأن اقول لهم غادروا". وتوثق الوثائق ايضا مساهمة اريئيل شارون في المفاوضات، الذي صرح بانه "من أجل السلام"، فانه "مع ازالة المستوطنات". ومن الجهة الاخرى فانها تكشف كيف تملص السياسيون الاسرائيليون من طلب تجميد بناء المستوطنات في اثناء المفاوضات وكيف وجدوا "صيغة" ساعدتهم على التملص من الحسم في مسألة مكانة القدس وكيف "حلوا" مسألة مستقبل يهودا، السامرة وقطاع غزة. مراجعة للمادة تساعد أيضا في الفهم لماذا تنفس الرئيس كارتر الصعداء في نهاية المسيرة وقال: "ما حققناه حتى الان ليس اقل من معجزة. يد الرب كانت في ما تحقق". بعد بضع ساعات من اللقاء بين دايان ومونديل، في 1978، جرى لقاء على مستوى اعلى، شارك فيه رئيس الوزراء بيغن ايضا. في هذا اللقاء حضر ايضا اريئيل شارون، الذي كان في حينه وزير الزراعة. "لا أدري، غريب أن يكون المرء ينتمي الى الدولة الوحيدة في العالم التي تحتاج الى الاقناع بحقها في الوجود وبحقها في الأمن، قال شارون. وفي تناوله للطلب العربي أن تنسحب اسرائيل من المناطق التي احتلتها في حرب الايام الستة، أعرب "ابو الاستيطان" عن معارضة قاطعة. "لست خبيرا في قرار 242. أنا مزارع. وللدقة – فلاح. أريد أن اقول هذا بكلمات بسيطة: اذا سألتني اذا كان يمكن لاسرائيل أن تنسحب من الضفة الغربية، فجوابي هو لا". واضاف شارون قائلا: "قاتلت في كل حروب هذه الدولة على مدى 30 سنة. رأيت كل الخوف والامور الاكثر فظاعة في الحرب. صدقني، من رأى هذه الامور يريد السلام أكثر من اي شخص آخر: ولكني اريد الا اقلل من أهمية شيء واحد: مع أننا نريد السلام، نحن أمة مستعدة للقتال. ويمكنني أن اقول لك اني رغم مشاركتي في كل الحروب، وصدقني، اريد السلام. أنا مستعد لان اقاتل مرة اخرى في عشر حروب اخرى كي اضمن وجود هذه البلاد". في نهاية ذاك شهر يوليو ، عقدت جلسة لجنة الخارجية والامن، قدم فيها وزير الدفاع، عيزر وايزمن، تقريرا عن لقائه مع الرئيس المصري السادات، في 13 يوليو في سالسبرغ في النمسا. ووصف وايزمن تجربته وانطباعاته بطريقته المميزة: "توجد عدة امور هي جد انسانية، حميمية. انت تجلس مع انسان. هو ابن 60. هو زعيم امة. هو هاجمنا. هو قاتلنا. هو مع النازينن... أنت تجلس مع شخص كهذا هو زعيم 40 مليون نسمة". ولاحقا اضاف وايزمن: "لن أتحرر من حقيقة أنه العربي الاول الذي يقوم بخطوة مجنونة كهذه، من زاوية نظرنا. أعترف بان قسما على الاقل من اصدقائي، الذين عملوا في معظمهم في الامن من عمر 18، قسم من فهمنا ان في جيلنا لن نرى عربيا يعترف بنا... أنا تربيت في مثل هذه الاجواء. لا أقول اني توقفت عن الخوف منها. إذن أنا أجلس مع مثل هذا الغير سبعة اشهر... لا أدري كيف سيحاكم التاريخ هذا" ولاحقا وصف وايزمن لاعضاء اللجنة لقائه مع السادات: "عندما دخلت هذه المرة الى غرفته... منذ زمن بعيد لم أجده ينفعل هكذا. عانقني وقلني قبلتين. وقد فوجئت. قلت له: "انت تبدو حسنا وقد زدت وزنا". وعندها قال: "كل شيء سينزل في رمضان". الحديث بيننا استغرق ثلاث ساعات ونصف وبعد ذلك نصف ساعة اخرى مع زوجته". وفي موقفه من اللقاء مع زوجة السادات جيهان، نفى وايزمن الشائعات عن أنه قبلها. "كل الاقاويل عن القبلات هي هراء وترهات. لو كنت قبلتها لالقى السادات بي من النافذة الى الخارج. الكتابة اني قبلت مسلمة هي هراء تام". عندما أجل وايزمن استنتاجاته من اللقاء قال: "... يجب الجلوس مع هذا الغير والسماع ما يقول. لسنا ملزمين بقبول ما يقول ولكن أن نفهم ما يقوله واجب بالتأكيد... علينا أن نرى من حولنا العالم الذي نعيش فيه وان نتذكر بان مع كل قوتنا ومع اخترتنا يا رب فاننا ثلاثة ملايين. صحيح، مع قوة عظيمة لم تسبق أن كانت لنا، فسواء نسبيا أم سكانيا، وهم يعرفون هذا. وعلى هذا يجب أن نكرر بين الحين والاخر كل الاقوال الجميلة التي تقال، مثل الاحفاد وما شابه. عندي تسعة". في حديث آخر، جرى في 17 يوليو 1978 بين دايان ونظيره الامريكي سايروس فانس، سئل عن الحدود المستقبلية لاسرائيل. وادعى دايان بانه لا يمكن ترسيم حدود بين اسرائيل وجيرانها وشرح: "برأيي، كل محاولة لتحديد خط أين ستكون الحدود بين الدولتين لن تنجح، إذ لا يمكننا أن نجد مثل هذا الخط. ماذا سنفعل مع غزة؟ كان يسعدني لو كان بوسعنا أن نهدم غزة ونتخلص منها. ولكن اين سيكونون عندما سيكون تقسيم؟ وماذا سيكون في القدس. لا يريدون تقسيمها، وكيف يمكن قطعها عن بيت لحم؟ لن يكون مفر من العودة الى فكرة العيش معا. حاولت ايجاد خط حدود... مثل هذا الخط لم يكن ابدا مقبولا على العرب. والان ينبغي العيش معا، والا نقرر خطا...". في جلسة وزارة الخارجية، فى اغسطس 1978، تناول دايان العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين. "لا أعتقد أننا نوقع سوء بالعرب كجمهور. كم عربيا قتلنا؟ توجد حالات استثنائية، ولكن لم ترتكب جرائم. اذكروا الاوضاع المعاكسة التي في فترة الاضطرابات حين يعلق يهودي في البلدة القديمة، فانه ما كان سيخرج من هناك دون سكين في الظهر"، قال. "بشكل عام، الجمهور الفلسطيني هو جمهور ذكي... بشكل عام، العرب هم نشطاء جدا... العرب، بما فيهم البدو، هم شعب نشيط يعرف كيف يعمل. هناك أمور لا يمكنهم أن يعملوها بدوننا، ولكن قبل كل شيء الامور الاساسية يعرفونها بأنفسهم. على مدى زمن قصير أدركوا كل الموضوع′′، اضاف. توترات، مصاعب وتهديدات بالفشل رافقت المفاوضات حتى اللحظة الاخيرة. هكذا، في سبتمبر 1978، في اثناء مؤتمر كامب ديفيد، تحدث بيغن ضد الاقتراح المصري للاتفاق. "اذا لم يكن الحديث يدور عن دولة فلسطينية فأنا غبي"، قال في جلسة الوفد الاسرائيلي. "اعذروني على هذا التعبير البياني"، اضاف وقال لا حاجة للبحث حتى في الوثيقة لانها "الاكثر تطرفا التي يتقدم بها المصريون". ولاحقا قال ان هذه "وصفة لابادة اسرائيل". الرئيس المصري ايضا لم يثق بمحادثيه. ففي التصريحات المختلفة كرر السادات الادعاء بان اسرائيل تريد أرضه وأنه لن يوقع على الاتفاقات اذا لم تسوى مسألة المستوطنات. وتساءل: "كيف أعقد اتفاقا مع اناس لا اثق بهم؟". وتوثق المحاضر أيضا الخلافات داخل الوفد الاسرائيلي. هكذا، احتج دايان على سلوك بيغن وادعى بانه يفرض رأيه. "نشأ وضع توجد فيه صعوبة في الاعراب عن اراء مختلفة عن ارائك"، قال له. "منذ الاستنزاف في قناة السويس، لم تقع حرب استنزاف اقصى على شخص آخر"، اجابه بيغن. في النهاية وجدت الصيغة التي كانت مقبولة على الجميع. "كل شيء سيكون على رأسي. سأطلب من عيزر ان يحميني من غيئولا كوهين"، قال بيغن. في وثيقة أخرى توثق لقاء شارك فيه الرئيس كارتر ورئيس الوزراء بيغن في 10 سبتمبر 1978. وعرض كارتر على الاسرائيليين دوره في المفاوضات: "كمبدأ، بودي القول ان المشاكل الاساسية، باستثناء الامن، لا تهمني. لا يهمني الف مستوطنة او 100 الف مقيم في المناطق. لا يهمني اذا اعدتم الى الاردن، لا يهمني اذا اتفقتم مع الاردن. هذا هو. ليس عندي موقف مختلف عما تتفقون فيه انتم والاردن، انتم والمصريون. هدفنا الوحيد هو أن نجلب الافكار المتضاربة الى حد التوافق". بعد يومين من ذلك، في 12 سبتمبر قال وايزمن اذا وقفت المستوطنات بين اسرائيل والاتفاق مع مصر، فانه مع السلام "وحتى المستوطنات يجب أن تختفي... اذا كان بوسعي أن اتوصل اليوم الى اتفاق سلام مع المصريين على قدس موحدة، حدود مفتوحة، دبلوماسية، شرم مفتوح، فمستعد لان اصل الى بتحات رفيح واقول لهم غادروا". وفي النهاية، في 17 سبتمبر 1978، في الاحتفال في البيت الابيض وقع الرئيس كارتر، مع بيغن والسادات على اتفاقات كامب ديفيد. بعد اسبوعين من ذلك في 24 سبتمبر ، عرض بيغن الاتفاقات على الحكومة وشدد على الصراع العنيد الذي أداره الوفد في موضوع المستوطنات في سيناء وقال للحكومة: "بقلب أليم ولكن برأس مرفوع أعرض هذا الاقتراح. ولماذا بقلب اليم؟ لاننا قاتلنا من أجل هذه المستوطنات كل الحروب الممكنة... توصلت الى الاستنتاج بان من الافضل هكذا من ابقاء المستوطنين. ولكن معرفتي هي اننا هكذا نخدم شعب اسرائيل". المفاوضات بين الطرفين استمرت حتى لحظة التوقيع على اتفاق السلام في يوليو 1979. في جلسة حكومية، وقعت في 1979 قبل التوقيع على الاتفاق قال بيغن: "من ناحية فلسطينية، سيأتي يوم وهذه ستسمى دولة فلسطينية. ونحن – هل نغمض أعيننا عن الرؤية؟". و يوم التوقيع على الاتفاق عقد لقاء بين كارتر وبيغن وقال كارتر: "اليوم هو يوم تاريخي" واضاف: "ما حققناه حتى الان ليس أقل من معجزة. ويد الرب كانت في ما تحقق حتى الان".