كشف الخلاف الحاد الذي نشب الأسبوع الماضي بين الأنبا بولا أسقف طنطا وممثل الكنيسة بلجنة الخمسين لتعديل الدستور، والأنبا آرميا رئيس المركز الثقافي القبطي والذي وصل للتراشق بالكلمات والهجوم علي مواقف وممارسات كل من الأسقفين بسبب خلافهما حول المادة الثالثة من الدستور عن عودة الصراع القديم الذي ظهر في عهد البابا شنودة الراحل بين مراكز القوي في الكنيسة وبعض الأساقفة الرافضين لهم والذي ظهر جليا قبل وفاة البابا شنودة ووصل إلي قمة ذروته خلال إجراء الانتخابات البابوية. وبمجرد تولي البابا تواضروس الثاني الكرسي المرقسي تغير الوضع وهدأت الصراعات بعض الوقت، إلي أن فجرت الأزمة الأخيرة الصراع مرة أخري عندما قام الأنبا آرميا بالهجوم علي الأنبا بولا وموقفه من المادة الثالثة، حيث فجر الأنبا آرميا المعروف بدبلوماسيته الشديدة مفاجأة خلال الندوة التي نظمها المركز الثقافي القبطي بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية برفضه تعديل المادة الثالثة من الدستور، وقد أحرجت تلك التصريحات الأنبا بولا ممثل الكنيسة بلجنة الخمسين ودفعته للرد بقسوة علي سكرتير البابا شنودة السابق عبر وصفه ب"الجهل"، حيث قال: "لو كانت تلك التصريحات حقاً للأنبا آرميا فهو قد تحدث عن عدم معرفة وعن جهل بالأمور"، مستشهدا بقول الأنبا أرسانيوس -أحد قديسي المسيحية- "كثيراً ما تحدثت وندمت أما عن الصمت فلم أندم قط". وقد قال الأنبا آرميا انه يرفض، تعديل المادة الثالثة من الدستور والتي تنص علي "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قيادتهم الروحية"، لتكون عبارة" غير المسلمين" بدلا من "المسيحيين واليهود"، مؤكدا أنها ستدخل المصريين في صراع كبير نحن في غني عنه الآن. وعندما زاد الهجوم عليه بسبب هذا التصريح أكد أن هذا التصريح أدلي به بصفته الشخصية وليس لكونه أحد رجال الكنيسة، مؤكدا انه يقدر الأنبا بولا حيث قال: "الأنبا بولا أستاذنا جميعًا وهو أسقف وأنا كنت طالباً في الكلية فأنا تعلمت منه الكثير". وقد عرف آرميا منذ أن توفي البابا شنودة بالحكمة والعمل في صمت ففي أول في أول تصريح له بعد وفاته، قال "نحن نعمل في صمت لاستكمال المسيرة"، لافتا إلي أن الحركة والعمل أبلغ بكثير من الدخول في صراعات بحكم الفراغ الكنسي وقتئذ. ولكن بعد ذلك بدأ الأنبا آرميا دخول حقل الألغام خلال فترة الرئيس المعزول محمد مرسي عبر زيارته لمكتب الإرشاد، وعلاقاته بالجماعة التي دفعت بعض الحركات القبطية إلي توصيفه ب"رجل الإخوان"، لكن الأسقف العام لم يهتم بهذا الوصف بقدر تركيزه في عمله بالمركز الثقافي القبطي، وكذلك اهتمامه بقناته "مار مرقس" الناطقة باسم الكنيسة. وقد وجهت حركات سياسية قبطية كثيرا من الاتهامات لآرميا منها انه يسيطر في الفترة الأخيرة علي المقر البابوي، وقد قابل رئيس المركز الثقافي القبطي هذه الاتهامات بالتجاهل، عازمًا علي إعداد سلسلة ندوات بعنوان "شارك في تعديل دستورك" الأمر الذي تسبب في تفجر الأزمة بينه وبين "بولا" ممثل الكنيسة بلجنة الخمسين. وقد قام عدد من الشباب القبطي بتنظيم مظاهرات أمام المقر البابوي اعتراضا علي تصريحات آرميا، معتبرين هذه التصريحات ردة إلي الدولة الدينية التي كان يريد الإخوان أن يقيموها، وأكد الشباب أن هذا الأمر غير مقبول في دستور مصر ما بعد ثورة 30 يونية، موضحين أن ما يقوم به الأنبا آرميا نوع من المجاملة للشيخ ياسر البرهامي الذي هدد بحشد السلفيين للتصويت ب(لا) في الاستفتاء علي الدستور حال المساس بالمادة الثالثة. وقد تقدم الشباب بمذكرة تحمل شكوي رسمية ضد آرميا للسكرتارية البابوية، ومن المقرر أن يتم التحقيق فيها خلال الأيام القادمة. من جانبه وصف الدكتور ميشيل فهمي المحلل السياسي الأنبا أرميا أنه كان يمثل رأس حربة البابا شنودة الراحل وحلقة الوصل الدائمة بين الحكام والبطريرك لافتا إلي أن ذلك ظهر جليا بعد ثورة 25 يناير في تقارب عدد من الأساقفة للمجلس