صدرت جريدة «الأهرام» يوم الاثنين الماضى 13/2 وقد حملت البشارة فى صدر صفحتها الأولى بعنوان بارز لاسم مقال بقلم د. محمد بديع، المرشد العام للإخوان المسلمين، مع صورة كاتب المقال فى مربع بارز، ولعل جريدة «الأهرام» لم تحتف من قبل بمقال لرئيس إحدى القوى السياسية بعينها ولم تنوه بمثل هذا من قبل وإنما كانت تنوه لقصيدة يكتبها أمير الشعراء أحمد شوقى أو شاعر النيل حافظ إبراهيم، وذلك فى الزمان الماضى قبل انقلاب 52 أما بعد، فكانت تنوه من دون صورة لمقال يكتبه طه حسين أو توفيق الحكيم أو نجيب محفوظ وذلك بعد حصوله على نوبل.. ولم تسقط «الأهرام» فى مثل هذا العك الكروى أقصد العك السياسى إلا عندما نشرت المقالات الثلاثة الشهيرة لأمين تنظيم الحزب الوطنى المنحل أحمد عز فى أعقاب انتخابات 2010، وها هى تواصل «الأهرام» سياستها الرائدة فتنوه عن مقال لرئيس أكبر قوة سياسية ممثلة بالبرلمان ولعله ليس مصادفة بالقطع أن يكون ذلك النشرفى تاريخ وفاة مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا فى رسالة واضحة يرسلها الأحفاد الذين تولوا شئون الجماعة.. «ها نحن قد وصلنا يا زعيمنا».. والمثير للدهشة فى هذا الشأن أن تنوه «الأهرام» عن د. محمد بديع بوصفه الرسمى المرشد العام للإخوان المسلمين، حيث إن الجماعة غير معلوم رسمياً طبيعة وضعها القانونى.. ولأى قانون تتحدد ماهيتها وكيف يمكن محاسبتها مالياً.. فى حين أن باقى القوى السياسية خاضعة لقانون الأحزاب ومراقبة الجهاز المركزى للمحاسبات وغير خاف أننا لا نقصد جماعة الإخوان فحسب بل نضم لها الجماعات السلفية المختلفة والجمعيات الدينية التابعة لها وطبيعة مراقبتها ومحاسبتها من حيث التمويل والإنفاق، وهذه كلها مسائل غاية فى الشبحية وعدم إضاءة مفاتيح النور عليها دليل زاعق على أننا لسنا فى ثورة بل فى توافقات وموازنات سياسية كانت تمرر فيما مضى وليس مقبولاً أن تظل غير مرفوع عنها الحجاب والرؤية والمحاسبة. وفى مقال المرشد العام للإخوان تحدث عن التضحيات الجسام التى قدمها الإخوان، معتبراً أن النصيب الأكبر من تبعات مقاومة النظام البائد قد دفعه الإخوان وقدم فى ذلك إحصائية عن 40 ألف معتقل أنفقوا 15 ألف سنة فى المعتقلات فى واحدة من أغرب وأعقد الإحصائيات، وكذا فقد أكد قيام ثورتنا المباركة وفى القلب منها الإخوان ومن قبل يومها الأول!!، رغم معرفة الجميع بنكوص الإخوان عن المشاركة يوم 25 يناير وإعلانهم عدم المشاركة فى تلك التظاهرات، فضلاً عن روح الاستئثار بكل التضحيات والأعمال التى تمت من قبل جميع قوى الشعب المصرى فى مواجهة النظام البائد، ولعل مظاهرات رفض حرب العراق ومظاهرات مواجهة الغلاء والبطالة والدفاع عن الوحدة الوطنية كانت دائماً من نصيب المعارضة المدنية المصرية.. أما النصيب الأكبر فى معارضة حرب أفغانستان ومناصرة الشيشان والبوسنة والهرسك كانت دائماً للقوى المعارضة الإسلامية.. وليس هذا مجال الحديث عمن قدم أو تخاذل ولكن الأهم فى المسألة هو رفض اختزال المقاومة فى فصيل الإخوان وهو بالتأكيد غير صحيح.. هذا وقد كرر المرشد العام فى مقاله «لأول مرة يخرج الشعب المصرى ليختار ممثليه» و«لأول مرة تعلو الإرادة الشعبية» و«لأول مرة تكون هناك مساءلة لرئيس الوزراء».. وهو فى هذا يغض البصر عن تاريخ صنعه المصريون بأرواحهم ودمائهم أيضاً من ثورة 19 وحتى انقلاب 52، حيث انتخب المصريون برلمانهم الحر فى يناير 1924 وأتوا بسعد زغلول رئيساً للوزراء طبقاً للأغلبية الوفدية وهذا ما كرره المصريون لمرات عدة كان آخرها فى يناير 1950، حينما انتخب الشعب المصرى بإرادته الحرة ممثليه فى برلمان 1950 وليحوذ ممثلو الوفد على أكثر من 85٪ من مقاعده. وفى عرض شمولى مدهش بال عليه الزمان أطلت علينا هدى عبدالناصر من نافذة «الأهرام» أيضاً لتحدثنا وتذكرنا كيف استطاع العسكر أن يطردوا الملك الفاسد من البلاد ويطهروها من الخونة والرجعيين ووزعوا الأرض على