حين أوشكت الحملة الأمريكية على العراق أن تؤتي أكلها وتقضم ما تبقى من مقاومة عام 2003، حط جورج بوش على حاملة الطائرات ابراهام لنكولن بحوامته العسكرية، وقفز في زي طيار على منصة الحاملة ليقف أمام عدسات الكاميرا وخلفه لوحة دعائية ضخمة كتب عليها بحروف بارزة " انتهت المهمة" . وفي الخريف التالي، أدرك المراقبون أن الإعلان جاء سابقا لأوانه، ففي غضون سبعة أشهر من الإعلان الكاذب، فاق عدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق عدد طلائع الغزو. وعلى إثر ذلك، تدنت شعبية الرئيس بوش من واحد وسبعين بالمئة إلى خمسين بالمئة. وفي الثامن عشر من اكتوبر من العام نفسه، سأل إعلامي جورج بوش إن كان قد تسرع في الوقوف إلى جوار لافتة وضعت في الزمان الخطأ، لكن بوش أنكر علاقته باللافتة وادعى أنها لا تخصه وأن طاقم لنكولن هو من أساء التقدير ووضع لافتة حسن الختام خلف صورة سفاح لم ينته من مهمته التخريبية بعد. لكن الإنكار كان سيد الأدلة على أن أمريكا في محنة، وأن زعيمها الملهم كاذب، وأن حملته الدعائية كانت سافلة ودنيئة لأنها باعت الوهم للأمريكيين مقابل دمائهم، وورطت جنودهم في حرب لم يعرفوا حتى اليوم لماذا زج بهم في أتونها. لكن بوش - ومن وراءه مهندسو الخراب الكوني - كان يعرف وجهته ويحيك الأباطيل عمدا ويستخدم الإعلام الهوليودي المتصهين لتضليل الرأي العام في أمريكا. وبعد انتهاء الحرب أقرت حملة القائد المظفر أن الإعلان قد أعد وصمم بأيد بيضاوية، لكن الحقائق المؤجلة لم تشفع أبدا لخطايا التاريخ وذنوب الجغرافيا، ولم تلطخ دفاتر الأفاكين الذين احتالوا على مشاعر البسطاء بشعارات كاذبة تعد العراقيين بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية. هكذا التاريخ مستعد دوما للصفح عن جرائم الأقوياء، وجاهز أبدا لنبش قبور البسطاء والمستضعفين مدججا بكاميرات تفقد بؤرتها وبوصلتها لتتجه حيث يريد سمسارو التاريخ وبائعو المدن. لكننا اليوم نعلن في حملة دعائية مضادة أن الحرب لم تنته، وأن مهندسي الوقيعة في بلادنا يحاولون ردنا ردا غير جميل إلى الحكم البسماركي بالحديد والنار. نعم، لا زال سدنة البيت الأبيض يكرسون طاقاتهم الهوليودية لطمس وعينا وإدخالنا بيت طاعتهم ببزات قضائية هذه المرة ليغتصبوا البلاد للمرة الألف بمباركة شعبية ونخبوية وتأييد إعلام عاهر لا يوجه كاميراته أبدا نحو خاصرة الوطن. بدأت اللافتات الكاذبة ترفع خلف صورة الرئيس الجديد لتوهمنا أن الثورة قد انتهت وأننا على مشارف نصر مؤزر وأن على الثوار الطيبين العودة إلى ثكناتهم بعد أن تحقق مرادهم بجلوس رجل منهم على كرسي العرش، ونحن نعلم وهم يعلمون أنهم كاذبون، وأن البلاد لم تحتل أي جزء من خلفية الصورة المفبركة، وأن عيني الرئيس الزائغتين تكذبان الشعارات البارزة فوق صدره المفتوح للوطن. نحن نعلم وهم يعلمون أننا لا نصدق حرفا من دعاياتهم الرخيصة لأنهم استخدموا إعلاما بدائيا ممسوخا لتزوير شهادة الحرية، ووقفوا خلف صورة الرئيس الحالي كما وقفوا ذات خلع خلف صورة الرئيس السابق. نحن نعلم وهم يعلمون أن مهمة الثوار لم تنته، وأن مقعد الرئاسة منزوع الدسر لن يحمل وطنا ولا مواطنا، وأن حملات التشويه التي تدار بِلِحَى فلكلورية وقطاع أمل تؤتي أكلها وعيا إضافيا يزيد من رصيد مقاومي حملات الزيف والتشهير التي تقودها عصابات إعلام عابرة للأحلام. نحن نعلم وهم يعلمون أننا نقف أمام صورة زائفة ووعي يحاولون تغييبه ببراويز براقة وشعارات ناتئة، وأننا لا زلنا نقف على أرض محتلة وحاضر مرتهن ومستقبل يعبث الغربيون والشرقيون والأعداء من كل ملة بمكابحه. لكننا نعلم وهم لا يعلمون أننا حتما سننتصر.