عندما ينتقل شخص ما إلى مكان آخر ليتولي منصبا مهما أو ليرافق شخصا يحبه يكون من الصعب غالبا مواصلة الإتصال به من جانب أصدقائه، وعلى الرغم من أن التواصل عبر البريد الإليكتروني والتحدث من خلال الإنترنت والإتصالات الهاتفية التقليدية الجيدة يجعل من السهل على الأصدقاء البقاء على اتصال مستمر إلا أن مثل هذه الوسائل لا يمكن أن تحل محل اللقاءات الشخصية. ويحدث هذا للطلاب بعد أن يقضوا عدة أعوام من الجلوس في نفس الفصل الدراسي معا، فيذهب أحدهم ليواصل برنامجا دراسيا في دولة أجنبية بينما يختار طالب آخر البقاء ومواصلة الدراسة في بلده، وفي النهاية يحصل كل منهم على وظيفة في مدينة مختلفة ويجرفه تيار الحياه، وعلى مدار هذه الفترات الطويلة من الزمن وما يطرأ خلالها من تغيرات يكون من الطبيعي بالنسبة للأصدقاء أن يفقدوا الإتصال مع بعضهم البعض.
وعلى الأشخاص الذين لا يريدون أن تتلاشى أواصر الصداقة بينهم وبين زملائهم القدامى أن يبذلوا ويكرسوا مزيدا من الجهد والعاطفة والوقت.
ويقول الطبيب النفسي الألماني وولفجانج كروجر إنه بإمكانك أن تميز أنواع الصداقة الثلاثة عن طريقة قراءة ما كتبه الفيلسوف الإغريقي أرسطو الذي أعرب عن اعتقاده بأنها تنقسم إلى صداقة المنفعة وصداقة التسلية والصداقة الفاضلة.
ويوضح كروجر أن صداقة التسلية تقوم على تجربة الأصدقاء لأشياء معا في وقت الفراغ بينما تقوم صداقة المنفعة على تحقيق مصلحة ما، وكل من هذين النوعين من الصداقة يلعب دورا في مراحل معينة من الحياة ثم يتلاشى، ولكن الصداقة الفاضلة تختلف وعندما يتم تعهدها بالرعاية فإنها تستمر لفترة طويلة.
وفي هذه الفئة الأخيرة يمكن أن يعتمد الأصدقاء على بعضهم البعض في الغالب ويصبحون يدا واحدة، وعندما طرحت أسئلة على بعض الأشخاص في استطلاع للرأي حول عدد أفضل الأصدقاء لديهم كانت الإجابة عادة بالنفي أو بوجود صديق واحد فقط كما يقول هورست هايدبرينك وهو إخصائي في علم النفس الإجتماعي بجامعة هاجن المفتوحة بألمانيا، ويضيف إنه إذا سألت عن عدد الأصدقاء المقربين ستكون الإجابة خمسة أصدقاء على أقصى تقدير.
وتعد تمضية وقت مبهج والمصالح المشتركة والقيم هي أسس مثل هذه الصداقات.
ويقول كروجر إن الصداقات الوثيقة مهمة لدرجة لا تصدق بالنسبة لاستقرارنا العاطفي وبالنسبة لأمننا الداخلي، فالأشخاص الذين يقيمون مثل هذه العلاقات يعلمون أن لديهم شخص يمكنهم الإعتماد عليه بقوة وأنهم لا يقفون بمفردهم في مواجهة أحداث الحياة.
ويؤكد بيتر فيندل وهو معالج ومدرب على التواصل بالجامعة الكاثوليكية في مدينة إيشستات الألمانية أن أكثر المتطلبات أهمية للحفاظ على مثل هذه الصداقة هو التواصل المنتظم.
ويمكن استخدام مواقع التواصل الإجتماعي الإليكترونية لتبادل الصور والتفاصيل عن السفر وعما حدث خلال العام المنصرم، غير أن مثل هذه المعلومات ذات الجانب الواحد ليست كافية للحفاظ على استمرارية الصداقة بمرور الزمن.
ويقول هايدبرينك إنه بالإضافة إلى ذلك فإن الإتصال المباشر وتبادل الأحاديث يعد أمرا ضروريا، وأبسط أشكال الحوار المباشر هو الإتصال الهاتفي حيث يساعد على خلق إحساس بالقرب ويسمح بتبادل المعلومات المهمة عن الأحداث التي وقعت، كما أنه يقوي الشعور بأن الأصدقاء لديهم أشياء مشتركة.
ومع ذلك فلا يمكن لأي شكل من أشكال التواصل عن بعد أن يحل محل اللقاء الشخصي والمشاركة في تجربة معا، وفي هذا الصدد يقول كروجر إنه يجب إتاحة الفرصة للأصدقاء المقربين بأن يروا بعضهم البعض مرتين في العام.
وتعد اللقاءات المباشرة مهمة بوجه خاص عندما يتغير شيء أساسي في حياة الشخص الآخر، والأشخاص فقط الذين قابلوا شريكا جديدا أو زاروا شخصا في منزله الجديد هم الذين يمكنهم المشاركة في هذه الجانب الجديد من حياتهم، ولكن ما يبدو سهلا من الناحية النظرية لا يكون ممكنا دائما في الحياة العملية.
ويشير هايدبرينك إلى أن التطورات البارزة في مجرى حياة الأشخاص مثل مولد طفل تسبب تغييرات في الاهتمامات والمصالح المشتركة، وتؤدي أيضا إلى تقليص الوقت الذي يجب أن يكون فيه الناس على اتصال، ويقول إن مثل هذه التطورات هي أكثر الأسباب الشائعة لتفكك الصداقات أو لتصبح خاملة.
ويضيف إن هذا لا يتم ملاحظته وإدراكه غالبا لفترة طويلة، ثم عندما يرى الصديقان بعضهما البعض مرة أخرى يكون من الواضح أنه لم يعد ثمة شيء يربطهما معا.