الفلاحين رغم معارضة السياسيين السابقين، وكيف شنوا حرباً فدائية فى منطقة القنال ووقعوا اتفاقية الجلاء وحققوا ما عجز عنه السياسيون طوال أكثر من سبعين عاماً، وأكدت أن التاريخ العسكرى لأى شخص لا يمنعه من الاشتراك فى العمل السياسى، بل يدعمه بعلوم العسكرية واستعانت بنماذج من الخارج من ديجول إلى أيزنهاور ثم نددت بما فعله المدنيون بعد أن استلموا ثورة 19 فتنابذوا وتشتتوا وارتموا فى أحضان القصر وتعاونوا مع الاحتلال وخلصت من هذا لتطالب باستمرار حكم المجلس العسكرى ومد المرحلة الانتقالية مذكرة بما فعله ثوار يوليو عندما تراجعوا عن إجراء الانتخابات حتى لا يذهب البرلمان للإقطاعيين وقام ثوار يوليو بمد المرحلة الانتقالية لمدة ثلاث سنوات وتم الاستفتاء على دستور 56 ثم كان الحكم المدنى!! وبالطبع نشكر لكاتبة المقال أنها أعادت للذاكرة المصرية ألفاظاً وتراكيب طواها الزمان مثل «الخونة» و«الرجعيين» «الشعب وتفاعله مع القيادة الثورية»تلك الألفاظ التى دخلت متحف التاريخ الدعائى والإعلامى للطغاة وقد خطها حوبلز ودعايته النازية وتداولها كل ديكتاتور ومستبد، وثورة 19 الثورة الشعبية الوحيدة فى القرن الماضى استطاعت أن تنقل مصر من نظام السلطنة إلى الملكية الدستورية وأن ينال الوطن دستور 23 الذى كان يراه سعد زغلول ثوباً فضفاضاً.. واستطاع الوفد بزعاماته النحاس أن تتخلص مصر من ربقة الامتيازات الأجنبية، وأن تصبح عضواً بعصبة الأمم، واستطاع الوفد أن يوفر مجانية التعليم منذ عام 42 واستكمله فى وزارة 50/51 وكذا أصدر الوفد مجموعة القوانين العمالية الخاصة بتحديد ساعات العمل وإصابة العمل والضمان الاجتماعى وأيضاً استقلال القضاء.. إلخ من الإصلاحات الممتد أثرها إلى وقتنا هذا، فضلاً عن أن الوفد رفض فى عام 1930 توقيع معاهدة هندرسون، وقال النحاس كلمته الشهيرة تقطع يدى ولا تفصل السودان عن مصر، وقد كانت صخرة السودان هى العقبة الكؤود فى كل المفاوضات المصرية الإنجليزية، فلما جاء انقلاب 52 كان انفصال السودان عن مصر ثم كانت الحلقات الدامية فى مسلسل الحرب الأهلية فى جنوب السودان منذ عام 1958 وحين مدت مصر الناصرية بصرها صوب الشمال نحو سوريا ولم تنظر خلفها قط من أجل حماية مياه النيل ولم تتدخل لمنع أسباب الاقتتال والانفصال فى جنوب السودان، كان ذلك الخطوات الأولى الحزينة لانفصال الجنوب السودانى الذى تحقق مؤخراً!! ويعلم القاصى والدانى ما حدث فى مارس 54 وقيام أحمد الصاوى وإبراهيم طعيمة بتمويل ودفع التظاهرات الآثمة ضد الديمقراطية ومهاجمة مجلس الدولة ودق رأس السنهورى بالأحذية وفصل الصحفيين وأساتذة الجامعات فى سبتمبر 54 وتفجير القنابل الست فى جروبى ومحطة مصر لإثارة الذعر، كما ورد بمذكرات عبداللطيف البغدادى، وكان انحياز الإخوان للعسكر فى مواجهة الوفد وكل القوى المدنية المنتصرة للديمقراطية، أما توزيع الأراضى على الفلاحين فغير معلوم فى أى مصدر حجم الأراضى التى تم توزيعها من إجمالى الأراضى المصادرة التى تم تحويلها لمديريات الإصلاح الزراعى ليديرها النخب المختارة من رجالات النظام، وبالطبع فقد سقط من ذاكرة الكاتبة أسماء جيفرسون ماديسون المعروف بأبو الدستور الأمريكى أدمز إبراهام لنكولن وكلهم مدنيون أسسوا الأمة الأمريكية ووضعوا دستورها القائم حتى تاريخه وليس دستور 56 الذى كان النموذج الأمثل المحتذى به لكل دساتير الانفراد بالسلطة وتقزيم الوطن ليصبح فرداً لا مؤسسات وتعبيراً حياً لشعب يموج بالآمال والتطلعات وقد دفعت مصر أثماناً غالية لهذه المغامرات الاستبدادية التسلطية.. وسوف تمضى ثورة 25 يناير لأهدافها وطناً حراً مملوكاً للجميع متسامحاً ديمقراطياً عادلاً تحكمه دولة المواطنة والقانون.. سوف تمضى الثورة رغم مؤامرات فلول النظام البائد وتربص الخارج والتهافت والرغبة فى التهام الثمرة منفرداً على حساب الشهداء والأرواح والدمار.. لكن الثورة سوف تنتصر. ----------- عضو الهيئة العليا