العسكري ومنهم الأنبا آرميا الذي لعب دورا مهما في تواصل المجلس مع الكنيسة من ناحية وكان صديقا حميما لبعض قيادات جماعة الإخوان من ناحية أخري في الخفاء. وأضاف: ظهرت هذه العلاقة الخفية بعد وصول جماعة الإخوان للحكم حيث قام آرميا بتنسيق عدد من اللقاءات بين قادة الإخوان والأنبا باخوميوس القائم بأعمال البابا واستمر ذلك الدور بعد تولي الأنبا تواضروس الكرسي البابوي وحضر عدد من قيادات الإخوان إلي الكاتدرائية لمناقشة بعض القضايا وكان في استقبالهم الأنبا آرميا. وقال فهمي: هذه الأمور ساهمت بشكل مباشر في خلق حالة من النفور لدي بعض الأساقفة تجاه الانبا آرميا الذي كان يعزز مواقفه دائما الأنبا بيشوي في عهد البابا شنودة حيث كانا يهدفان من ذلك إلي وصول الأنبا بيشوي إلي كرسي البطريرك وكلها عوامل ساعدت علي تأجيج حالة النفور تجاههما وخاصة من قبل الأساقفة الرافضين لفكرة التقارب مع جماعة الإخوان خاصة بعد تأكد نفوذ وسيطرة "أرميا" في الضغط علي البابا شنودة لمقابلة محمد بديع مرشد جماعة الإخوان بالكاتدرائية قبل وفاته بأيام قليلة. وأوضح أن الأنبا آرميا كان يهدف من هذه الزيارة إلي الحصول علي صورة تجمع مرشد الإخوان والبابا معا لكي يتم بثها عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية لتنقل رؤية محددة مفادها أن الكنيسة والأقباط يؤيدون الإخوان إلي أن جاءت الطامة الكبري للأنبا آرميا والتي أثارت ردود فعل غاضبة ضده عندما تحدث في مركزه الثقافي القبطي المشكوك في هويته -علي حد قوله- حول الدستور ورفضه لتعديل المادة الثالثة رغم أن هناك ممثلا رسميا للكنيسة داخل لجنة الدستور هو المسئول للحديث عن الدستور وهو الأنبا بولا الأمر الذي أدي إلي ظهور ما يمكن وصفه بعملية "ردح" علني بين الاثنين وكان ذلك بمثابة الفتيل الذي أشعل الخلافات القديمة وجعلها تطفو علي السطح من جديد. وتابع: بدلا من الإيمان بروح الائتلاف اعتنق الأساقفة روح الاختلاف ودخلوا في صراعات تهدف للوصول للمركز المقرب دائما من متخذي القرار في الكنيسة وهو البابا. وأشار فهمي إلي أن المستفيد الأول من هذا الخلاف هم الإخوان لأنهم بذلك سيخلقون نوعا من الانقسام والصراع بين الأقباط لافتا إلي أن الإخوان يتمتعون بمكر ودهاء سياسي وهذا من خلال محاولتهم العودة إلي الحياة السياسية عن طريق الأنبا آرميا صديقهم الحميم -علي حد وصفه- وذلك لكي يعيدوا تقديمهم للمجتمع القبطي في مؤتمره الذي شارك فيه كمال الهلباوي. وفي نفس السياق أكد مينا ثابت الناشط السياسي أن الأنبا أرميا لديه تاريخ حافل من الخلافات والمشاكل مع قطاع كبير من الأقباط نتيجة لديكتاتوريته التي كان يمارسها داخل الكنيسة في عهد البابا شنودة. وقال: الأنبا آرميا لديه مشكلة خاصة في أنه يسعي دائما لفرض رؤيته داخل الكنيسة وعلي الأقباط وذلك بحكم منصبه السابق كسكرتير شخصي للبابا شنودة وهذا ساعده علي فرض سطوته وتنامي نفوذه داخل الكاتدرائية خاصة في الأيام الأخيرة للبابا شنودة نظرا لسوء حالته الصحية وقتها. وأوضح أن الأمر زاد تعقيدا بعد أن دخلت لغة المصالح المشتركة بينه وبين عدد من قيادات تيار الإسلام السياسي لافتا إلي أن وجود الأنبا باخوميوس القائم بأعمال البابا الذي حاول في فترة عمله إصلاح بعض الأوضاع المتردية التي وصلت إليها الكنيسة في الفترة الأخيرة من حياة البابا شنودة ومنها تقييد دور الأنبا آرميا والحد من سطوته من خلال وضع أطر وقواعد لإرساء العملية المؤسسية داخل الكنيسة والتي حملها من بعده البابا تواضروس. واستطرد ثابت قائلا: وبعد أن كان آرميا هو الآمر الناهي في الكنيسة خفت نجمه وضعفت سلطاته لكنه عاد من جديد وفرض نفسه علي الساحة من خلال إيجاد مكان له بالكاتدرائية وهو المركز الثقافي الذي استخدمه منبرا ليدلو بدلوه في عدد من القضايا المختلفة التي تشهدها الساحة وخاصة الأمور السياسية وذلك علي الرغم من قصر رؤيته السياسية والتي كانت سببا في وقوعه في أخطاء عدة.